يتساءل كثيرون عن سبب حاجة رئيس النظام السوري إلى إجراء انتخابات رئاسية ستكلّف كثيراً من الأموال، خصوصاً في عملية اقتراع السوريين في الخارج، طالما أنه سيربحها.
ويلفت سوريون يعيشون في بلدهم إلى العدد الكبير من ملصقات الحملة الانتخابية للأسد التي تملأ شوارع دمشق، ما يُوحي بأنه خائف من خسارة هذه الانتخابات. فالحملة الدعائية له والتي تحمل شعار "الأمل بالعمل"، لم تترك زاوية في دمشق لم تملؤها. وأينما ذهبت تقرأ شعار "فلتعش أمة أنجبت بشار حافظ الأسد"، الذي كان يستخدم لوالده حافظ الأسد.
ويتساءل كثيرون عن تلك الحملة التي أطلقتها لجنة الانتخابات من أجل حث السوريين في الداخل والخارج، على التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المرتقبة. فالنتيجة شبه معروفة سلفاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نسبة المشاركين وعدد الأصوات. "تكاد تعتقد أن المعركة قاسية بين بشار الأسد وبشار الأسد"، يقول أحد الصحافيين المتابعين للانتخابات.
وشهد عام 2014 الانتخابات الرئاسية الأولى في سوريا التي جرت عن طريق الاقتراع بمشاركة أكثر من مرشح، بعدما كان "انتخاب" الرئيس يتم بطريقة الاستفتاء على مرشح واحد. لكن تغيير قانون الانتخابات الذي أعقب تعديل الدستور في عام 2012 لا يعني شيئاً في ظل نظام الحزب الواحد (البعث) والحرب التي لم تنته حتى اليوم، وأدت إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ للروس بشكل أساسي وهم داعمو بشار الأسد ونظامه، ومناطق للأميركيين في الشمال، وأخرى تحت السيطرة التركية والإيرانية، ومناطق ذات حكم ذاتي للأكراد. إذاً ستجري الانتخابات في مساحة تقل عن 40 في المئة من سوريا، وسيشارك فيها سوريو الخارج في لبنان وإيران وروسيا وبعض الدول الحليفة للنظام، في محاولة لإقناع الرأي العام العالمي بجديتها. وعلى الرغم من ذلك، رفضت أكثرية الدول نتيجتها بشكل مسبق، وهناك من منع إجراءها على أراضيه كما في ألمانيا وفرنسا وعدد آخر من الدول الأجنبية والعربية.
حملات انتخابية صورية
افتتحت حملة رئيس النظام السوري صفحات وحسابات لها على منصات التواصل الاجتماعي، وكتب تحت عنوان حملة الأسد التعريف الآتي "الحملة الرسمية للمرشح لانتخابات الرئاسية للجمهورية العربية السورية الدكتور بشار حافظ الأسد".
المرشح الثاني عبد الله سلوم عبد الله، عضو المكتب السياسي في حزب "الوحدويين الاشتراكيين"، أحد أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية". وشعارات حملته الانتخابية هي "قوتنا بوحدتنا" و"لا للإرهاب" و"نعم لدحر المحتلين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد اختار المرشح الثالث محمود أحمد، المصنف من شخصيات "معارضة الداخل"، وهو اسم أطلقه النظام على جماعة مصنفة لديه بأنها تعارضه، عنواناً لحملته الانتخابية مختصراً من كلمة واحدة هي "معاً". وأُضيفت إليها عبارات عدة، منها "معاً... لأنّ رأينا مختلف لكن بشرف"، و"معاً للإفراج عن معتقلي الرأي". وبالطبع، كان الأسد قد أصدر عفواً قبل انطلاق الحملات الانتخابية عن عدد من معتقلي الرأي كانوا قد اعتُقلوا بسبب آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ما دفع أحد المعلقين إلى القول "تبدو المسرحية سريعة وقصيرة لأنها تتألف من بطل وكومبارس فقط".
وقد أجاب أحد المرشحين عن سؤال في شأن مدى جدية ترشحه في ظل المنافسة مع الأسد، بأن "الهدف من الترشح للرئاسة ليس المجابهة والتحدي، وإنما ممارسة الحق الديمقراطي. وصناديق الاقتراع هي الفيصل والحكم في ذلك". ما أثار موجة من التعليقات الساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي، من قبيل "صناديق الاقتراع المملوءة سلفاً أم تلك التي في زنازين أجهزة المخابرات"؟
ولا بد من الإشارة إلى أنه كان للانتخابات السورية صدى لدى المعلقين اللبنانيين في الصحف والمواقع الإلكترونية، وكل منهم نظر إليها من موقعه من النظام السوري، فمؤيدوه في لبنان اعتبروا أن هذه الانتخابات تؤكد شرعية النظام السوري الحالي لدى السوريين، بينما اعتبرها مناهضو النظام مهزلة كبيرة، وطلب بعضهم من اللاجئين الذين سينتخبون الأسد العودة إلى سوريا طالما أنهم لا يهربون من النظام وتسقط عنهم صفة لاجئ.
شروط تعجيزية للترشح
يصرّ الأسد على إجراء الانتخابات، على الرغم من الرفض الدولي والشعور العام بأنها غير حقيقية وأقرب إلى المسرحية. وفي الأساس، تقوم على شروط تعجيزية للمرشحين مثل فتح باب الترشح لمن أتم 40 عاماً على أن يكون متمتعاً بالجنسية السورية بالولادة، ومن أبوين يحملانها بالولادة أيضاً، وأن يكون المرشح متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، وغير متزوج من غير سورية، ومقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشح، فضلاً عن اشتراط أن يحصل المرشح على تأييد خطي لترشيحه من قبل 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب.
مع ذلك، يقول بشار الأسد إن "أي سوري يمكن أن يكون رئيساً للبلاد، هناك العديد من السوريين المؤهلين لهذا المنصب، ولا يمكن ربط البلد بأسره بشخص واحد وبشكل دائم". وهذا التصريح بدوره أثار تعليقات ساخرة كثيرة من السوريين في الخارج.
وينص قانون الانتخابات العامة لعام 2014، على تشكيل لجنة قضائية تسمى "اللجنة القضائية العليا للانتخابات" التي أوكلت إليها مهمة تنظيم الانتخابات والاستفتاءات، بما في ذلك انتخابات عضوية مجلس الشعب. والمحكمة الدستورية العليا هي صاحبة الاختصاص في الإشراف على انتخابات الرئاسة والطعن فيها وإعلان نتائجها، وفي دراسة قانونية طلبات الترشح والبت فيها خلال الخمسة أيام التالية لانتهاء مدة تقديمها على الأكثر. ورئيس النظام السوري هو من يعين أعضاء المحكمة الدستورية، وبالتالي لا يمكن لأي مرشح الحصول على موافقتها من دون أن يكون موافقاً عليه من طرف النظام.