أصبح ديفيد كاميرون الذي انفضّ الأصدقاء من حوله منذ خسارته استفتاء "بريكست"، موضع تحقيق كل أقسام وايتهول [الشارع الذي يضم معظم مؤسسات الحكومة البريطانية] في شأن ممارسته ضغطاً سياسياً لمصلحة الخبير المالي الأسترالي ليكس غرينسيل وشركته "غرينسيل كابيتال" والمصالح المرتبطة بها. وسيترأس التحقيق نايجل بوردمان، عضو مجلس وزارة قطاع الأعمال، والشريك في شركة المحاماة سلوتر وماي منذ 1982، والفائز بجائزة "محامي العقد" من صحيفة "فاينانشال تايمز".
وسيتبيّن مع الوقت إن ربح تلك الجائزة مكافأة على "تقرير العقد"، إذ سبق لحزب العمال أن سخر من تعيينه. وقابلته رايتشل ريفز، وزيرة مكتب مجلس الوزراء في حكومة الظل، بهذا الاستقبال البارد "يحمل هذا الأمر كل إشارات التغطية من قبل المحافظين. إنها محاولة أخرى من حكومة المحافظين للتكتّم على سلوك سيّء".
وعلى الرغم من ذلك، عُمّم طلب على الوزارات كافة يقضي بمراجعة سجلاتها ومذكراتها من أجل استخراج أي رسائل غير مقبولة تلقّتها من رئيس الوزراء السابق، ورصد أي اجتماعات "غير رسمية" معه. أصبحنا على دراية بالرسائل النصية التي بعثها السيد كاميرون إلى وزير المالية ريتشي سوناك، والتي عمد الأخير بسببها إلى "حث" المسؤولين على البحث في طلب السيد كاميرون تقديم مساعدة مالية من دافعي الضرائب إلى عملائه. وكذلك أجريا [كاميرون وسوناك] محادثة هاتفية استمرت 10 دقائق. واتصل السيد كاميرون أيضاً بوزير الاقتصاد جون غلين ووزير المالية في الخزانة جيسي نورمان بشأن "منشأة التسهيلات المالية للشركات في إطار كوفيد" [وهي مخطط حكومي يقدم دعماً مالياً للشركات بمواجهة الجائحة].
لم تنجح المطالب المختلفة الموجهة إلى الخزانة. لكننا نعلم كذلك أن السيد كاميرون دبّر لقاء بين السيد غرينسيل ووزير الصحة مات هانكوك بهدف تناول الشراب من أجل التباحث في برنامج يتعلق برواتب هيئة الخدمات الصحية الوطنية، اعتمده بعض صناديق الائتمان.
وسيراجع بوردمان كذلك العلاقة السابقة بين السيدين كاميرون وغرينسيل، حينما عمل رجل الأعمال "مستشاراً" في شؤون تمويل سلسلة التوريد، ضمن حكومة السيد كاميرون.
ومن النقاط التي تستدعي التدقيق كذلك العلاقة مع وزير شؤون مجلس الوزراء حينها جيريمي هايوود، وهو موظف حكومي محترم للغاية التقى السيد غرينسيل عندما أُرسل للعمل مؤقتاً في بنك "مورغان ستانلي" أثناء اشتغال السيد غرينسيل على تطوير أداته المالية الجديدة. ومع الوقت، حصل السيد غرينسيل على إذن مرور أمني بدخول "داونينغ ستريت"، وقدرة الوصول إلى الآلة الحكومية، وعام 2017، على رتبة "قائد معتمد في الإمبراطورية البريطانية". وفي الوقت المناسب كذلك، عُيّن السيد كاميرون مستشاراً لغرينسيل، في انقلاب مُحكم للأدوار، وحصل على خيارات حيازة الأسهم في شركة "غرينسيل كابيتال" التي لاح احتمال في مرحلة ما بأن تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات، مع أنها باتت بلا قيمة الآن. ومن العدل القول إنه كان متوقعاً أن يمتلك السيد كاميرون سهولة أكبر في الوصول إلى الأشخاص المهمين، بالمقارنة مع أي شخص عادي من جماعات الضغط المنظمة.
