هزت انفجارات، السبت، جميع أنحاء رانغون، كبرى مدن ميانمار، حيث ينظم متظاهرون مسيرات خاطفة للمطالبة بالديمقراطية، متحدين المجلس العسكري الممسك بالسلطة منذ ثلاثة أشهر، ويقمع المحتجين بوحشية.
وتشهد ميانمار اضطرابات منذ الانقلاب الذي قام به الجيش في الأول من فبراير (شباط)، وأطاح فيه الحاكمة المدنية الفعلية للبلاد، أونغ سان سو تشي، منهياً بذلك تجربة قصيرة للبلاد في الديمقراطية.
وأثار استيلاء الجيش على السلطة انتفاضة واسعة حاولت السلطات قمعها باستخدام القوة بما في ذلك الذخيرة الحية.
تظاهرات وانفجارات
ومع بدء الشهر الرابع من حكم العسكريين، السبت، نظم المتظاهرون في رانغون التي تشكل مركزاً تجارياً، وتحولت إلى مركز للاحتجاج يشهد انتشاراً أمنياً كثيفاً، تظاهرات خاطفة يتنقلون خلالها بسرعة في الشوارع لتجنب مواجهة مع الشرطة والجنود.
وكتب على لافتة رفعها المتظاهرون وهم يسيرون بسرعة في أحد الأحياء "نملك الحقيقة، والحقيقية وحدها ستسود"، رافعين إشارة التحدي بثلاث أصابع.
وفي حي إنسين العشوائي في رانغون انفجرت قنبلة نحو الساعة العاشرة بالقرب من مدرسة محلية، على حد قول أحد السكان المقيمين في الجوار.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، "جاءت بعض القوات الأمنية لتفقد منطقة الانفجار لكني لم أشهدها إلا من مسافة بعيدة عن منزلي لأنني كنت قلقاً من أن يتم اعتقالي". وأضاف أنه رأى الدخان يتصاعد.
ونحو ظهر السبت وقع انفجاران آخران في حي يانكين جنوباً حسب سكان في المنطقة السكنية الخضراء. وقال أحد السكان "سمعت دوي الانفجار من هنا، واعتقدت أنه رعد". وأضاف أن الانفجارات سببت توتراً لقوات الأمن. ومن غير الواضح ما إذا كان أحد قد أصيب في الانفجارات التي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، بينما تتزايد وتيرتها في رانغون.
وقال رجل من سكان يانكين، إن العسكريين "جعلوا الناس يعيشون في خوف، ومن الجيد أن يكونوا قلقين". وأشاد بالمتظاهرين الذين يقومون بمسيرات خاطفة لبراعتهم في تفادي الاعتقال والقمع. ورأى أن "أي تحدٍ من دون اعقتال أو قتل هو إنجاز عظيم للمقاومة".
من جهة أخرى، لا تضعف الاشتباكات بين الجيش ومجموعات عرقية في مناطق الحدود الشمالية والشرقية. وهذه المجموعات التي تضم عدداً كبيراً من معارضي المجلس العسكري الذين فروا من الانتهاكات، استأنفت القتال في الأسابيع الأخيرة.
وقال عامل إغاثة، إن قصفاً مدفعياً سمع السبت بالقرب من بهامو في ولاية كاشين الشمالية، حيث شن الجيش في الأيام الأخيرة غارات جوية في هذه المنطقة استهدفت جيش استقلال كاشين.
في شرق البلاد، أدت الاشتباكات بين تاتماداو (اسم القوات المسلحة) وفصيل كارين المتمرد إلى نزوح أكثر من 30 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقتل نحو 760 مدنياً برصاص الشرطة والجيش في الأشهر الثلاثة الماضية، حسب جمعية مساعدة السجناء السياسيين.
لكن المجلس العسكري لم يعترف سوى بمقتل 258 شخصاً في 15 أبريل (نيسان)، ووصف المتظاهرين بـ"مثيري الشغب" المتورطين في "أعمال إرهابية".
