وحده دوي صفارات الإنذار الصاروخية الذي يرغم الجميع على الاحتماء يوقف لبعض الوقت العنف المشتعل في اللد، جنوب إسرائيل.
عند غروب الشمس، تقف البلدة العربية- اليهودية المنقسمة بشدة على شفير الخطر، بمعزل عن الحرب المشتعلة بين غزة والجيش الإسرائيلي على بعد 40 كيلومتراً فقط.
ولا يبدو وابل الصواريخ سوى مصدر إلهاء عن المعركة الحقيقية التي تدور على الأرض بين سكان المنطقة من فلسطينيين ويهود.
تكشف جولة بالسيارة حول اللد، اشتعال النيران في شوارع مقطوعة جزئياً بحاويات النفايات والسيارات المحروقة المقلوبة.
ويقول أيوب حسون، 27 عاماً، الذي قتل أخوه موسى، 31 عاماً، على الأرجح برصاص السكان اليهود خلال موجة من العنف، الإثنين، "كأنها حرب أهلية".
"أريد تحقيق العدالة لأخي، لكن كيف؟ نشعر بأننا في الأدغال. لا نعلم من يقف ضدنا ومن معنا هنا".
ويعكس ما يحدث في اللد غياب الروابط بين الدوائر المجتمعية المحلية في إسرائيل.
فعلى خلفية احتمال اندلاع حرب مطولة في غزة، واحتدام الاشتباكات بين المستوطنين والعرب في القدس، اشتعلت شرارة العنف بين سكان إسرائيل من يهود إسرائيليين وفلسطينيين عرب.
وتهدد الحرب الشديدة التي تعتمل داخل الحرب بتقسيم البلد أكثر، سواء توصل إلى هدنة توقف هدير الطائرات الحربية فوق غزة أو راجمات الصواريخ التي ترد عليها أم لا.
وقد وصلت حدة العنف إلى درجة أنه تزامناً مع وضع الجيش الإسرائيلي مخططات اجتياح بري لقطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع أن موارد عسكرية حيوية قد تحول من أجل [تمويل] قمع الاضطرابات في مدن البلاد الداخلية.
وحذر الرئيس رؤوفين ريفلين من اندلاع حرب أهلية، مناشداً جميع الأطراف "أرجوكم أوقفوا هذا الجنون".
يشكل عرب إسرائيل الذين يبلغ عددهم 1.9 مليون نسمة نحو 20 في المئة من سكان البلاد، وهم يضمون إجمالاً أحفاد الفلسطينيين الذين إما ظلوا ضمن دوائرهم المحلية، أو أرغموا على النزوح بعد حرب 1948 التي أدت إلى تأسيس دولة إسرائيل.
واشتكوا طيلة سنوات من التعرض للتمييز والعنصرية المؤسسية والعنف من المواطنين اليهود كما الزعماء والقادة الأمنيين. وغالباً ما ينفي المسؤولون وجود تمييز.
وصلت التوترات في جميع أنحاء البلاد إلى درجة الغليان خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد مشاهد اقتحام القوات الإسرائيلية المتكرر للمسجد الأقصى، وهو ثالث أهم المقدسات الإسلامية، باستخدام القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، فيما رد عليها المتظاهرون الفلسطينيون بالحجارة والقناني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكى تبادل النيران عبر الحدود الذي اندلع بعد ذلك بفترة قصيرة بين "حماس" وإسرائيل النيران التي تحولت إلى جحيم مستعر في البلاد.
داخل المدن الإسرائيلية العربية- اليهودية المختلطة بما فيها يافا وعكا وحيفا، تحول الغضب واليأس إلى معارك شوارع مفتوحة وعمليات طعن وإطلاق نار في دورة عنف محبطة.
في اللد، زعم أعضاء البلدية اليهود الإسرائيليون كما مكتب رئيس البلدية أن المواطنين العرب هم من حرضوا على انهيار القانون والنظام، فحرقوا كُنُساً [معابد يهودية] وألقوا بقنابل المولوتوف والحجارة على المواطنين اليهود. وعكست هذه التصريحات أقوال الشرطة التي أفادت بأن السكان العرب أثاروا العنف. واتهمت مجموعات من المواطنين العرب بإلحاق الضرر بمواقع أثرية منها مدينة عكا القديمة ومتحف فسيفساء اللد.
