يستجوب مجلس العموم "البرلمان" البريطاني الإثنين، وزراء الحكومة حول اتهامات الفساد المتداولة منذ الأسبوع الماضي، وكذلك الاتهامات بشأن التعامل مع أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19). كما يمثُل الأمين العام لمكتب رئاسة الوزراء أمام لجنة برلمانية للإجابة على أسئلة حول التسريبات من اجتماعات الحكومة بشأن خطط مواجهة وباء كورونا في الموجة الثانية الخريف الماضي، وكذلك تمويل تجديد شقة رئيس الوزراء بإشراف خطيبته.
وتصاعدت الضغوط على حكومة حزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون في الأيام الأخيرة بعدما نشر مستشار جونسون السابق دومينيك كمنغز مدونة من ألف كلمة، اتهم فيها جونسون بعدم الأمانة والفشل في التعامل مع مهماته. وتوعد كمنغز بنشر ملف كامل عن كوارث حكومته.
يذكر أن دومينيك كان أكبر مستشاري جونسون منذ توليه رئاسة الوزارء حتى استقالته في نوفمبر (تشرين الأول) العام الماضي بعد فضيحة تسريب خطة الإغلاق التي أعدتها الحكومة لمواجهة الموجة الثانية من وباء كورونا قبل موعد إعلانها.
وسبق وسبب كمنغز حرجاً للحكومة عندما كسر قواعد الإغلاق مرتين بالسفر وهو في العزل بسبب كورونا. ووقتها دافع عنه بوريس جونسون في مواجهة دعوات باستقالته من الحكومة. ونشرت الصحف البريطانية ووسائل الإعلام تسريبات، اعتبر مصدرها كمنغز، عن أن خطيبة جونسون كاري سيموندز تتدخل في أعمال وقرارات الحكومة بغير صفة. ووصفت الصحف تلك الأزمة بأنها "خناقة كمنغز - سيموندز" للتأثير في رئيس الوزراء.
شقة جونسون
منذ فترة رئاسة ديفيد كاميرون، وبعده تريزا ماي، انتقل رئيس الوزراء للعيش في الشقة السكنية فوق 11 داوننغ ستريت "مقر وزارة الخزانة"، لأنها أكبر من الشقة السكنية فوق 10 داوننغ ستريت "مقر الحكومة البريطانية – رئاسة الوزراء". لكن خطيبة جونسون وأم ولده الصغير الذي جاء قبل أشهر لم تعجبها الشقة، بحسب ما نشرت الصحف البريطانية، فأرادت تجديدها بالكامل. وترصد الحكومة مبلغاً محدداً لتجديد السكن لكل رئيس حكومة جديد، لكن سيموندز أرادت التخلص من كل الأثاث الذي كان وقت تريزا ماي، لذا تكلف تجديد الشقة نحو ثلاثة أضعاف المبلغ المخصص رسمياً. ويقضي القانون بأن يدفع رئيس الوزراء من ماله الخاص هذا الفارق الذي يزيد على 60 ألف جنيه استرليني (80 ألف دولار).
واتهم دومينيك كمنغز رئيس الوزراء بأنه تصرف بشكل "غير قانوني" في ما يتعلق بتمويل تجديدات الشقة، وأنه نصحه بألا يفعل ذلك. بالطبع نفت الحكومة ذلك، وخرجت وزير التجارة الدولية ليز تراس في وسائل الإعلام يوم الجمعة لتنفي ذلك، وتقول إن رئيس الوزراء دفع فارق كلفة التجديدات بنفسه. يذكر أن تراس سبق وأثيرت حولها شبهات اتهام بالفساد، لكن رئيس الوزراء دافع عنها وأبقاها في الحكومة.
وكان حزب العمال المعارض طالب الحكومة بفتح تحقيق في المسألة، لكن الحكومة ردت بأنها لن تحقق لعدم وجود أي تصرف غير قانوني. وقبل يومين تقدم محامو حزب العمال المعارض بطلب للجنة الانتخابات بالتحقيق في تمويل تجديدات شقة جونسون، بعدما كشفت وسائل الإعلام أن الأموال جاءت من أحد ممولي حزب المحافظين، وبالتالي تصبح القضية من شأن لجنة الانتخابات التي تراقب تمويل الأحزاب.
ملف كمنغز
ويواجه وزير التعليم في الجلسة المفتوحة للبرلمان الإثنين، أسئلة النواب حول موضوع تمويل تجديدات الشقة فوق رقم 11 داوننغ ستريت، وكذلك أسئلة حول تعامل الحكومة مع أزمة وباء كورونا الذي اتسم بالتخبط الشديد العام الماضي. وكانت صحيفة ديلي ميل نشرت تسريبات من اجتماع الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذكرت أن بوريس جونسون عارض بشدة إغلاق الاقتصاد مرة أخرى لمواجهة تفشي الوباء وقال إنه يفضل رؤية "الجثث مكومة بالآلاف" على فرض إغلاق ثالث لاحتواء الفيروس.
