قصمَ الحراك الشعبي المندلع في الجزائر منذ 22 فبراير(شباط) الماضي، ظهر حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، الغارق في صراعات داخلية وتجاذبات بين مناضليه، بشكل جعل الجزائريين يُطالبون بإحالة هذا الإرث التاريخي إلى المتحف حفاظاً على صورته وسمعته، إذ يُعتبر رمزاً من رموز ثورة التحرير التي أودت إلى استقلال البلاد عام 1962. ويقُود الحرس القديم لحزب جبهة التحرير الوطني، مساعي حثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طريق عقد اجتماعات مراثونية لانتخاب أمين عام جديد، تطوي به الجبهة أزمة الشرعية التي طاردتها في السنوات الأخيرة، اذ يرتقب أن تجتمع اللجنة المركزية الثلثاء المقبل وللمرة الثانية في غضون أسبوع، بحضور ما بين 400 و500 مشارك.
تأجيل انتخاب الأمين العام
وكانت الدورة الاستثنائية للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، قررت في اجتماعها الأسبوع الماضي، تأجيل انتخاب أمين عام جديد للحزب مع الإبقاء على الدورة مفتوحة، استناداً إلى القانون الأساسي للحزب الذي يمنح فترة تتراوح بين 15 إلى 30 يوماً لاستئناف أشغال الدورة المخصصة لانتخاب أمين عام جديد على رأس هذه التشكيلة السياسية. وشهدت أشغال اللجنة المركزية، خلافات وملاسنات حادة بين الأعضاء، الذين عبروا عن "رفضهم القاطع كل الوجوه القديمة المرفوضة شعبياً"، داعين إلى مرافقة مطالب الشعب في تجديد حزب جبهة التحرير الوطني بانتخاب "من هو أهل لإعادته إلى الطريق الصحيح".
12 مترشحاً
وترشح لمنصب الأمين العام للحزب الحاكم، 12 شخصاً، يتقدمهم رئيس مجلس النواب (المجلس الشعبي الوطني) السعيد بوحجة الذي عُزِل في واقعة أثارت الكثير من الجدل، وخلفه في المنصب معاذ بوشارب الذي يشغل منصب منسق قيادة الحزب، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقب استقالة الأمين العام السابق جمال ولد عباس، بشكل مفاجئ، وهو يشغل حالياً عضو مجلس الأمة ونائب الرئيس، ويواجه مشاكل مع القضاء الجزائري، الذي تقدم بطلب رسمي للبرلمان لرفع الحصانة عنه واستدعائه للتحقيق بشبهة سوء التسيير المالي في وزارة التضامن الوطني، التي تولّى حقيبتها بين العامين 2010 و2012. كما ترشح أيضاً كل من رجال الأعمال محمد جميعي، قرشي أحمد، وجمال بن حمودة الذي يعتبر الأوفر حظاً وفق مصادر من داخل لجنة الترشيحات، إضافة إلى حسين خلدون الناطق باسم الحزب.
بن حمودة الأوفر حظاً
ومن بين الأسماء المطروحة، يعد جمال ولد حمودة (64 سنة)، الأوفر حظاً وفق مصادر من داخل اللجنة المركزية للحزب، ونظراً إلى أنه رجل إجماع، وتوافقي ولم يسبق له التخندق في الصراعات الداخلية التي ضربت الحزب، وتعهد في حال انتخابه أميناً عاماً بإعادة الهيبة إلى الجبهة وإخراجها من الأزمة التي تعيشها. وقال: "سأكون خادماً للشعب لأن خط حزب جبهة التحرير الوطني يندرج في هذا المسار النبيل". وينص القانون الأساس للحزب الحاكم، على استيفاء الراغبين في الترشح لمنصب الأمين العام "عشر سنوات كاملة من النضال في صفوف الحزب من دون انقطاع، وعدم النشاط ضمن صفوف أحزاب أخرى في وقت سابق". ويعد حزب "التحرير الوطني" أقدم حزب سياسي في الجزائر وتأسس كجبهة شعبية قادت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي بين 1954 و1962 قبل أن يتحول إلى حزب سياسي بعد الاستقلال مباشرة أي في 1962، وبعدها قاد البلاد إلى غاية العام 1989 حين أقر دستور وضعته السلطات التعددية السياسية وسمح بتشكيل أحزاب جديدة.