وقال المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفيلد الذي صرح بأن السكان العرب كانوا المسؤولين في أغلب الأحيان عن تصعيد العنف "وقعت بعض حوادث العنف من جانب اليهود الإسرائيليين لكنها كانت في معظمها انتقاماً. فيما وقعت غالبية الأحداث نتيجة هجوم العرب الإسرائيليين على الناس".
يعترض السكان العرب على اتهامهم بالمسؤولية ويزعمون أنهم الضحايا. أظهر تصوير الفيديو الذي شاركته العائلات مع "اندبندنت" السكان اليهود وهم يحاولون اقتحام منزل في حيفا أو يضعون إشارات على منازل في اللد لكي يعودوا ويهجموا عليها لاحقاً. وظهرت تقارير عن وقوع عدد من عمليات الطعن، بما فيها عمليات كان ضحيتها عامل فلسطيني في القدس ومواطنين يهود في اللد.
وفي هذه الأثناء، اتجه الإسرائيليون من اليمين المتطرف إلى "فيسبوك" و"تلغرام" من أجل تنسيق مذابح مدبرة ضد المواطنين العرب في إسرائيل، وفقاً للهيئات التي تتابع الشأن الإسرائيلي فايك ريبورتر Fake Reporter وهابلوك أورغ Habloc. Org.
وفيما كل الأطراف تتهم بعضها بالمسؤولية عن الفوضى، يقول كثيرون في المجتمعات العربية، إن القوى الأمنية لا تحمي سوى الدوائر اليهودية الإسرائيلية وحتى أنها تحرض على العنف، وهو اتهام تنفيه هذه القوى بشكل قاطع.
ويقول الخبراء الفلسطينيون والإسرائيليون، إن جذور هذا الصراع تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من الأسابيع الأخيرة المضطربة.
شرحت أنوار مهاجنة، مساعدة أستاذ العلوم السياسية في كلية ستونهيل في ماساتشوستس، وهي نفسها مواطنة فلسطينية من إسرائيل، أن الأقلية العربية في إسرائيل "عانت (طوال عقود) من قوانين وميزانيات وتخطيط جائر، ومصادرة أراض، ومراقبة وقمع سياسي".
وقد تفاقم النهج التمييزي خلال السنوات القليلة الماضية، كما قالت، مع إقرار قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل في عام 2018، وهو أشبه بالدستور ينص على حق اليهود وحدهم بتقرير المصير داخل إسرائيل، ويقلل من أهمية اللغة العربية فيصنفها لغة تتمتع بـ"مكانة خاصة" بعد أن كانت لغة رسمية.
وهو ما يشعر به كثيراً السكان العرب في اللد، الذين يزعمون أنهم لا يتمتعون بنفس الحقوق كنظرائهم اليهود، ويواجهون صعوبة في الحصول على رخص البناء، كما في الحصول على دعم البنية التحتية من أجل القيام بنشاطات مدرسية واجتماعية.
في دماش، وهي ضاحية عربية في المدينة لا تعترف الدولة بها، لا يحصل السكان على المياه بانتظام، كما يفتقرون إلى الإمداد بالكهرباء وإلى ملاجئ تحميهم من القصف. لقي رجل عربي إسرائيلي من سكان المنطقة حتفه برفقة ابنته البالغة من العمر 17 عاماً في سقوط صواريخ من غزة منذ عدة أيام، ويقول أقرباؤهما إن ذلك حصل لأنه لم يكن لديهما أي مكان يختبئان فيه حين دوت صافرات الإنذار.
وأخبر عم الفتاة، عرفات إسماعيل البالغ من العمر 61 عاماً، "اندبندنت" أنه منذ حصول النزاع بين غزة وإسرائيل في عام 2014، طالب السكان السلطات المحلية باستمرار بتأمين ملاجئ، لكن لم يشيد منها شيء.