مجلس الأمن يجتمع
ودعا مجلس الأمن الدولي بالإجماع في إعلان الجمعة إلى تطبيق خطة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي تتضمن خمس نقاط، خصوصاً "وقفاً فورياً للعنف في ميانمار"، في نص تم تخفيف حدته بطلب من الصين وروسيا.
وتنص هذه الخطة أيضاً على تعيين مبعوث من الرابطة. وقال المجلس في بيان وضع بمبادرة من بريطانيا أنه يجب تنفيذ هذه الخطة "من دون تأخير".
وبعد اجتماع مغلق صباح الجمعة، تطلب التوصل إلى هذا النص تنازلات من الغربيين لبكين وموسكو اللتين طلبتا حذف عبارة وردت في مسودة النص الأولى التي حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية. ويعبر مجلس الأمن في هذه المسودة الأولى عن "إدانته بشدة العنف ضد المتظاهرين السلميين"، ويطالب "الجيش بأكبر قدر من ضبط النفس".
وقال دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن "ما يجب تجنبه هو خسارة وحدة المجلس إلى درجة شل حركته. هذا يندرج في إطار حساسية العمل وأمر تقدمي جداً"، معترفاً بذلك بضرورة الاستجابة لرغبات الصين الداعمة الأولى لميانمار لإبقائها في إطار التوافق الدولي.
وبذلك يكون مجلس الأمن الدولي قد تبنى أربعة بيانات منذ الانقلاب العسكري الذي وقع في الأول من فبراير. وكل هذه البيانات تم تخفيف حدتها خلال مفاوضات مع الصين.
وعقد مجلس الأمن اجتماعه الجمعة بدعوة من فيتنام لعرض نتائج قمة رابطة جنوب شرقي آسيا في إندونيسيا. ويشجع الإعلان المعتمد على زيارة مبعوثة الأمم المتحدة كريستين شرانر بورغنر إلى بورما "في أقرب وقت ممكن".
وقال دبلوماسيون، إن بورغنر التي تقوم بجولة في المنطقة، كررت خلال اجتماع مجلس الأمن، دعوتها إلى موقف دولي جماعي على أمل التأثير على تطور الوضع.
وعرضت للمجلس ملخص لقاء طويل عقدته على هامش قمة آسيان مع رئيس المجلس العسكري الجنرال مين أونغ هلاينغ. وقال دبلوماسيون إنها واجهت خلال اللقاء رفضاً جديداً لتوجهها إلى ميانمار. وقد أبلغت مجلس الأمن الجمعة أنها تقدمت الخميس بطلب جديد للذهاب إلى البلاد.
وذكر دبلوماسي أن حكومة بروناي التي تتولى الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرقي آسيا حالياً، طرحت خلال الاجتماع فكرة زيارة مشتركة لمبعوثة الأمم المتحدة مع نظيرها المقبل في آسيان إلى ميانمار.
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة "تقديراتنا تفيد بأن نحو 20 ألف شخص نزحوا ونحو 10 آلاف فروا إلى الدول المجاورة منذ فبراير"، مؤكدة أن "التداعيات الإقليمية" للوضع في ميانمار "تتطلب تحركاً عاجلاً"، حسب فقرات من خطابها. وأضافت أن "الطموح المشترك للديمقراطية وحد بشكل غير مسبوق شعب ميانمار على الرغم من انقساماته الدينية والعرقية والطائفية". وتابعت أن هذه الوحدة القوية سببت صعوبات غير متوقعة للجيش في ترسيخ سلطته وتحقيق الاستقرار بعد الانقلاب".
عزلة قسرية
وأكملت زعيمة ميانمار المدنية أونغ سان سو تشي التي أطاحها الجيش، شهرها الثالث قيد الإقامة الجبرية، السبت، بينما تواجه سلسلة اتهامات جنائية في وقت يبدو أنها في عزلة تامة عن أحداث الفوضى التي تعصف بالبلاد.
وغرقت ميانمار في العنف منذ أطاح الجيش الزعيمة الحائزة جائزة نوبل للسلام في انقلاب في الأول من فبراير، أسدل الستار على تجربة ديمقراطية وجيزة عايشها البلد الآسيوي.
