Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "امرأة شابة واعدة" يعري الوهم المتعلق بـ"الرجل الطيب"

ما وراء فوز المخرجة والكاتبة إميرالد فينيل بأوسكار أفضل سيناريو أصلي عن عملها الأول الإشكالي الذي يتحدى مصطلحاً اجتماعياً يعرض النساء للخطر؟

ملصق فيلم "إمرأة شابة واعدة" (يوتيوب)

ينتمي الرجال الذين نشاهدهم في فيلم "امرأة شابة واعدة" Promising Young Woman إلى فئة "الرجال الطيبين". إنهم مهتمون بمسألة المساواة في مكان العمل. إنهم ودودون مع العاملات في الحانات والمقاهي. إنهم يكسبون رزقهم من أعمال تنقذ حياة الأطفال. في المقابل، إنهم يمدون أيديهم تحت تنانير النساء عندما يكن غائبات عن الوعي تقريباً. ويحاولون ممارسة الجنس الفموي معهن عندما يكن غير مدركات لما يجري حولهن عملياً. وعندما يكونوا حاضرين أثناء وقوع اعتداء جنسي فإنهم يكتفون بالمشاهدة والسخرية، لكن، وفق ما سيخبروكم مراراً وتكراراً، إنهم رجال "طيبون". بالتالي، إلى أي مدى يمكن أن يكونوا سيئين، أليس كذلك؟ يقع ذلك السؤال يقع في صميم فيلم التشويق للمؤلفة والمخرجة إميرالد فينيل الذي أحدث انقساماً بين المشاهدين، ويتناول موضوع الانتقام. وقد جعله ذلك شريطاً ممتازاً بالفعل، على الرغم من رأي النقاد عنه.

لنتأمل المشهد الافتتاحي. نرى الفتاة كايسي التي تؤديها كاري موليغان، مرمية فوق طاولة في إحدى الحانات، وتبدو في حالة سكر شديد. بالقرب منها، ثمة مجموعة من الرجال يتهكمون على زميلتهم في العمل في حين ينبري جيري (الممثل آدم برودي) للدفاع عنها. يبدو أنه شخص نبيل كذلك حينما يبدأ أصدقاؤه لاحقاً في الحديث عن مدى سهولة أن يستغل شخص ما كايسي، ويسعى جيري، متجاهلاً أقوالهم، إلى تحويل مجرى الحديث إلى العمل مجدداً، لكن أصدقاءه يبدون مصرين، وفي نهاية المطاف يذهب جيري "كي يرى إذا كانت بخير".

لو شاهدتم المقطع الترويجي للفيلم، فستعرفون ماذا سيحدث بعد ذلك. عقب الاعتذار نيابة عن أصدقائه "الوضيعين"، يأخذ جيري كايسي إلى منزله، ويبدأ بتقبيل شفتيها الساكنتين، ثم يضع رأسه بين ساقيها على الرغم من احتجاجات الفتاة. ولا يتوقف إلا عندما تكشف له عن أنها كانت تتظاهر بأنها ثملة.

نرى حكاية مشابهة في وقت لاحق، عندما تتظاهر كايسي بالسكر في منزل نيل، يؤدي دوره كريستوفر مينتز بلاس، الذي يخبر للفتاة التي يبدو أنها فاقدة للتركيز، بعد إجبارها على تعاطي الكوكايين، إنه لا يفهم أبداً ميل النساء الإكثار من وضع مساحيق التجميل. ويضيف قبل أن يدس أصابعه بين فخذيها، "هذا النظام المرهق الذي يسعى إلى اضطهاد المرأة هو نظام منهار". وفي وقت لاحق، عندما تفصح كايسي حقيقة وضعيتها وتتساءل عن سبب إصرار نيل، يجيبها، "أنا رجل طيب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبصورة عامة، لقد خضعت أسطورة "الرجل الطيب" للتدقيق بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. إذ يقدم هؤلاء الرجال الطيبون، المجتهدون، المناصرون للحركة النسوية، بوصفهم علاجاً مضاداً للنظام الأبوي. إنهم الرجال الذين يعاملون النساء باحترام، ويحتجون بصوت مرتفع على التمييز على أساس الجنس. واستطراداً، إنهم على عكس أولئك "الأشرار" كـ"تشاك باس" من مسلسل "فتاة النميمة" Gossip Girl، أو "دون داربر" من مسلسل "رجال ماد" Mad Men [يشير العنوان إلى من يعملون في شارع ماديسون الشهير في نيويورك]، الذين "يعاملون النساء بصفاقة كأنهن ألعاب ترمى بعد الاستعمال". في المقابل، بحسب توضيح من المخرجة فينيل، على غرار ما فعلت قبلها كريستين روبينيان صاحبة قصة "محب القطط" Cat Person في قصتها الأخرى التي تحمل عنوان "الشاب الصالح" The Good Guy، ثمة خطورة في من يصنفون باعتبارهم منتمين إلى أحد هاتين الهويتين المتناقضتين. إذ لا تصدر الأفعال السيئة، بالطبع، عن "الأشرار" وحدهم. ومع إدارك هذا المبدأ، يكون "الرجال الطيبون" أكثر تهديداً ببساطة، لأنكم لا تتوقعون ذلك منهم.

