شكل الاجتماع الموسع الذي عُقد الأحد 28 أبريل (نيسان)، في مدينة أربيل، وضم وفداً من حكومة إقليم كردستان العراق وآخر من الحكومة العراقية المركزية، نقلة نوعية في العلاقة بين الطرفين، بعد توتر منذ إجراء الإقليم استفتاء الاستقلال في أواخر العام 2017، وما تلاه من إجراءات قاسية من قِبل الحكومة المركزية، التي توافقت وتحالفت مع دول الجوار لتحطيم ذلك المسعى الكردي.
مصدر سياسي كردي قال لـ"اندبندنت عربية" إن الأجواء كانت إيجابية، ولاحظ الطرف الكُردي الجدية لدى وفد الحكومة المركزية، خصوصاً في المسائل الاقتصادية والإدارية. وتوقّع المصدر أن يشكل هذا اللقاء عتبة ثقة مشتركة بين الطرفين، يستطيعان عبرها تجاوز آثار ما حدث طوال العامين الماضيين، ومناقشة القضايا الخلافية السياسية الإستراتيجية بعد تشكيل الحكومة المحلية في الإقليم. ويُنتظَر أن يتبلور ذلك الاثنين بعد اجتماع المكتبين السياسيين للحزبين الرئيسين في الإقليم، الديمقراطي والاتحاد الوطني.
تألف وفد الحكومة المركزية من وزراء المالية والثقافة والتخطيط والزراعة والصناعة، ومحافظ البنك المركزي ورئيس هيئة الاستثمار ومدير الجمارك، وعدد من مستشاري رئيس مجلس الوزراء العراقي.
فيما ترأس الطرف الكردي رئيس الوزراء الحالي نيجرفان البارزاني، الذي قال في مُستهل الاجتماع "الآن وكما كنا في السابق نؤمن بالحوار والإستراتيجية التي تتمثل بضرورة حل كل المسائل بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية بالحوار المستمر من طريق بغداد على أساس الدستور العراقي انطلاقاً من إيماننا بالشراكة البناءة في تنفيذ قرارات الحكومة الاتحادية وإدارة الدولة". وحضر اللقاء مستشار مجلس أمن الإقليم مسرور البارزاني، المرشح البارز لرئاسة حكومة إقليم كردستان الجديدة، ونائب رئيس الوزراء قوباد الطالباني، وعدد من الوزراء.
رواتب الموظفين والبشمركة
قالت مصادر سياسية وإعلامية مُتطابقة إن الطرفين توافقا ووقّعا على ثلاث من أصل خمس قضايا عالقة بينهُما، من دون أن تتوضّح تفاصيل ذلك التوافق. وتنتظر التفاصيل سفر الوفد الحكومي الكردستاني إلى العاصمة بغداد الأسبوع المُقبل، ليكون إعلان التوافق في مركز السيادة العراقية، وأن يبتّ الطرفان مُنذ الآن وحتى ذلك الوقت في بقية الملفات وما عرضا بشأنها، عسى أن يكون الإعلان في العاصمة بغداد شاملاً.
شكلت مسألة رواتب قوات البشمركة أهم النقاط التي تم التوافق عليها. فبينما كانت حكومة إقليم كردستان تتهم الحكومة المركزية بعدم تنفيذ واجباتها الدستورية تجاه قوات البشمركة الكردية، وذلك بغض النظر عن تسليحها ودفع رواتب عناصرها، على الرغم من أن الدستور العراقي ينص على أنها جزء من المنظومة الدفاعية العراقية، وحيث أن الحكومة المركزية العراقية تقوم بحسم جزء واسع من حصة إقليم كردستان العراق من الميزانية المركزية تحت بند "مصاريف سيادية"، تذهب عادة بكُليتها لمصلحة الجيش والقوى الأمنية وفصائل الحشد الشعبي العراقية.
وكانت الحكومة العراقية تتهم حكومة الإقليم بتضخيم أعداد منتسبي قوات البشمركة، وأن العقيدة العسكرية لهذه القوات لا تخضع لتوجهات القائد العام للقوات المسلحة العراقية. لكن الطرف الكردي يردّ بأن أعداد عناصر البشمركة بالنسبة إلى الجيش والقوى الأمنية العراقية أنما هي أقل من نسبة سُكان إقليم كردستان إلى عموم سكان العراق، وأن الأحزاب الحاكمة المركزية هي المتسببة بتغيير واحتكار العقيدة العسكرية للجيش العراقي، عبر تهميش الأكراد. عدا عن التسبّب بمنع الكرد من تملك أسلحة إستراتيجية، بالذات في ما يخص سلاح الطيران.
جدال مُطابقٌ لذلك كان يدور بين الطرفين بشأن رواتب موظفي الإقليم، إلى أن توافق الطرفان عبر قانون الميزانية العامة المركزية للعام 2019، إذ وافقت الحكومة العراقية على دفع رواتب موظفي الإقليم أياً كانت الخلافات السياسية بين الطرفين، شرط أن يلتزم الإقليم تسليم 250 ألف برميل من مستخرجاته النفطية إلى شركة التسويق الوطنية العراقية للنفط "سومو".
