رفع الاعتداء على سفينة الشحن، التي يملكها رجل أعمال إسرائيلي وكانت ترفع علم جزر البهاماس، وتيرة احتمالات وقوع صدامات عسكرية بين إسرائيل وإيران، بعدما شهدت الأيام الماضية ذروة في التهديدات المباشرة والترويج الإسرائيلي للقدرات العسكرية في خوض أي سيناريو حرب مع طهران.
وأعلن رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي أن قواته تكثف تدريباتها العسكرية لاحتمال مواجهات في البحر، وأنها على وشك الجاهزية الكاملة لمثل هذا السيناريو. في الأثناء، حذرت جهات عسكرية وسياسية في تل أبيب من مغبة تعامل كوخافي وبنيامين نتنياهو مع الملف الإيراني إلى جانب سياسة التهديد والتصريحات التي تمنح الثقة الكاملة بأن إسرائيل قادرة على مثل هذه المواجهة لوحدها.
ومع تعرّض السفينة الإسرائيلية لهجوم، اعتبرت جهات أمنية أن في ذلك مؤشر إلى احتمال أن تتحول التهديدات والتحذيرات من خطر مواجهات بحرية إلى واقع على الأرض. وتخشى جهات سياسية من أن يستغل نتنياهو الوضع الحالي بين إيران وإسرائيل لإنقاذ نفسه من الأزمة التي يعيشها في ظل تعثر تشكيل حكومة.
هدف نتنياهو
ولا يستبعد البعض استخدام نتنياهو ورقة إيران وأجواء الخوف لضمان ضم أكثرية من الأحزاب إلى جانب حكومته، تحت عنوان "الحفاظ على أمن إسرائيل".
من جهة أخرى، يحذر البعض من سياسة التصعيد تجاه طهران كوسيلة يلجأ إليها نتنياهو بهدف إحباط المفاوضات التي تجري في فيينا بين الدول الكبرى وإيران في شأن عودة الأخيرة وواشنطن إلى الاتفاق النووي، وخلال ذلك خلق مواجهة مع الإدارة الأميركية، التي هي أيضاً، بحسب هذه النظرية، ستساعده في الساحة السياسية.
فوفق تقديرات إسرائيلية، إن توجيه الضربة نحو منشأة نطنز محاولة لحرمان إيران من ورقة مساومة في المفاوضات مع الولايات المتحدة، إذ يقدّر أن تكون المنشأة قد تضررت بشدة وخرجت آلاف أجهزة الطرد المركزي فيها عن نطاق الاستخدام. ويستغرق إصلاح ذلك وقتاً طويلاً.
وتتوقع تل أبيب أنه في هذه الحالة يمكن للأميركيين استغلال هذا الوقت كي يتوصلوا إلى اتفاق نووي محسّن أكثر من ذاك الذي تم التوقيع عليه عام 2015.
وبحسب جهات إسرائيلية، هناك مصلحة لنتنياهو في فشل المفاوضات بين أميركا وإيران. وتضيف المصادر "الخلافات في محادثات فيينا ليست في شأن مسألة التوقيت والمعاملة بالمثل في سلسلة خطوات واشنطن وطهران فحسب، إذ يمكن حل الأمر بصيغة متفق عليها، بل في مواضيع جوهرية أخرى، في مقدمتها مطالبة إيران بتسوية فورية، حتى لو كانت متدرجة في تنفيذها لـ "العقوبات غير النووية".
غانتس يطالب بالتحقيق في التسريبات
أشعل تسلسل الأحداث الأمنية أمام إيران والتسريبات حول الهجوم على منشأة نطنز الحلبة السياسية الداخلية في إسرائيل، التي تعاني أزمة كبيرة في ظل عدم القدرة على تشكيل حكومة بعد الانتخابات الرابعة التي جرت في مارس (آذار) الماضي.
ووجّهت اتهامات مباشرة إلى نتنياهو بوقوفه خلف هذه التسريبات وطرحت أسئلة عدة، أبرزها "هل رئيس الحكومة يريد إشعال حرب مع إيران أو مع حزب الله من أجل أن يشكّل حكومة طوارئ؟".