وببراعة، جرى توضيح تلك النقطة في شريط "امرأة شابة واعدة" عبر شخصية رايان (الممثل بو بيرنام)، طبيب الأطفال الذي يشكل جزءاً من المنحى الرومانسي الكوميدي الذي يتخذه الفيلم لمدة قصيرة. إذ نراه يجتذب كايسي بنكات ينتقد فيها نفسه وشخصيته المحببة، عندما تخبره كايسي أنها تحبه، يصيح رايان مبتهجاً إنه سيشتري لها دراجة هوائية. على كل حال، وكما سيتضح لنا لاحقاً، كان رايان أحد الرجال الذين شاهدوا نينا، صديقة كايسي المقربة الراحلة، أثناء تعرضها لاغتصاب من قبل "شلة" أصدقاء ضحكوا على ذلك، إبان دراستهما [رايان وكايسي] معاً في كلية الطب.

واستناداً إلى ذلك، حينما نأخذ كل تلك العوامل في عين الاعتبار، لا يعود من المستغرب أن يعمد الجاني الرئيس في عملية الاغتصاب، آل مونرو، الذي يؤديه الممثل كريس لويل، إلى تقديم نفسه لكايسي، حينما تواجهه، بوصفه "رجل طيب" أيضاً. إذ تلجأ كايسي، مع ارتدائها ملابس مغرية، إلى تقييد آل إلى السرير، موضحة أنها تفعل ذلك من أجل سلامتها. وإذ يصر آل على أن هذا ليس ضرورياً، ويطمئنها مؤكداً إنه "رجل لطيف"، ترد كايسي: "هل أنت كذلك حقاً؟ قد تتفاجأ عندما تسمع أن الرجال اللطفاء هم الأسوأ في بعض الأحيان". في الواقع، إنهم كذلك. لأن ذلك "الرجل اللطيف" يعمد بعد خمس دقائق إلى خنق كيسي بوسادة يضعها بين ساقيه.

في ملمح ذو دلالة، ثمة خلاف بين النقاد حول "امرأة شابة واعدة" منذ عرضه للمرة الأولى في "مهرجان صندانس" السينمائي في يناير (كانون الثاني) عام 2020. وبينما أوافق على أن هناك فقراً في نمو الشخصيات، وأن مكانة كايسي كبطلة أنثوية قد تقوضت بين الحين والآخر بسبب سلوكها المشكوك فيه (إذ تختطف الإبنة المراهقة لعميد كلية الطب التي تدرس فيها، وتوهم إحدى صديقاتها بالاعتقاد أنها تعرضت لاعتداء جنسي). في المقابل، لا ينفي أي مما ورد، بالنسبة لي، قوة الرسالة الأساسية التي تريد فينيل توصيلها.