تهم تطارد بوتفليقة
وفي موقف أثار جدلاً، وجّه عبد الكريم عبادة وهو أبرز قيادييّ حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، ورئيس حركة تقويم وتأصيل التشكيلة السياسية، تهماً إلى الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الشرفي للحزب منذ العام 2015، وشقيقه الأصغر السعيد بوتفليقة، بتدمير الجبهة، عقب توليه رئاسة البلاد في العام 1999 لينتقم عقب حادثة طرده الشهيرة من صفوفه في العام 1980. وأوضح عبد الكريم عبادة: "من المدهش وقاحة هؤلاء الذين اغتصبوا الحزب واستبدلوا برنامجه ببرنامج الرئيس، ذلك التبني غير الشرعي الذي ولدت عنه منظومة الفساد السياسي والأخلاقي والمالي"، مؤكداً أنها "حملت في طياتها بذور انهيار الحزب وأدخلته في أزمة قاتلة متعددة الأوجه أخطرها أزمة الصدقية، أزمة الثقة، أزمة التنظيم وأزمة التسيير". ووفق القيادي البارز في حزب التحرير فإن "القيادات التي توالت على قيادة حزب "الأفلان" في فترة حكم بوتفليقة استنجدت بتأجير أشخاص لا علاقة لهم بالأفلان وأحياناً شباب يتعاطون المخدرات لإظهار أن له قاعدة نضالية"، موضحاً أن "عمل الشارع البذيء أتت به قيادات في فترة بوتفليقة من بلخادم إلى سعيداني وولد عباس كلهم كرسوا هذا العمل المشين في الحزب". والتقويم والتأصيل، هي حركة أتت لإنقاذ الحزب مما يسميه عبادة من خطر الانحراف والانقسام، والعودة إلى خط الحزب الأصيل، لتحقيق رسالة ثورة أول نوفمبر1954 المجيدة وإعادة مكانته الشعبية، غير أن كل محاولاتها جوبهت بعراقيل ولم تتمكن من الوصول إلى هدفها المنشود. وتدفع الحركة نحو الذهاب إلى مؤتمر استثنائي جامع تعالج فيه كل الاختلالات.
تراجع الحظوظ
ويرى عدد كبير من المراقبين أن خروج الحزب الحاكم من الدوامة التي يعيشها حالياً مهمة شبه مستحيلة، في خضم التطورات المتسارعة التي تعيشها البلاد، والمطالب التي يرفعها حراك الجزائر، التي من أبرزها حل جبهة التحرير الوطني وإحالتها على المتحف، وهو ما قد يقلل حظوظها في الرئاسات المقبلة سواء المقرر إجراؤها يوم 4 يوليو (تموز) أو غيرها. ومنذ انطلاق حراك الجزائر في 22 فبراير(شباط) يواجه الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) دعوات إلى حله مع استرجاع الاسم التاريخي لصالح الشعب، باعتباره "قاسمًا تاريخيًا مشتركًا بين الجزائريين، ولمنع استغلال اسم الحزب الذي قاد ثورة التحرير". ويرفع المتظاهرون في الحراك الشعبي، شعارات تطالب برحيل حزب "جبهة التحرير الوطني" وحله، حيث يحملونه المسؤولية الكاملة عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، بسبب استغلاله السلطة وتزوير الانتخابات والإرادة الشعبية، والهيمنة على مقدرات البلاد، والفساد المالي والسياسي الذي بات مستشرياً بطريقة فاقت كل التصورات.
وفي وقت سابق، دعت المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين في الثورة التحريرية الجزائرية 1954-1962)، الجزائريين إلى "التمييز بين جبهة التحرير الوطني التي قادت الشعب الجزائري إلى التحرير وتحقيق النصر على الاستعمار، والحزب الذي أصبح اليوم عنواناً لكل مظاهر الفساد، مما جعل الجماهير تطالب برحيله، وهو ما يؤكد أن الحزب إستُغّل للتداول على الحكم طوال نصف قرن". وطالبت المنظمة، التي تضم كبار قيادات وقدماء ثورة التحرير، وانضمت مبكراً إلى الحراك الشعبي، بـ "تحرير جبهة التحرير الوطني وإنزالها المكانة التي تستحقها، ومنع توظيفها من أي جهة كانت، باعتبارها تراثاً تاريخياً مشتركاً لكل أبناء الشعب المخلصين"، ودعت إلى الاستجابة لـ "مطالب هذا الحراك الشعبي القائم، الذي لا يعبر فحسب عن مطالب وطنية مشروعة، بقدر ما هو استفتاء شعبي يعكس المطامح العميقة التي يتوجب على جميع الشرائح مواصلة العمل من أجل تجسيدها".