من المثير للاستغراب أن بعض الوزراء الموالين لبوريس جونسون، يعتقدون سراً أن مشكلته الأكبر ليست في تصريحه المزعوم بأنه يفضل رؤية "الجثث تتكدس" على فرض إغلاق ثالث بسبب فيروس كورونا، وذلك ما ينفيه بشكل غير مقنع.
وبدلاً من ذلك، يتوجسون من الأسئلة العالقة حول من سدّد في البداية فاتورة تجديد شقته في "داونينغ ستريت" [مقر الحكومة].
واتصالاً بذلك الموضوع، بدأت مفوضية الانتخابات أمس تحقيقاً رسمياً في القضية، مشيرة إلى وجود "أسباب معقولة تدعو إلى الشك في حدوث انتهاك أو أكثر." إنها أخبار يُحتمل ألا يكون سماعُها قد راق لرئيس الوزراء.
واستطراداً، أصدر "رقم 10" [مقر رئاسة الوزراء] بياناً مصاغاً بعناية أشار فيه إلى أن جونسون دفع المبلغ بالكامل، لكنه تجنب عمداً ذكر إذا كان شخص آخر قد دفع الفاتورة في بادئ الأمر قبل أن يدفع له جونسون.
بالنسبة لي، يعيد هذا إلى الذهن صورة مسؤولي "داونينغ ستريت" منخرطين في محاولة تبديد الجدال حول إحدى القصص، من دون إطلاق كذبة. ويتبع مستشارو العلاقات العامة قاعدة ذهبية مفادها بـ"أننا نمارس التمويه لكننا لا نكذب،" لأنهم سيفقدون الصدقية مع وسائل الإعلام إذا كذبوا. في هذا الصدد، تذكرت الكتابة عن بيانات "الرقم 10" عندما تَوَرَّطَتْ شيري بلير [زوجة رئيس الوزراء السابق توني بلير] في جدال حول شراء شقتين في بريستول في 2002.
وآنذاك، تسببت تلك القضية في حدوث شرخ كبير بينها وبين موظفين عموميين اعتقدوا أنهم أصدروا بيانات عامة غير دقيقة بناء على تضليلها، وقد أقرّت بذلك لاحقاً.
وعلى غرار الحال اليوم، تضمّن كثير من عناوين الأخبار عبارة "إنكار قاطع." ويتبنى جونسون، على غرار ديفيد كاميرون من قبله، بعض أفكار توني بلير كالسماح لمتحدثين باسم "داونينغ ستريت" بإطلاق بعض الأكاذيب. وفي المقابل، يشكل ذلك صفحة من كتاب قواعد اللعب الذي وضعه بلير وينبغي أن يتجنبها جونسون.
وفي هذا السياق، تكتسي كلمة "كذبة" أهمية، إذ لا يُسمح لأي نائب باتهام نائب آخر بالكذب في مجلس العموم لأنهم (لا تضحكوا) جميعهم أعضاء شرفاء. وبشكل ملحوظ، يستخدم حزب العمال حاضراً المقابلات الإعلامية لاتهام جونسون بالكذب حول تجديد الشقة، وذلك على سبيل المزايدة.
وفي الواقع، يخشى الوزراء الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء جونسون، وقوعه في مشكلة مع المفوضة البرلمانية للمعايير، كاثرين ستون، بسبب عدم التصريح بتبرع أو قرض محتمل مقدر بـ58 ألف جنيه إسترليني حصل عليه في يوليو (تموز) الماضي، في غضون شهر من وقت حصوله على ذلك [التبرع أو القرض] وفق ما تفرضه القوانين.
وفي السياق نفسه، يرى الوزراء أن تقديم أحد أعضاء البرلمان شكوى بشأن الشقة أمر حتمي. ولقد قيل لي إن ستون تعتبر جونسون "غير مُحْتَرِمٍ" لقواعد تسجيل مصالح النواب، بعد احتكاكاته السابقة مع النظام. ولقد انتقد تقرير صادر عن "لجنة المعايير" في مجلس العموم عام 2019 "نمط سلوك" جونسون بعد أن أخفى امتلاكه حصة مقدارها 20 في المئة من عقار في "سومرست"، وبعد وقت قصير من الكشف عن تأخّره في التصريح عن أصوله المالية في تسع مناسبات على الأقل.
ولقد لفت التقرير إلى أن "السيد جونسون عضو بارز وذو خبرة في مجلس العموم، ويمكن أن يُتوقع منه بشكل معقول فهم القوانين الأساسية المتعلقة بالتصريح عن المصالح المالية، وأن يكون قدوة حسنة للأعضاء الآخرين في احترام القوانين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، لقد جاء ذلك بمثابة تأنيب خفيف، لكن اللجنة وجّهت له تحذيراً مخيفاً، مشيرة إلى أنه "إذا استنتجنا في المستقبل أن السيد جونسون قد ارتكب أي انتهاكات أخرى لقوانين التسجيل، فسوف نعتبر ذلك مسألة قد تستوجب عقوبات أكثر جدية".
بالتالي، فحتى لو نطق بالحقيقة الآن بشأن أعمال تجديد شقته، فقد يواجه جونسون عقوبة بسبب التأخر في التصريح مرة أخرى.
وتوضيحاً، تتراوح العقوبات بين إرغامه على الاعتذار وحتى تعليق نشاطه في مجلس العموم. لكن من غير المرجح أن يواجه عقوبة قاسية من مثل ذلك النوع، لأنه قد يُصَوِّر بلا شك، ما حدث أنه زلة تقنية ناجمة عن ضغوط قيادة البلاد أثناء الوباء، وهو تبرير يرجّح أن يرضي عديداً من الناخبين.
وبذا، يمكن أن تصدر ستون توبيخاً من دون إحالة الأمر إلى لجنة المعايير للنظر في عقوبة أكثر جدية. ومع ذلك، من المحتمل أن ترمي الكرة في ملعب اللجنة على أساس أن جونسون لديه سوابق، وإخفاؤه الحصول على تبرع أو قرض كي يجدد الشقة لم يكن "عرضياً". (وبالمناسبة، لا تزال ستون تحقق في شكوى بشأن تمويل عطلة جونسون في جزيرة "موستيك" في الكاريبي قبل 16 شهراً).
وعلى عكس اللجان التي يختارها مجلس النواب، لا يتمتع حزب المحافظين بالغالبية في "لجنة المعايير" التي يرأسها النائب العمالي كريس براينت. بالتالي، من المستطاع تجاوز أصوات نواب حزب المحافظين الأربعة في اللجنة عِبْرَ أصوات نائبين من حزب العمال ونائب من "الحزب الوطني الاسكتلندي" وستة أعضاء عاديين يتمتعون بحقوق التصويت الكاملة منذ عام 2019، بهدف ضمان إشراف مستقل على العملية التأديبية التي ينهض بها النواب.
من الناحية النظرية، يستطيع جونسون أن يستخدم غالبيته البرلمانية البالغة 80 نائباً كي يلغي أي عقوبة مقترحة حينما يأتي موعد الموافقة عليها من قبل مجلس العموم. في المقابل، سيكون ذلك تصرفاً مهيناً.
واستطراداً، سيكون من الأفضل لجونسون تجنب هذا السيناريو المحرج من خلال الكشف عن مصدر الأموال التي استخدمها في البداية، بهدف تجديد الشقة، وكذلك فعل شيء لا يتبادر أبداً إلى ذهنه بشكل طبيعي، يتمثّل في تقديم اعتذار مذلل.
© The Independent