إذاً، لا يقتصر الأمر على عدم توقع النساء التصرفات السيئة من الرجال الطيبين. إضافة إلى ذلك، حينما يفعل أولئك الرجال أشياء سيئة، فمن المرجح أنهم سيفلتون من العقاب لأن المجتمع غالباً ما يغفر لهم. وتوضح فينيل هذه النقطة من خلال الاختيار الاستراتيجي لطاقم الممثلين. إذ اصطفت لأداء الشخصيات الذكورية كلها، ممثلين معروفين بتجسيد أدوار الرجال الطيبين على الشاشة. فقد اشتهر برودي من خلال شخصية سيث كوهين المحبوب في المسلسل الكوميدي "ذي أو سي" The OC، فيما أدى بيرنام الشخصية المحببة لناشط على "يوتيوب" يصبح مخرجاً، واشتهر مينتز بلاس صاحب العينين الواسعتين البريئتين بدوره الساذج في شريط "فائق السوء" Superbad.

وفي مقابلة أجرتها أخيراً، أوضحت فينيل، "إذا كنت تصنع فيلماً عن موضوع معقد، فمن السهل جداً التحدث عن هذه الأشياء عندما يكون الأشخاص المعنيون أناساً لا تحبهم أو تحترمهم، أو تعتقد دائماً أنهم سيئون. تكمن صعوبة هذا الموضوع عندما يكون هؤلاء أشخاصاً تحبهم وتحترمهم. أولئك المحبوبون، الذين يميل الناس إلى القول "أنا أحب هذا الشخص، لذلك من المستحيل أن يكون هذا حقيقياً" بدلاً من القول "أنا أحب هذا الشخص، ومن المؤسف حقاً أن يفعل شيئاً فظيعاً، لكنني أحبه!".

هناك أهمية خاصة لكل هذا عندما يتعلق الأمر بالمناقشات المتعلقة بالعنف الجنسي. إذ ينتهي الفيلم عندما يلقى القبض على آل بتهمة قتل كايسي. وقد وصف النقاد هذه النهاية بأنها "خسارة من أجل القضية"، لأنه كان على الشخصية أن تموت كي يجري إنصافها. علاوة على ذلك، يواجه آل عقاباً على جريمة القتل، وليس الاغتصاب، ما يجعل قصة الانتقام في الفيلم تبدو كأنها قد فشلت.

ثمة زاوية موازية، تشكل لب الموضوع. في الحياة الواقعية، من المحتمل أن شخصاً مثل آل قد يتلقى في أحسن الأحوال عقوبة مخففة بسبب شخصيته الجيدة، وفق ما رأينا في عدد من حالات الاغتصاب. ولولا الفيديو الذي قدمته كايسي (والأدلة من هذا النوع نادرة)، فربما لما جرت إدانته على الإطلاق. أما بالنسبة إلى نينا، التي نفهم ضمنياً أنها قد أنهت حياتها بنفسها، ربما كانت سترغم على الشعور بأن ما حدث كان خطأها بفضل محام كجوردان غرين (أدى دوره ألفريد مولينا)، الذي كانت وظيفته في الفيلم إقناع الضحايا بعدم توجيه اتهامات إلى موكليه.

على الرغم من جماليته الزاهية، يقدم شريط "امرأة شابة واعدة" للمشاهدين واقعاً شديد الوحشية. ما عليكم سوى إلقاء نظرة على حفنة من الإحصاءات حول العنف ضد المرأة، كي تروا ذلك. نحن نعلم مثلاً أن لوم الضحية يشكل نوعاً من التكتيك يستخدم في المحاكم بهدف تبرير ما يفعله مرتكبو العنف الجنسي. ونعلم أيضاً أن ما يتعدى نحو 15 في المئة من أولئك الذين يتعرضون للعنف الجنسي في المملكة المتحدة، يبلغون الشرطة. ونعلم أن معدلات الإدانة في جريمة الاغتصاب أقل بكثير من الجرائم الأخرى، إذ تخلص إلى إدانة الجناة في ما لا يزيد على 1.7 في المئة من حالات الاغتصاب التي يبلغ عنها في إنجلترا وويلز.

قد لا يكون "امرأة شابة واعدة" فيلماً مثالياً، لكنه من وجهة نظري، في أقل تقدير، إنه عمل يقدم شرحاً اجتماعياً نادراً وضرورياً، يطيح التوقعات ويتأمل في واحدة من المعتقدات المغلوطة الكثيرة التي تساهم في ثقافة تديم العنف ضد المرأة. ويشكل ذلك أمراً يتوجب علينا ألا نتوقف عن التحقيق فيه أبداً.

© The Independent

المزيد من سينما