ملخص
بات السودانيون وبخاصة النساء يعيشون أوضاعاً مأسوية غير إنسانية في ظل الحرب، في وقت لم يتبق أمام صغيرات السن اللواتي فقدن والديهن جراء المعارك سوى الخيار الصعب لتوفير الغذاء للبقاء على قيد الحياة.
دفع تدمير سبل العيش في الريف والمناطق الحضرية في السودان بسبب الحرب المستعرة منذ منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي، البعض إلى تدابير متطرفة، منها ممارسة الجنس مع المسلحين (من طرفي الصراع) وبخاصة في المناطق التي تقع تحت الحصار، وذلك من أجل الحصول على الطعام من أجل البقاء، فضلاً عن تزويج الطفلات للمقاتلين في الولايات حيث ينشط النزاع، إضافة إلى الزج بالأطفال ضمن صفوف الجماعات المسلحة تحت ذرائع مادية.
في الموازاة، تسابقت المبادرات المجتمعية إلى سد نقص الغذاء بالجهد الذاتي، لكن أعداد الذين أفقرتهم الحرب فاقت طاقتها، مما أدى إلى توقفها بسبب الظروف الاقتصادية، وأصبحت أصوات المناشدات للمنظمات الدولية لتوفير الغذاء هي الأعلى، في ظل مواجهتها عراقيل من طرفي الصراع، إذ بات السودانيون وبخاصة النساء يعيشون أوضاعاً مأسوية غير إنسانية، في وقت لم يتبق أمام صغيرات السن اللواتي فقدن والديهن جراء المعارك سوى الخيار الصعب المتمثل بممارسة الجنس من أجل لقمة العيش، وشكا عدد كبير من النساء تعرضهن للاستغلال الجنسي مقابل صرف المساعدات، خصوصاً في المعسكرات الواقعة في حدود السودان الغربية.
ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن حوالى 7 ملايين امرأة يتعرضن لخطر الاستغلال والتحرش الجنسي والاغتصاب.
وصمة عار
وتسرد الفتاة السودانية (س.م) البالغة من العمر 16 سنة، تفاصيل تضحيتها من أجل إخوتها الصغار بعد وفاة والديها، بقولها "أجبرتنا الحروب التي اشتعلت في دارفور عام 2003 على النزوح إلى العاصمة الخرطوم بعدما فقدنا والدي، ولم أتوقع أن قسوة الحياة ستتضاعف".
وتضيف "استقر حالنا في ضواحي جنوب الخرطوم التي يعاني معظم سكانها الفقر والحرمان، لتعمل والدتي في بيع الأكلات الشعبية في السوق المركزية جنوب الخرطوم، لكن اندلاع الصراع المسلح واحتدامه في العاصمة بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘ تسبب بمقتل والدتي بقذيفة صاروخية، وإزاء هذه التداعيات وجدت نفسي وحيدة تتربص بي ظروف الحياة".
وتابعت "أصبحت فجأة مسؤولة عن إخوتي الصغار، إلى جانب متابعة عمل والدتي، لكن المشكلة أن ما كانت تقوم به والدتي من أعمال يصعب عليّ ممارستها، وبخاصة أنها كانت تمانع مرافقتي لها إلى السوق، لذا ليس لدي أية خبرة في التعامل مع الزبائن، وعلى رغم ذلك اضطررت لمواصلة هذا العمل".
وأردفت "من المؤسف أنني سلكت طريقاً يتنافى مع نشأتي وخضعت للضغوط التي مارسها عليّ جنود ’الدعم السريع‘، إضافة إلى آخرين، بأن أستسلم وأسلمهم نفسي مقابل توفير الطعام لإخوتي وبقائهم على قيد الحياة وتأمين بعض حاجاتهم، التي بات الحصول عليها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أمراً صعباً، وبخاصة إيجار المنزل". وزادت الفتاة، "حالي هذا ينسحب على نساء وفتيات كثيرات في مناطق النزاع، لكن أكثر ما يقلقني هو إذا علم أشقائي بسلوكياتي التي تتنافى مع تقاليدنا الأسرية، علاوة على أن المجتمع السوداني لا يتسامح مع اللواتي يمارسن الجنس خارج نطاق الزواج، لكن أجد نفسي مجبرة حتى يعيش أشقائي في أمان، فضلاً عن توفير الغذاء لهم".
