تتجه أنظار السياسيين في لبنان إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يتوجّهان بشكل صارم إلى اتخاذ تدابير عقابية ضد الأطراف اللبنانية المسؤولة عن المأزق السياسي الراهن، الذي يفاقم أزمة اقتصادية توصف بأنها التهديد الأخطر لاستقراره منذ انتهاء الحرب الأهلية.
ولفتت مصادر دبلوماسية غربية إلى أن برلمان الاتحاد الأوروبي في صدد تفعيل آليات فرض عقوبات صارمة - ستكون الأولى من نوعها تجاه لبنان - على كل مَن يقف حجر عثرة في طريق إنهاء حالة الفراغ الحكومي الحالية، إضافة الى أطراف متورطة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، لا سيما الذين اتخذوا قرارات قمع ضد المتظاهرين بهدف تقويض الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ولفتت المصادر إلى وجود تنسيق بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا بشأن العقوبات، ففي وقت تسعى باريس إلى الانتقام لفشل مبادرتها عبر فرض عقوبات صارمة على كل مَن عرقل إنهاء حالة الفراغ الحكومي، تتشدد برلين تجاه "حزب الله" وتدعو شركاءها الأوروبيين إلى إدراجه بجناحَيه العسكري والسياسي على قوائم الإرهاب باعتباره "المعرقل الأول" في لبنان وإن كان الخلاف المُظهّر حول الإخفاق في تشكيل الحكومة محصوراً بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. وأضافت المصادر عينها أن بريطانيا تلاقي الفرنسيين من ناحية والأميركيين من ناحية أخرى في استخدام "عصا العقوبات" للضغط على السياسيين اللبنانيين، إذ أقرّ مجلس العموم قانوناً لمكافحة الفساد يمكن استخدامه في فرض عقوبات على شخصيات لبنانية متورطة في ممارسات تقع ضمن هذه الخانة.
وأكدت المصادر الدبلوماسية الغربية أن النقاش الدائر في الاتحاد الأوروبي بين فرنسا والدول الأخرى ليس بشأن العقوبات، إذ هناك قناعة تامة لدى الدول الأعضاء بوجوب فرضها، إنما يتركز الخلاف حول الجهات التي يجب أن تُفرض عليها تلك العقوبات والمسوغات التي تمنح تلك الخطوة مشروعية قانونية، مشددة على أن النقطة المحورية في النقاش الأوروبي هي أن فرنسا وبعض الدول الأخرى تتجنب استفزاز "حزب الله" وتوسيع دائرة العقوبات تجاه أطراف معارضة للحزب من أجل عدم إظهار ارتباط العرقلة به وحلفائه حصراً، في حين أن ألمانيا وبريطانيا تتشددان لناحية التنسيق ومواكبة العقوبات الأميركية تجاه "حزب الله". ويُتوقّع أن تشكّل القيود الأوروبية ضربة قوية للساسة اللبنانيين، بما أن كثيرين منهم يملكون منازل وحسابات مصرفية واستثمارات في دول الاتحاد الأوروبي ويرسلون أبناءهم للدراسة في جامعات في أوروبا، بالتالي فإن سحب هذه الامتيازات ربما يكون وسيلة لدفعهم إلى حلحلة الوضع في لبنان.
"أحجية" العقوبات
في السياق، قال مدير "مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية" سامي نادر إنه "حتى اللحظة لم تتوضح بعد الآلية التي يجب اعتمادها في ملف فرض العقوبات الأوروبية على معرقلي تشكيل الحكومة اللبنانية والمبادرة الفرنسية"، لافتاً إلى أنه "مهما كانت آليتها أو نوعها، فتداعياتها حتماً ستكون سياسية واقتصادية".
واعتبر نادر أن "القيود الأوروبية تأتي في وقت تنعدم الحدود الإنقاذية للأزمة اللبنانية نتيجة غياب الحكومة، بالتالي استمرار الانهيار المالي مع غياب أي انفراج في الأفق"، لافتاً إلى أنه "بدل أن ترسل الدول الأوروبية أموالاً لمساعدة لبنان، فهي اليوم بصدد فرض عقوبات، لن يعاني منها سوى الشعب، الذي يعاني بدوره من الفساد والغياب التام للحل والجمود السياسي الحاصل".
وكشف نادر عن أن "هناك لائحة بأسماء سياسيين بات ممنوعاً عليهم الدخول إلى فرنسا، لكن حتى هذه اللحظة لم يُصرّح عن أسمائهم، ما يطرح علامات استفهام، وكأن موضوع العقوبات أحجية". وأردف أنه "من المؤكد صدور حزمة قيود جديدة عن الاتحاد الأوروبي".
