على منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام"، تعرض ثالث أكبر شركة تبغ متعددة الجنسيات في العالم إعلانات مستترة عن علاماتها التجارية، ملتفة بذلك على قوانين وطنية وقواعد سياسة الإعلانات التي ينتهجها موقع التواصل الاجتماعي ("فيسبوك" علماً أنه يملك "إنستغرام" أيضاً). ويهدف ذلك الأمر إلى دعم تسويق السجائر بين صفوف المراهقين والشباب، بحسب "مكتب الصحافة الاستقصائية" في لندن (اختصاراً "تي بي أي جي" TBIJ).
في التفاصيل، فإن شركة "التبغ اليابانية الدولية" Japan Tobacco International (اختصاراً "جي تي أي") أنشأت صفحات افتراضية لها على وسائل التواصل الاجتماعي تتبنى أنماط عيش متنوعة لمجموعات من الناس، ما يتيح للشركة عرض إعلانات على منصات اجتماعية في ألمانيا، حيث يحظر القانون تسويق سجائر التبغ بطريقة مباشرة إلى المراهقين.
في انطباع أولي، تبدو الصفحات الافتراضية التواصلية كأنها تتمحور حول مناسبات وأسفار وموسيقى. وفي الواقع، تستخدم تلك الصفحات في ترويج ثلاثة أصناف من السجائر تابعة لشركة "التبغ اليابانية الدولية"، هي "كاميل" Camel (حرفياً، الجمل) و"ونستون" Winston و"أميركان سبيرت" American Spirit (= الروح الأميركية).
وفي التفاصيل يرد أن الصفحات التي تستخدم العلامة التجارية "كاميل" تسمى "لتس سي أم أل" Let's CML، أما صفحات "أميركان سبيرت" فاسمها "فول أوف سبيرت" Full of Spirit (مليء بالروح)، فيما اختارت "ونستون" لصفحاتها اسم "غانز غيناو" Ganz Genau بالألمانية أي "بالضبط"، علماً أنه الشعار عينه المعتمد في الترويج لتلك العلامة التجارية في ألمانيا.
وكذلك تشجع تلك الصفحات على الانخراط في مسابقات تقدم جوائز متنوعة، من بينها سماعات أذن إلكترونية وتذاكر دخول إلى مهرجانات عدة. وللمشاركة في بعض تلك المسابقات، يتوجب على المستخدم زيارة موقع إلكتروني مملوك لشركة "التبغ اليابانية الدولية"، يروج للسجائر المذكورة صراحةً. وتطلبت مسابقات أخرى ببساطة من المستخدم تسجيل "الإعجاب" like بمنشور ما، أو "متابعة" follow حساب معين للدخول في السحب.
واستكمالاً، تستعمل تلك الصفحات المدرجة ضمن فئتي "مهرجان" festival و"مجتمع" community في قسم الشفافية في "فيسبوك"، أشكال حروف وأنساقاً لونية وصوراً ذات صلة بالعلامات التجارية، إنما من دون تبيان تلك العلاقة بصورة صريحة، وهي تقنية تعرف باسم "التسويق الذرائعي" alibi marketing.
يبدو أن تلك الطريقة مصممة كحل بديل للالتفاف على قواعد "فيسبوك" والقانون الألماني كليهما، اللذين ينصان على أنه "من المنافي للقانون استخدام معلومات ترويجية يحتمل أن تدفع القاصرين والشباب إلى التورط في تدخين [التبغ]".
وبالتالي، ينسجم وجود العلامات التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي مع مشاريع دعائية تلجأ إليها شركة "التبغ اليابانية الدولية" في بعض المهرجانات الموسيقية الكبرى في ألمانيا. عادة، تتضمن تلك المهرجانات مساحات للاسترخاء موسومة بعلامات تجارية، وأنشطة منظمة، إضافة إلى باعة متجولين يقدمون عينات من السجائر على شكل هدايا، وقسائم للاستمتاع بمشروبات مجانية.
في تصريح أدلت به إلى "مكتب الصحافة الاستقصائية"، أشارت شركة "التبغ اليابانية الدولية" إلى أن "حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس تدابير مألوفة في صناعتنا. نستخدم خيارات شرط العمر على منصاتنا كي لا يتمكن القاصرون من زيارة صفحاتنا. الدخول إلى مجتمعاتنا الافتراضية المغلقة مقصور على المدخنين البالغين المسجلين".
في الواقع، يتطلب ولوج المستخدمين إلى المواقع الإلكترونية "لتس سي أم أل" و"غانز غيناو" و"فول أوف سبيرت" وضع علامة في خانة تؤكد أنهم يستهلكون السجائر وأنهم تخطوا الـ18 عاماً. وتطلب المواقع الثلاثة كلها من المستخدم أن يذكر اسمه وعنوان سكنه وتاريخ ميلاده، ثم يصار إلى التحقق من المعلومات عبر مقارنتها مع سجلات رسمية بغية التأكد من أنها تعود إلى شخص حقيقي مقيم في ألمانيا.