خوف وقلق
إلى ذلك تشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور حصاراً من قبل قوات "الدعم السريع" منذ مايو (أيار) الماضي، مما نتج منه أسوأ الأزمات الإنسانية، وفي هذا المنحى يروي المواطن إبراهيم النور أنه "بسبب دوي المدافع الصاروخية واستهداف المواطنين، أصبحت عاطلاً عن العمل وليس بإمكاني الخروج من المنزل للبحث عن مصدر رزق وتوفير المتطلبات الأساسية لأسرتي من غذاء وماء"، وأضاف النور، "مما كان يقلقني هو حماية بناتي الثلاث من الانتهاكات الجنسية، فضلاً عن توفير ما يسد رمق أسرتي من غذاء، لكن طول أمد الحرب والحصار المفروض على الفاشر قاداني إلى تزويج بناتي من مقاتلين ينتمون إلى الحركات المسلحة التي تدافع عن المدينة إلى جانب الجيش السوداني، على رغم أنهن لا يزلن قاصرات وأعمارهن لا تناسب الزواج، لكن ظل الخوف والقلق ينتابني من استغلالهن جنسياً وإلحاق الأذى بهن، فضلاً عما يحدث لي من مضايقات وموتنا جميعاً بسبب الجوع".
ولفت النور إلى أن "الانتهاكات والمطامع بالنساء والفتيات تطارد السكان بسبب الجوع، على رغم أن هناك متطوعين يبذلون جهوداً في تقديم الوجبات، لكن المشكلة تكمن في الازدحام والاصطفاف منذ الصباح الباكر وحتى منتصف النهار وغالباً ما ترجع الأواني فارغة، مع اليأس في تدبير قوت اليوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
آثار نفسية
من جانبه أوضح استشاري الصحة النفسية، محمد المصطفى عبدالجواد بأنه "من المعروف أن الطعام يقع أسفل 'هرم ماسلو'، الذي يرتب حاجات الإنسان الأساسية والدوافع التي تحركه في الحصول على الأكل والشرب والجنس، ومن ثم الأمان، إلى أن وصل إلى تقدير الذات، وفي ظل الأزمة الضارية أُجبر بعض الأشخاص على اتباع أساليب لم تكن ضمن حياتهم من قبل مثل الجنس مقابل الطعام"، وأضاف عبدالجواد، "عندما تحدث مثل هذه التصرفات المسيئة التي كان المجتمع في منأى عنها، وبخاصة النساء اللواتي يخشين على سمعتهن، تكون هناك آثار نفسية مدمرة لشعورهن بالذنب والاستياء واليأس، إذ إن استمرار هذا الشعور يؤدي إلى الاكتئاب الذي يكون له مردود سلبي، إلى جانب اضطرابات النوم والقلب بسبب الحزن العميق".
ولفت متخصص الصحة النفسية إلى أن "حاجة الحصول على الطعام مع عدم وجود وسيلة لذلك تقود غالباً إلى ارتكاب أعمال منافية لقناعات الكثير، قد تصل إلى السرقة والقتل، لذلك يجب توفير الطعام والماء والمأوى للذين شردتهم الحرب، إضافة إلى الدعم النفسي حتى لا يتطور الأمر".
ضغوط واستغلال
في السياق، قالت مديرة "وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل" في وزارة التنمية الاجتماعية، سليمى اسحاق إن "كل التوقعات تشير إلى استمرار تفاقم الأزمة الإنسانية، وبلوغ جل السودانيين وبخاصة الموجودون في مناطق الصراع أوضاعاً كارثية، بخاصة النساء، إذ لا أستبعد ممارستهن الجنس بهدف الحصول على الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة وتوفير القوت لأسرهن، بعدما بات الجوع سلاحاً فتاكاً، إلى جانب تزويج الفتيات القاصرات".
وأوضحت أن وحدتها "تعمل على توثيق حالات الاستغلال والإساءة الجنسية التي يمكن أن تحدث حتى في المناطق الآمنة، فضلاً عن بذل جهود لإنشاء مكاتب في ولايات القضارف وكسلا والنيل الأبيض بغرض توفير الحماية للنساء، إذ إنهن لا يبلغن عن حالات الاستغلال الجنسي في ظل عدم وجود آلية تساعدهن، علماً أن كل الإجراءات تتم بسرية والوحدة لا تكشف عن المعلومات التي تحصل عليها".
وختمت مديرة وحدة حماية المرأة والطفل حديثها بالقول، "نسعى إلى تكوين لجان حماية في دور الإيواء لتلقي الشكاوى عن الاستغلال الجنسي، مع تدريب المتطوعين والعاملين في المراكز".