توقع صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره عن مستقبل الاقتصاد العالمي، أن يحقق الاقتصاد الإيراني نمواً هذا العام بنسبة 2.5 في المئة، وهي نسبة أقل من متوسط توقع النمو لمنطقة الشرق الأوسط وأقل من نصف النمو المتوقع عالمياً عند 6 في المئة، وعدل الصندوق تقديره لانكماش الاقتصاد الإيراني العام الماضي 2020 من 5- في المئة إلى نمو بنسبة 1.5 في المئة، لكن تقرير الصندوق رجح ارتفاع التضخم إلى 39 في المئة هذا العام مقابل نسبة 36.5 في المئة العام الماضي، كما توقع ارتفاع نسبة البطالة في إيران إلى 11.2 في المئة هذا العام و11.7 في المئة العام المقبل مقابل 10.8 في المئة في 2020.
وعلى الرغم من أن تقديرات الصندوق أرجعت التدهور بشكل عام لأزمة وباء كورونا التي كانت إيران من أكثر الدول تضرراً فيها، إلا أن سياسة "الضغط الأقصى" التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ضد إيران كانت السبب الرئيسي في شبه الشلل الذي أصاب اقتصادها.
وبحسب جدول في تقرير الصندوق عن احتياطيات الدول المصدرة للبترول، يظهر تراجع احتياطيات إيران من العملة الأجنبية التي يمكنها الوصول إليها من 123 مليار دولار في 2018 إلى 4 مليارات دولار فقط العام الماضي، و2018 هو العام الذي انسحبت فيه الولايات المتحدة من اتفاق إيران مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي.
ومنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي بدأت في تطبيق استراتيجية ضغط اقتصادي عبر حزم عقوبات متتالية حتى وصلت العقوبات الأميركية على إيران إلى ما يزيد على 1500، وأدى ذلك إلى تبخر النمو الاقتصادي الذي حققته إيران منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015 مع تراجع إنتاجها النفطي بشدة وانخفاض صادراتها من الطاقة إلى قرب الصفر في مرحلة ما.
تجميد الأصول
من بين أهم ما في العقوبات الأميركية على إيران منذ 2018 تجميد الأصول الإيرانية في الخارج، وأدى ذلك إلى السحب من احتياطياتها من العملات الأجنبية حتى انهارت تماماً كما يتضح من أرقام تقرير صندوق النقد الدولي، ومع أزمة وباء كورونا طلبت طهران تمويلاً طارئاً بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي العام الماضي لمساعدتها في مواجهة تفشي الوباء، لكن الصندوق لم يستطع الموافقة في ظل الموقف الأميركي.
وبعد توقيع الاتفاق النووي وبدء رفع العقوبات، حقق الناتج المحلي الاجمالي الإيراني نمواً بنسبة 13.4 في عام 2016 وبنسبة 12.5 في عام 2017، ومنذ 2018 بدأ في الانكماش حتى وصل إلى وضعه المتدهور الحالي.
ومن النقاط الأساسية في مفاوضات فيينا بشأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، كما تريد إدارة الرئيس جو بايدن، مطالبة إيران بالإفراج عن أصولها المجمدة في الخارج بسبب العقوبات الأميركية، وكانت واشنطن اقترحت خلال المفاوضات السرية مع طهران في الشهرين الماضيين وقبل محادثات فيينا الإفراج عن مليار دولار من عائدات مبيعات نفطية إيرانية مجمدة لدى كوريا الجنوبية، لكن طهران رفضت الاقتراح وطالبت بالإفراج عن كل أصولها المجمدة في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواضح من تطورات الأيام الأخيرة أن مفاوضات فيينا تسير في اتجاه إيجابي، فقد أفرجت إيران عن ناقلة نفط تابعة لكوريا الجنوبية كانت تحتجزها منذ أشهر في إطار الضغط لإفراج سيول عن أموال إيران المجمدة لديها، وقام رئيس وزراء كوريا الجنوبية بزيارة لطهران، الأحد، لكن في مؤتمره الصحافي مع نائب الرئيس الإيراني أكد أن بلاده لا تستطيع الإفراج عن الأموال المجمدة لديها، وتقدر بأكثر من 7 مليارات دولار، ما لم تسمح الولايات المتحدة بذلك في إطار نظام العقوبات الأميركية على إيران.
ويتوقع مراقبون ألا تلبي أميركا طلب إيران بالإفراج عن أموالها المجمدة في الخارج، والتي تزيد على 30 مليار دولار، لأن هناك عقوبات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم طهران للإرهاب وليست مرتبطة بالاتفاق النووي، لكن احتمال الوصول إلى حل وسط برفع التجميد عن قدر من تلك الأصول الإيرانية في الخارج، وربما من بينها المليارات السبعة لدى كوريا الجنوبية.
تأثير العقوبات
لكن مهما كانت نتائج محادثات فيينا، وحتى عودة واشنطن للاتفاق النووي ورفع بعض العقوبات، فمن المستبعد عودة الاقتصاد الإيراني إلى التحسن بعد توقيع الاتفاق النووي، فبحسب أرقام صندوق النقد الدولي، من تقرير سابق في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الإيراني في عامي 2018 و2019 بنحو 5- في المئة لكل عام.
وهذا طبيعي في اقتصاد يعتمد بقدر كبير على عائدات صادرات الطاقة، أي النفط والغاز، التي هوت بها العقوبات إلى شبه شلل تقريباً.
ومن تقرير صندوق النقد الدولي العام الماضي يظهر ارتفاع إنتاج إيران النفطي في عامي 2016 و2017 إلى ما يقارب 4 ملايين برميل يومياً وارتفاع الصادرات إلى نحو مليوني برميل يومياً، ومنذ عام 2018 إلى عام 2020 هوى الانتاج إلى ما دون مليوني برميل يومياً، وبينما لم تزد الصادرات عن نصف مليون برميل يومياً، معظمها ضمن استثناءات من العقوبات تصرح بها الإدارة الأميركية.
أما تجارة إيران مع العالم، التي وصلت عام 2017 إلى نحو 110 مليار دولار من الصادرات الإيرانية ونحو 90 مليار دولار من الواردات من الخارج، فقد هوت بأكثر من النصف لتصل إلى أقل من 60 مليار دولار من الصادرات ومثلها تقريباً من الواردات.