على "إنستغرام"، نشر فائز في مسابقة "لتس سي أم إل" صورة جوائزه، وقد تضمنت علبة سجائر "كاميل" ومنفضة تحمل العلامة التجارية عينها، وجوارب "كاميل" باللونين الأصفر والأزرق. كذلك أخبر مستخدم آخر "مكتب الصحافة الاستقصائية" أنه حصل على علبة سجائر "كاميل" مجانية وولاعة كهدية مفاجئة في عيد ميلاده.
وتعرض الصفحات الافتراضية للعلامات التجارية إعلانات على "إنستغرام" أو "فيسبوك"، حيث يكون الجمهور المحتمل ضخماً. ومثلاً، قد يتمكن إعلان واحد تديره صفحة "أميركان سبيرت" من الوصول إلى مليون شخص في أقل تقدير، وفق مكتبة إعلانات "فيسبوك". وقد حظي بأكثر من 50 ألف انطباع، وتراوحت أعمار نحو نصف الأشخاص الذين شاهدوا الإعلان بين 18 و24 عاماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الآونة الأخيرة، أطلقت "كاميل" سبعة إعلانات منفصلة وتحظى بالرعاية مالياً، على "إنستغرام" بهدف ترويج مسابقة تمنح فرصة الفوز بعشر سماعات "إيربود بروس" AirPod Pros، بينما وضعت صفحة "ونستون" خمسة إعلانات عبر "فيسبوك" و"إنستغرام".
وفي ذلك الصدد، يشار إلى أن الغالبية العظمى من أرباح "فيسبوك" تتأتى من الإعلانات. في هذه الحالة، على الرغم من أن الشركة تنص على أنها تمنع عرض إعلانات منتجات التبغ على منصتها، نجد أنها تميز بين الإعلانات المخصصة للمنتجات من جهة، ونظيرتها المخصصة للعلامات التجارية من جهة أخرى، ما يسمح لها بأن تتلقى الأموال من شركات التبغ.
في السياق نفسه، نقلت "فيسبوك" إلى "مكتب الصحافة الاستقصائية" أنها لا تسمح "بعرض إعلانات أو محتويات لعلامات تجارية تروج منتجات متصلة بالتبغ على منصتي "فيسبوك" أو "إنستغرام"، ولم يحدث أن استرعى انتباهنا أي إعلان انتهك تلك السياسة". وتعكف الشركة على النظر في السبل التي توسلتها صناعة التبغ كي يتسنى لها أن تستغل خدماتها الافتراضية.
وفي إطار عام، يعرف عن شركة "التبغ اليابانية الدولية" أنها تدير أيضاً موقعاً إلكترونياً يسمى بالألمانية "زاي زو فراي" Sei So Frei ("كن في قمة الحرية")، الذي يشيد بـ"بهجة الحياة، والاستمتاع، والتنوع، والعمل المستقل"، وقد ربط بصفحتي "فيسبوك" و"إنستغرام". ويلفت أيضاً أن صفحة "زاي زو فراي" الفيسبوكية جمعت نحو 10 آلاف متابع.
قبل جائحة "كورونا"، قدم موقع "زاي زو فراي" تذاكر دخول مجانية إلى مهرجانات كبرى في ألمانيا، من بينها "روك أم بارك" Rock im Park (Rock in the Park ) و"دايشبراند" Deichbrand و"فاكين" Wacken و"هاي فيلد" Highfield. وكذلك تذكر الشركة أنها تأمل في أن تستأنف هذا العام مسابقات للفوز بتذاكر للمهرجانات.
على الموقع الإلكتروني التابع لـ"كي كي أو 3" KK03، وهي شركة علاقات عامة ألمانية، نرى مروجين في مهرجان "هايفيلد" يحملون صواني "وينستون" ويقدمون إلى رواد المهرجان، عينات من السجائر وقسائم للحصول على مشروبات، إضافة إلى فرصة المشاركة في أنشطة عدة، من بينها مسابقة تحاكي القفز على الجمهور من على المسرح.
وكذلك تمثل "كي كي أو 3" أيضاً "كاميل" و"أميركان سبيرت". وقد استخدمت حسابها على "أنستغرام" للإعلان عن وظيفة شاغرة بحثاً عن سفير علامة تجارية "لواحدة من أكبر شركات تصنيع السجائر وأكثرها شهرة"، بحسب ذلك الإعلان.
وفي تطور متصل، أدرج الإعلان بشأن الوظيفة إلى جانب صورة يظهر فيها شعار باللونين الأزرق والأصفر للعلامة التجارية "كاميل". وتضمن الإعلان أنه يبحث عن طالب لديه علاقات جيدة وفي مقدوره الترويج للسجائر في المناسبات، من بينها الحفلات المنزلية.
ولم يصدر عن شركة "التبغ اليابانية الدولية" أي تعليق بشأن شغور تلك الوظيفة أو أنها قد ملئت، أو إذا كان الطالب المعين، إن وجد، قد قام بخطوة ما بغية ترويج علامتها التجارية.
واستكمالاً، يشار إلى أن شركة "التبغ اليابانية الدولية" قد أخبرت "مكتب الصحافة الاستقصائية" أنه "حري بالقاصرين عدم استهلاك سجائر التبغ أو السجائر الإلكترونية، وينبغي ألا يسمح لهم بالحصول على التبغ أو منتجات الـتدخين بالـ"فابينغ" vaping [السجائر الإلكترونية التي تستخدم البخار]".
© The Independent