عقوبات على التيار
في السياق، برزت معلومات ترجّح أن يدرج الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي أعضاء في "التيار الوطني الحر" ومنهم رئيسه جبران باسيل ووزراء ينتمون إلى التيار، على قوائم العقوبات، استناداً إلى قوانين مكافحة الفساد الأوروبية. إلا أن عضو "تكتل لبنان القوي" (التابع للتيار الوطني الحر) النائب إدي معلوف، قال إنه "ليس معروفاً ما إذا كانت ستُفرض العقوبات الأوروبية على أساس الفساد أو على أساس سياسي"، مؤكداً أن "التيار يؤيد الإجراءات التي ستأتي لمحاسبة الفاسدين في البلاد على كل المستويات، إذا وُجدت إثباتات. لكن إذا كانت عقوبات سياسية، فلا نعلم على أي أساس ومنطق ستستند الدول الأوروبية".
واعتبر معلوف أن "التيار الوطني الحر في طليعة محاربي الفساد في لبنان، ونوابه تقدّموا بأكثر من اقتراح قانون لمكافحة الفساد، ويتابعون تنفيذها"، جازماً بأن تياره السياسي لا يضم سياسياً واحداً عليه شبهات فساد أو هدر للمال العام، واصفاً الاتهامات التي يتعرّض لها تياره بـ"الظالمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماكرون إلى السعودية
في السياق، تشير المعلومات إلى أن الدوائر الفرنسية تجهّز جدول أعمال كاملاً للرئيس إيمانويل ماكرون لإجراء جولة على دول الخليج وأبرزها السعودية، بعدما كانت أُجلت في مرتين سابقتين. وكان من المفترض إجراء تلك الجولة قبل شهر رمضان غير أنها أُرجئت إلى ما بعد عيد الفطر.
وبحسب مصادر فرنسية، ستولي الزيارة اهتماماً أساسياً بالملف اللبناني الذي سيتم بحثه مع المسؤولين السعوديين، بحيث ستقترح فرنسا توسيع دائرة العمل المشترك مع الدول العربية من خلال تفعيل دور جامعة الدول العربية في الأزمة اللبنانية، وقد يصل الأمر إلى حد طلب عقد اجتماع للجامعة حول لبنان وإصدار قرارات بهذا الاتجاه، من المرجح أن تكون مواكبة للعقوبات الأوروبية المرتقبة.
النمسا تلاحق الحزب
وفي سياق التشدد الأوروبي تجاه "حزب الله"، حظّرت النمسا، نشاطه واعتبرته منظمة إرهابية بجناحَيه السياسي والعسكري، متجاوزة في ذلك سياسة الاتحاد الأوروبي التي لا تزال تكتفي بحظر الذراع العسكرية فقط. ويأتي القرار ضمن استراتيجية شاملة أقرّتها النمسا لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتم تعزيزها بشكل كبير عقب "هجوم فيينا" الدامي العام الماضي. ومن الدول الأوروبية الأخرى التي حظّرت "حزب الله" بالكامل هولندا وألمانيا وإستونيا وجمهورية التشيك وسلوفينيا.
ماغنيتسكي غلوبال
في المقابل، لا تغيب الولايات المتحدة عن المشهد، لا سيما من خلال فرضها عقوبات على شخصيات منتمية إلى "حزب الله"، بخاصة تلك المرتبطة بجمعية "القرض الحسن" (مؤسسة مالية تابعة للحزب)، ما يؤكد استمرار واشنطن في فرض العقوبات وفق العمل المؤسساتي والقرار السياسي. وأفادت مصادر مقربة من السفارة الأميركية في بيروت، بأن قانون مكافحة الفساد "ماغنيتسكي غلوبال" سيبرز بشكل كبير في المرحلة المقبلة، كاشفة عن 13 شخصية لبنانية قيد المتابعة القضائية في الولايات المتحدة بقضايا فساد، وأنه في حال ثبت تورطهم، ستتم معاقبتهم أسوة بباسيل. وأكدت المصادر ذاتها أن "مسار العقوبات المرتبطة بالفساد لا تتأثر بالتغيرات السياسية على مستوى الإدارة الأميركية"، وأن "مسار العقوبات وفق ماغنيتسكي، قضائي".
وعلّقت المصادر المقربة من السفارة الأميركية على إدراج سبعة لبنانيين يشكلون جزءًا من شبكة "حزب الله" المالية على لائحة العقوبات، قائلة إن "على القضاء اللبناني أن يعتبر ما جاء في مضمون القرار بمثابة إخبار، لا سيما أنه تضمن مسألة تمويل تصفيات سياسية حصلت في البلاد. إن متابعة معلومات كهذه ربما تكشف عن شبكة الاغتيال السياسي الذي لا ينتهي في لبنان".