وفي ما يبدو كأنه التفاف على السيد بوردمان، أقرّ السيد كاميرون الآن بأن بعض الأخطاء قد وقعت، وأنه كان من الأفضل لو اكتفى بتوجيه رسالة أو اثنتين بالطريقة المعهودة. ووفق كلماته، "لقد فكّرت في هذا الموضوع كثيراً. هناك دروس مهمة يجب تعلّمها. باعتباري رئيس وزراء سابق، أقرّ بأن التواصل مع الحكومة يجب أن يجري حصراً عبر أكثر القنوات رسمية كي لا ينفتح المجال أبداً أمام إساءة التفسير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يكون ذلك صحيحاً، لكنه يستدعي بعض الأسئلة البديهية. وبصفته الرجل الذي حذّر من أن ممارسة الضغط هي "الفضيحة الأكبر التي يُنتظر أن تقع"، إضافة إلى كونه الشخص الذي وضع أطر القوانين المتعلقة بجهات ممارسة الضغط، لماذا استثنى بعناية رؤساء الوزارة والوزراء السابقين في مسألة التحدث مع أصدقائهم القدامى؟ لماذا لم يمرّ بالقنوات الرسمية أبداً؟ ما هي الفوارق العملية بين ممارس الضغط (الذي ينظم القانون عمله) و"مستشار ممارسة الضغط" كالسيد كاميرون (الذي لا ينظم القانون عمله). يبدو أن الجواب يأتي في حجم أتعابه والقدرة على العمل من دون تدخّل الموظفين الحكوميين والتدقيق الشعبي. قد تكون هذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض.
واستطراداً، خلال الأربعين عاماً الماضية تقريباً، برز عقد غير رسمي وضمني وغير مكتوب لكنه قويّ، في سياق مسار أصبح فيه رجال الأعمال مرتبطين بشكل أوثق بالحكومة وأضحى السياسيون السابقون (من الأحزاب كافة) أكثر اهتماماً بمدخولهم بعد التقاعد من الخدمة في الشأن العام. فقد وصف وزير سابق في حزب العمال نفسه ذات مرة بأنه "سيارة أجرة تنتظر من يؤجّرها". ويلخّص ذلك القول الأمور جيداً. وجرت العادة بأن يتمكّن وزير سابق من الانضمام إلى أي شركة أو مكتب استشارات والعمل فيها، بعد فترة قليلة من الوقت وبعد تدقيق سطحي تجريه لجنة لا نفوذ لها. بدأت ظاهرة "الباب الدوّار" بين العمل في الشأن العام والقطاع الخاص، في عهد تاتشر، حين شاعت عادة دعوة وزير سبق أن أشرف على عملية خصخصة كبيرة، كي ينضم إلى مجلس الشركات التي باعها أو الهيئات المرتبطة بها. وينطبق الأمر ذاته إلى حد كبير على وزراء مسؤولين عن موازنات شراء كبيرة في قطاع الدفاع أو الصحة مثلاً.
استناداً إلى تلك المعطيات، إن الحاجة للإصلاح واضحة، بقدر وضوح العوائق أمامه. ليس من مصلحة الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين قطع الطريق أمام الفرص الممكنة في جني مكاسب جيدة مع اقترابهم من التقاعد. تالياً، يصبح سياسيو المعارضة الذين يستشيطون غضباً إزاء استغلال السلطة أو احتمال استغلال السلطة والتضارب السافر في المصالح، أكثر تقبلاً لتلك الأمور حين يصلون إلى الحكم. وأثناء نقاشهم [الوزراء] تلك المسائل حول طاولة مجلس الوزراء، فإنهم يفكرون في واقع الحياة السياسية والمدخول الذي سيحتاجون إليه بعد توقف اعتمادهم على دافع الضرائب في تمويل معيشتهم.
وعند تلك المرحلة، يبدو أنهم يصبحون أكثر تقبلاً للافتراض الذي نادراً ما يُعبّر عنه بوضوح، لكنه شائع وقوي، بأن فرصة كسب المال بعد انتهاء وظيفتهم الوزارية تشكّل مكافأتهم مقابل تضحياتهم والأجر القليل والميزات الضئيلة (كما يُفترض) التي يحصلون عليها أثناء خدمتهم في القطاع العام. وبذا، فقد لا تكون موضوعية تماماً كتب المذكرات الفاضحة والمثيرة والمربحة. ولا تعمل مناصب "التعليم" والمناصرة والإدلاء بخطابات وجولات المحاضرات والعمل الصحافي ومناصب الإدارة التنفيذية وغير التنفيذية وترؤس التحقيقات واللجان والهيئات شبه الخاصة المدعومة حكومياً وممارسة الضغط السياسي، وحتى حضور حلقات المناقشة وأقنية البث الإعلامي، [لا تعمل] إلا بوصفها منافذ تستغلّ حياتهم بعد "الخدمة العامة" من أجل مكاسب مالية شخصية. بالتالي، من الصعب تخيّل انتهاء هذا النهج على الإطلاق، على الرغم من أن السيد كاميرون قد ألحق بطريقته الخرقاء، ضرراً كبيراً بالممارسات والتقليد المتّبع. وكذلك لا شك في أنه ليس محبوباً جداً داخل أروقة الحكم هذه الأيام.
© The Independent