المنافذ الحدودية
المسألة الأخرى تتعلق بالمنافذ الحدودية. ففي حين كانت تصرّ الحكومة المركزية على أن الدستور العراقي يخوّلها وحدها إدارة تلك المنافذ وافتتاح غيرها وفق الحاجة، لأنها جزء من أمن الحدود الخارجية للدولة العراقية، وبالتالي يجب أن تتبع السلطة المركزية السيادية. فإن الطرف الكردي بقي مُصراً على أن الدستور العراقي يقول إن تلك السلطة مُخوّلة للحكومة المركزية فحسب عبر مشاركة إدارتها مع السلطات المحلية، من حيث الجهاز الإداري والتنظيمي والأمني، والتي يجب أن تتبع السلطة المركزية بيروقراطياً، لكنهم يجب أن يكونوا من مواطني إقليم كردستان وأجهزته الأمنية والإدارية.
إلى ذلك، فإن إقليم كردستان العراق ذاق مرارة توافق الحكومة المركزية مع دول الجوار لخنق الإقليم عبر تلك المنافذ، حتى أن تركيا وإيران هدّدتا الإقليم بعد إجراء الاستفتاء بأن الموظفين العراقيين المنتدبين من الحكومة المركزية أنما سيديرون تلك المنافذ من كل من إيران وتركيا، وفيما لو رفض الطرف الكردي قيامهم بأعمالهم، فإن هاتين الدولتين ستعتبران ذلك عملاً عدائياً موجهاً ضدهُما.
طوال السنوات الماضية كان ثمة منافذ حدودية بين إقليم كردستان والمناطق الأخرى من العراق، ساعد توافق الحكومتين على توحيد التعرفة الجمركية بين الطرفين الشهر الماضي لتفكيك تلك المنافذ. الأمر الذي فتح المجال لتوافقهما على موضوع إدارة المنافذ الحدودية.
أخيراً، فإن توافقاً مبدئياً بين الطرفين بشأن صادرات الإقليم من النفط بدأت تظهر ملامحه. فالتأجيل المُتكرر من قِبل المحكمة الاتحادية العليا في هذا الملف، إنما يدل على أن الحكومتين تبحثان عن حل سياسي ودستوري قانوني لهذا الأمر. كما أن التوافق بشأن تصدير نفط محافظة كركوك عبر أنبوب النفط الكردي إلى ميناء جيهان التركي، أنما كان إشارة أخرى في ذلك الاتجاه.
أجواء إيجابية
تسود أجواء إيجابية في العلاقة بين الطرفين مُنذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. إذ يستشعر الطرف الكردي بأن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لا يسعى إلى خصومة إقليم كردستان العراق، وهو الذي كان على علاقة طيبة مع الزعماء الأكراد منذ سبعينيات القرن المنصرم، حينما كان مقاتلاً مع قوات البشمركة. وأنه يعرف جيداً الأوضاع المأسوية التي تمر بها مختلف مناطق العراق، وأن خلق استقطاب ومواجهة مع إقليم كردستان من قِبل حكومته أنما سيفاقم الأوضاع الداخلية العراقية في مختلف المناطق.
كذلك تستشعر الحكومة المركزية بأن التوجه الإستراتيجي الراهن لإقليم كردستان أنما هو أقرب لخلق توافق مع الحكومة المركزية في مختلف الملفات، وأن الطرف الكردي ما عاد يراهن على الصدام مع الحكومة المركزية.
تساعد الظروف الاقتصادية المبشّرة على دعم توجهات الطرفين. ففي حين تزداد الصادرات النفطية العراقية اضطراداً، إذ أعلنت شركة التسويق العامة المركزية أن العراق صدّر خلال الشهر الماضي قُرابة 105 ملايين برميل نفط، بلغت قيمتها 6.5 مليار دولار، بسعر مبيع وسطي بلغ 64 دولاراً، أي بما يتجاوز التخمينات الموضوعة ضمن الميزانية العامة، التي قدّرت سعر المبيع بنحو 56 دولاراً، أي تحقيق عائدات فائضة تتجاوز المتوقّع بأكثر من 12 في المئة.
على المنوال نفسه، أعلنت مؤسسة الإحصاء في إقليم كردستان العراق أن نسبة البطالة في الإقليم انخفضت إلى نحو 10 في المئة، بعدما كانت تتجاوز 13 في المئة منذ ثلاث سنوات. فالحياة الاقتصادية في الإقليم تشهد انتعاشاً ملحوظاً، جراء الهطولات المطرية الوفيرة هذا العام، التي تهيّء الأجواء لأن يشهد الإقليم موسماً زراعياً وسياحياً مُبشراً، وتحت تأثير التوافق السياسي والإداري والاقتصادي بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.