وأضاف "نأمل الآن بعد أن فقدنا اثنين من أحبائنا ضحية للصواريخ، أنهم قد يبنون لنا واحداً".
تعتبر قصة اللد، المدينة التي كانت عربية قبل عام 1948، مثالاً نموذجياً على العديد من المدن المختلطة في البلاد. وتقول إليزابيث تسوركوف الخبيرة الإسرائيلية والزميلة غير المقيمة في معهد نيولاينز، مؤسسة أبحاث في واشنطن "إن ميزانيات المدينة وسلطتها السياسية بين أيدي الأغلبية اليهودية".
وتشرح بأنه عبر العقود، وطنت الحكومة الإسرائيلية عشرات الآلاف من اليهود في المدينة وقد عاشوا في دوائر مجتمعية منعزلة. وهو ما تنفيه السلطات المحلية.
وقال آرون آتياس، أحد أعضاء البلدية البارزين الذي تحدث إليه "اندبندنت" فيما كان يحاول التفاوض على فرض حظر تجوال، إن هذه البلدية بالتحديد "قدمت للعرب خلال السنتين الماضيتين أكثر من أي بلدية أخرى خلال السنوات الستين الماضية".
وأضاف أن العديد من هجمات اليهود الإسرائيليين في المدينة كانت "دفاعاً عن النفس" بما فيها إطلاق النار على موسى.
ويعم المدينة شعور بالتوتر الشديد: قال رئيس بلدية المدينة اليهودي في وقت سابق من الأسبوع إنه "فقد السيطرة"، وإن العنف قد تحول إلى "حرب أهلية".
وابتداء من الإثنين، أصبحت الأحداث دامية: أُردي موسى قتيلاً، واعتقل شخصان يهوديان مشتبه بهما.
واستمرت دوامة العنف. الخميس، أطلق الرصاص على يهودي أصيب بجروح خطيرة، كما أصيب يهوديان آخران بجروح معتدلة بعد تعرضهما للطعن.
أعلنت حالة الطوارئ في المدينة التي تضم نحو 80 ألف نسمة، وانتشر فيها 500 عنصر إضافي من حرس الحدود وفرض فيها حظر تجوال. وفي الأحياء اليهودية، ساد التوتر.
لم يشأ كثير من المشاركين في مسيرة دينية قومية يمينية أن يتحدثوا مع الصحافيين الأجانب، وألقى أحدهم البيض فيما وصلت "اندبندنت" إلى موقع التجمع.
وكان ضمن الحشود مواطنون من خارج المدينة أتوا في باصات من أماكن بعيدة مثل القدس.
وقالوا إنهم قدموا من أجل مساعدة سيدتين يهوديتين تعيشان في حي عربي على الذهاب إلى منزلهما لأنهما خائفتان. ويزعم أن السكان اليهود قد رموا بالمولوتوف والحجارة.
وشرح الشاب الذي رفض إعطاء اسمه "رأينا الاعتداءات على اليهود وقدمنا من أجل مساعدتهم".
في الجانب الثاني للمدينة، مع ارتفاع درجات الحرارة، بدأ المواطنون العرب بإلقاء الحجارة على سيارات المواطنين اليهود المارين في المكان. وسرعان ما تحول ذلك إلى حرب شوارع شاملة، تلقي فيها جموع تحمل العصي والمولوتوف بالحجارة وسط وابل من الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي من الشرطة.
وصرح نائب رئيس البلدية، إيلي سار بأن السلطات "تحاول فرض السلام" واستعادة السيطرة على مقاليد المدينة.
وأضاف "هذا ليس جيداً بالنسبة لنا [ما يجري لا يصب في مصلحتنا]، نريد العيش معاً".
لكن السكان العرب قالوا إنه يجب حدوث تغيير كبير أولاً.
ورأى هاشم تاتير، 38 عاماً، صديق موسى المقرب "إن الديمقراطية موجودة لخدمة الشعب اليهودي فقط. لا يوجد أي زعيم على الجانبين يمكنه لجم الناس. نحن لا نشعر بالأمان".
© The Independent