وفي نهاية المطاف، أمر جونسون بفرض قيود مجدداً في يناير (كانون الثاني).
ونفى جونسون الإثنين أن يكون قد قلل من أهمية احتمال وفاة الآلاف جراء كوفيد-19. ولدى سؤاله إن كان أدلى بالتصريح، قال جونسون للصحافيين "لا، لكنني أعتقد أن الأمر المهم الذي أظن أن الناس يريدوننا بأن نقوم به كحكومة هو ضمان جدوى تدابير الإغلاق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره، نفى وزير الدفاع البريطاني في مقابلة مع شبكة سكاي نيوز، صباح الإثنين، أن يكون بوريس جونسون قال ذلك. وأكد أن تركيز الحكومة كان على أفضل السبل لمواجهة ارتفاع أعداد الاصابات والوفيات. ويرجح أن يكون دومينيك كمنغز مصدر تسريب تلك المعلومات من اجتماع الحكومة.
ففي الخريف الماضي، طلب سايمون كيس الأمين العام لمجلس الوزراء من جهاز "إم آي 5" التحقيق في التسريب، وبدا أن دومينيك كمنغز هو مصدره. وتقول الحكومة إن التحقيق في التسريبات ما زال مستمراً ولم ينته بعد، وأن دومينيك كمنغز لم تتم تبرئته من احتمال تسريب المعلومات. لكن كمنغز اتهم هنري نيومان، صديق كاري سموندز خطيبة جونسون، بأنه مصدر تسريب خطة الإغلاق الثانية قبل الإعلان عنها.
ويواجه كايس أسئلة النواب في لجنة برلمانية الإثنين، معنيّة بالإدارة الحكومية والشؤون الدستورية.
وأمام دومينيك كمنغز فرصة للحديث علناً الشهر المقبل حين يمثل أمام لجنة العلوم والصحة في البرلمان التي تحقق في تعامل الحكومة مع وباء كورونا منذ مطلع العام الماضي. وعلى الرغم من النجاح الهائل في نشر اللقاحات ضد الفيروس حالياً، والتراجع الكبير في أعداد الإصابات والوفيات بكورونا، إلا أن تعامل الحكومة في الفترات الأولى من انتشار الوباء يظل محل تدقيق. وتقول المعارضة إن تصرف الحكومة المتخبط ربما تسبب في آلاف الوفيات التي كان يمكن تلافيها.
تصاعد الضغوط
وتأتي الضغوط الأخيرة على حكومة حزب المحافظين لتضاف إلى سلسلة من الاتهامات بالفساد والمحسوبية وتضارب المصالح في الأسابيع الأخيرة، فقبل أيام اتهمت المعارضة رئيس الوزراء بالتدخل لدى وزارة الخزانة لمصلحة الملياردير جيمس دايسون لتسوية مسائل ضرائب تخص شركة دايسون.
ودافع جونسون عن موقفه قائلاً إنه لم يرتكب أي خطأ. وكان جونسون طلب من الملياردير العام الماضي في عز الأزمة الأولى لوباء كورونا أن تصنع شركته أجهزة تنفس صناعي لمصلحة الحكومة التي كانت تعاني مستشفياتها نقصاً فيها. ومقر شركة دايسون التي تنتج المكانس الكهربائية وأدوات منزلية مماثلة في سنغافورة، لذا طلب جيمس دايسون من جونسون نقل أعماله إلى بريطانيا على ألا يدفع العاملون في شركته ضرائب زيادة.
واتهمت الحكومة أيضاً دومينيك كمنغز بأنه من سرب الرسائل النصية المتبادلة بين دايسون وجونسون من الهاتف الخاص لرئيس الوزراء، لكن المعارضة استغلت الأمر لتضخيم مسألة "فساد" حزب المحافظين وعلاقته برجال الأعمال والقطاع الخاص، خصوصاً أن مسألة شركة دايسون جاءت بعد الرسائل النصية الهاتفية بين رئيس الوزراء السابق من حزب المحافظين ديفيد كاميرون ووزارة الخزانة، يطلب فيها معاملة تفضيلية لشركة غرينسل الاسترالية التي يعمل مستشاراً لها. وظهرت تلك الرئاسل بعد انهيار شركة غرينسل وانكشاف بنوك كثيرة على خسائر بالمليارات نتيجة انهيارها.