خصمه اللدود بيني غانتس تجاوز تبادل الاتهامات ليحمّل نتنياهو مسؤولية أي تصعيد أو تبعات لتسريب معلومات حول هذه العملية، معلناً أنه ينوي فتح تحقيق داخلي في وزارة الأمن بشأنها. وقال "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تخوض نقاشات حول سياسة الغموض التي نتّبعها، ومن يتحمل المسؤولية وأمور أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر غانتس أنه تحدث مع المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، وطلب منه فتح تحقيق في مسألة التسريبات، مؤكداً أن "نشر تنفيذ الاعتداء استناداً إلى مصادر غربية يضرّ بالمصالح الأمنية الإسرائيلية".
وفي تلميحات حول "تورط نتنياهو في نشر المعلومات"، قال غانتس "هذه المرة، هناك خطر استثنائي، خصوصاً إذا ما اتضح أنه يأتي لخدمة مصالح سياسية. هناك خبرة واسعة لرئيس الحكومة في المجال الأمني، وعليه استبعاد كل الاعتبارات الأخرى من القرارات المتعلقة بالشأن الأمني".
وجاء في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" عن الملف الإيراني، أن "نتنياهو يعتبر طهران تهديداً وجودياً وخطواته هي خطوات منع وإحباط ومن ثم جرّها إلى الرد". وأضافت الصحيفة "لا سيما أن حجم الثرثرة والتبجح الشخصي والغطرسة مع الغمز، تحمل المسؤولية عن العمليات، ضد سفينة سافيز الإيرانية أمام شواطئ إريتريا، والانفجار في شبكة الكهرباء في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز وحتى الحديث الدائر حول التسريب المرفوض قبل الأوان لعملية ثالثة، يستهدف جرّ إيران إلى الرد".
وبحسب صحيفة "هآرتس"، "منذ اللحظة التي تتفاخر فيها إسرائيل وتتباهى بإنجازات عملياتية ناجحة لكنها محدودة من حيث الحجم والوقت وتقوم بتضخيم حجم الضرر، ستكون إيران ملزمة الرد والتصعيد، ما يخلق واقعاً سياسياً أكثر راحة بالنسبة إلى نتنياهو والولايات المتحدة في المفاوضات حول استئناف الاتفاق النووي".
استعدادات عسكرية وفرضيات الرد الإيراني
يطرح في إسرائيل، حالياً، السؤال "كيف سيتصرف الإيرانيون تجاه تل أبيب وفي مسألة الاتفاق؟".
الفرضية الأولى التي يتوقعها الإسرائيليون هي أن طهران تطمح إلى العودة إلى الاتفاق، في مقابل رفع العقوبات عنها. إلى جانب هذا، فإن المطالبة بضمانات تمنع إسرائيل من توجيه ضربات ضد منشآت إيران، أمر تؤكد تل أبيب رفضه المطلق.
وبحسب تقديريات جهاز الأمن، فإن طهران ستردّ، وتبحث عن ردّ كهذا منذ اغتيال مسؤول المشروع النووي العالم محسن فخري زادة، من أجل خلق ميزان ردع متبادل جديد تجاه إسرائيل.
ودعت جهات أمنية جهاز الأمن، إزاء هذه التقديرات، إلى اتخاذ الاحتياطات واليقظة القصوى التي تلزم كل إسرائيلي يتجول في العالم بتكليف أو بشكل شخصي الحذر. وطلبت هذه الجهات نقل رسائل واضحة لطهران بأن كل إصابة خفيفة أو خطيرة لن تمرّ مرور الكرام وستؤدي إلى ردّ مضاد وقاسٍ.
في مقابل هذا، حذرت جهات إسرائيلية من أن تدفع تل أبيب ثمناً باهظاً على عملياتها ضد إيران، من دون أن تجد سنداً قوياً من الولايات المتحدة وأن تسفر هذه العمليات عن تصعيد من شأنه إشعال المنطقة، معتبرة أن يوفد الرئيس الأميركي جو بايدن وزير دفاعه لويد أوستن إلى إسرائيل، وليس وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ليس صدفة.
ورأت هذه الجهات بزيارة أوستن رسالة إلى إسرائيل بأن الولايات المتحدة تسعى إلى أن تتأكد من أنّ إسرائيل لا تعتزم المس بجهودها باستئناف المسار الدبلوماسي حيال إيران في فيينا، وبالتالي لجم إسرائيل.