كلما أطل كبار السياسيين المحافظين عبر مقابلة إذاعية أو تلفزيونية أثناء الفترة التمهيدية لانتخابات الأسبوع الماضي، كانوا يعمدون إلى الدفاع عن رئيس الوزراء ضد مزاعم حول فساده المحتمل بما يتصل بتجديد شقة في "داونينغ ستريت" (مقر الحكومة)، عبر الادعاء بأن الناس ليسوا عابئين بمثل تلك المزاعم. وكذلك اعتبروا أن الأمر مجرد "فقاعة وستمنستر"، وبعيداً كل البعد عن أولويات الناس. وحاضراً، يستعمل أولئك المحافظون نجاحاتهم في بعض هذه الانتخابات (المحلية) وكأنها تؤكد صحة ما كانوا قد ادعوه.
واستطراداً، يمثل ذلك (الادعاء) مستوى متدنياً بصورة خاصة، في الخطاب العام. إذ يمكن نفي وتقويض مزاعم الفساد الذي سيخضع لعدد من التحقيقات المستقلة المتنوعة في وقت قريب، بصورة عامة على أساس أن جمهور الناخبين لا يعبأون به. ويشكل ذلك النفي العلامة الفارقة والراسخة من زمن طويل للزعيم المستبد أو الشعبوي.
لقد أُطلق الآن التحقيق الأحدث حول سلوك بوريس جونسون، من قِبَل مفوض المعايير (في مجلس العموم البريطاني) الذي وجد مبررات كافية لعدم الاقتناع برواية بوريس جونسون عن عطلته سنة 2019 في جزيرة "موستيك". في النهاية، دُوّن في سجل مجلس العموم المتعلق بمصالح أعضائه، أن تكلفة هذه العطلة بلغت 15 ألف جنيه استرليني، ومثلت هدية سخية من جانب ديفيد روس، مؤسس شركة " كارفون وايرهاوس" ومانح تبرعات لحزب المحافظين.
في المقابل، ظهر قدر كبير من التشوش في أعقاب ذلك مباشرة، حين نفى روس أن يكون قد دفع تكلفة الرحلة، ما أدى إلى جعل إعلان رئيس الوزراء في سجل المصالح، كاذباً بشكل محتمل. وفي ما بعد، أوضح روس أنه وفر لرئيس الوزراء استخدام فيلا في "موستيك"، التي كانت بالفعل "دفعة عينية"، بيد أنه لم يتبرع بأي مبلغ نقدي في تلك الحالة.
وتالياً، يعد الأمر إضافة إلى الفوضى السائدة بشأن تجديد شقة "داونينغ ستريت"، واستمرار رئيس الوزراء في رفضه الإفصاح عمن دفع في البداية فاتورة التجديد التي بلغت قيمتها 58 ألف جنيه استرليني، وقد سددها بنفسه لاحقاً.
واستطراداً، تبعث هذه الأمور حقاً على الملل. إذ لا يحب الجمهور بوجه عام، السياسيين كثيراً. وحين يكون هناك قدر وفير من الأنباء الأكثر أهمية من حولنا، فإن من المقلق إلى حد ما، أن يجري إفراد حيز كبير في الأخبار لقضايا مثل ورق الجدران والعطلات، التي تبدو تافهة بشكل من الأشكال في ظروف كهذه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، إن هذه القضايا ليست تافهة. وكقاعدة عامة، لا يضحي الأشخاص أثرياء جداً. ولا يغمر فائقو الثراء هؤلاء السياسيين بكرمهم من دون أن يتوقعوا شيئاً في مقابله. وبالتزامن مع القصص التي تحكي عن تمتع رئيس الوزراء بهدايا المانحين، ثمة عدد مماثل من القصص الأخرى التي تتناول مساراً يتعلق بكبار الشخصيات في الوصول إلى العقود الحكومية المربحة، الذي يجري حجزه (المسار) لمصلحة مانحي حزب المحافظين. وهذان النوعان من القصص يرسمان معاً صورة لرئيس وزراء يستدين كثيراً، أو في الأقل يسعى إلى الاستدانة كثيراً، على بطاقة الائتمان الخاصة بالحكومة، من أجل تغطية تكاليف نمط حياته الباذخ.
وفي ذلك الصدد، هنالك حجة المحافظين المألوفة لدى سؤالهم عن هذه الأمور، وتتمثل أن دافع الضرائب يجب ألا يشعر بالقلق لأن أمواله لم تُمس، ولم ينفق أحد شيئاً منها، ولكن هذه ليست النقطة الجوهرية المتعلقة بذلك الأمر. إذ يستطيع دافع الضرائب أن يتحمل تماماً دفع 58 ألف جنيه استرليني لاستعمال ورق جدران جديد. وكذلك لن تشكل عبئاً عليه تكلفة عطلة في جزيرة "موستيك" التي بلغت 15 ألف جنيه، ولن تكون سوى قطرة في بحر دافعي الضرائب. وفي المقابل، يبرز السؤال عما إذا كانت هذه عبارة عن مبالغ تدفع مقدماً لقاء امتيازات معينة، أو مقابل الوصول التفضيلي إلى الفرص المربحة للغاية التي يوفرها العمل مع الحكومة، والتي تكلف دافع الضرائب حقاً المال.
وبالنتيجة، إن ذلك هو السبب الذي يجعل أموراً من هذا النوع تحظى بهذا الاهتمام الكبير. ويشكل أيضاً السبب في تحول " فقاعة وستمنستر" إلى ما يشبه المصدر للبث المجنون لأخبار حول هذه الأمور. إذ يدرك دافعو الضرائب ما يجري من حولهم. وكذلك يدركون أن ما يحصل مهم. ويعرفون أيضاً أن بوريس جونسون يواصل تحفظه على الإجابات، لكن المطلوب هو الشفافية الكاملة وأي شيء دون ذلك سيكون غير مقبول كلياً.
© The Independent