وأشعلت عودة المجلس العسكري إلى الحكم موجة من الاحتجاجات وحملة أمنية قاسية ضد الحركة الداعمة للديمقراطية، قتلت قوات الأمن خلالها أكثر من 750 شخصاً، بحسب مرصد محلي.
ومنعت سو تشي التي تم توجيه ستة اتهامات لها تشمل إثارة الفتن بموجب قانون أسرار الدولة، من عقد لقاءات خاصة مع محاميها.
وأفاد فريق الدفاع عنها وكالة الصحافة الفرنسية، بأنه سمح لها بعقد عدة اجتماعات عبر الفيديو فحسب مع محاميها بحضور عناصر أمن على طرفي الاتصالات.
وقال محاميها، جين ماونغ زاو، "لم نحظَ بفرصة حتى الآن للاجتماع وتلقي أوامر من موكلتنا. كيف يمكننا الدفاع عن المتهمة من دون الحصول على أوامر منها؟". وتابع، "لدينا قلق بالغ حيال حق المتهمة في الحصول على العدالة".
وصرح عضو آخر في فريق الدفاع هو مين مين سو، الاثنين، بأن سو تشي معتقلة داخل منزل في العاصمة نايبيداو، حيث قطعت عنها جميع المعلومات المتعلقة بالاضطرابات التي تشهدها البلاد.
وأضاف، "أعتقد أنه لا يمكنها متابعة الأخبار والتلفزيون. لا أعتقد أنها على دراية بالوضع الحالي".
قضت سو تشي أكثر من 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية خلال الحكم العسكري السابق قبل إطلاق سراحها سنة 2010 ووصولها إلى السلطة في انتخابات جرت بعد خمس سنوات من ذلك.
وتراجعت مكانتها دولياً بعد موجة أعمال عنف استهدف خلالها الجيش ذو الغالبية البوذية أفراد أقلية الروهينغا المسلمة المهمشة، وأدت إلى نزوح أكثر من مليون شخص، لكن الانقلاب أعاد لسو تشي دورها كرمز للديمقراطية.
ويقول مو ثوزار من "معهد إسياس - يوسف إسحق" للأبحاث الأمنية والسياسية في سنغافورة، "لا بديل عنها، على اعتبار أنها شخصية كان لديها تأثير على الحراك الديمقراطي في ميانمار على مدى كل هذه السنوات".
ويشير إلى أنه "حتى وإن لم يتفق الناس مع سياسات الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية (حزبها)، فهناك تأثير للطريقة التي ينظرون إلى أونغ سان سو تشي من خلالها كشخصية قادت المعارضة ورفعت صوتها من أجل الديمقراطية في الماضي، إلى جانب كونها ابنة بطل استقلال البلاد".
وأقام حزب سو تشي علاقات مع المؤسسة العسكرية النافذة خلال سنوات الديمقراطية العشر التي نعمت بها ميانمار، لكن العلاقة تدهورت بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني).
فقد حقق حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية فوزاً ساحقاً في تلك الانتخابات، لكن الجيش اتهمه بالتلاعب بالنتائج وانتزع السلطة بعد أن فشلت تحقيقات لجنة الانتخابات في تأكيد اتهامات الجنرالات بالتزوير.
ومنذ توقيف سو تشي قبل 12 أسبوعاً، استخدم الجيش القوة القاتلة في الشوارع في مسعى لإخماد الاحتجاجات واعتقل أكثر من 4500 شخص.
وعمل الجيش على ضمان بقاء سو تشي خارج الصورة، بينما كال لها اتهامات بالفساد، وغير ذلك، لكن حتى في حال انقطاعها عن الحراك على الأرض، إلا أن صورها ترفع في كل تظاهرة تقريباً، بينما يطالب المحتجون بإطلاق سراحها.
وقال ناشط يبلغ من العمر 33 عاماً، "الأم سو باتت مسنة الآن، وستموت في أي لحظة، لذا علينا تحمل مسؤولياتنا من دونها". وتابع، "نؤمن بالأم سو تماماً كما تؤمن هي بنا، وسنواصل الكفاح إلى حين انتصار انتفاضتنا".