تشهد البؤر الساخنة لفيروس "كورونا" في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، حملات مكثفة أطلقتها السلطات الصحية، لتوسيع نطاق الاختبارات وتسريع عمليات التلقيح، في محاولة لاحتواء تفشي المتحور الهندي للفيروس، والحد من انتشاره في جميع أنحاء البلاد.
ومع تضاعف معدلات حالات الإصابة الأسبوعية بمرض "كوفيد" في بولتون شمال إنجلترا، (المدينة الأكثر تضرراً من سلالة B1.617.2 ) تصاعدت وتيرة الجهود المحلية الرامية إلى تضييق الخناق على المتحور الهندي في كل بيدفورد وبيرنلي وليستر وكيركليس ونورث تاينسايد في إنجلترا، وغلاسكو وموراي في اسكتلندا، وهاونسلو في غرب لندن.
في غضون ذلك، حرصت الدكتورة جيني هاريس رئيسة قسم الاختبار والتتبع (في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية NHS) على التأكيد على أن البلاد لم تخسر معركتها ضد المتحور الهندي، على الرغم من أن أرقام "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England، تظهر أن 135 منطقة في إنجلترا سجلت ارتفاعاً بارزاً في معدلات حالات الإصابة بالعدوى، في الأسبوع المنتهي في الخامس عشر من مايو (أيار) الجاري.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أشار هو كذلك إلى أنه باتت لدى الحكومة "ثقة متزايدة" في أن اللقاحات فعالة في مواجهة هذه السلالة، معززاً الآمال في إمكان رفع ما تبقى من قيود الإغلاق في إنجلترا، كما هو مخطط له في الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) المقبل.
في موازاة ذلك، بدا البروفيسور نيل فيرغيسون عالم الأوبئة العضو في "المجموعة العلمية لنمذجة الإنفلونزا الوبائية" Scientific Pandemic Influenza Modelling Group (SPI-M) التابعة للحكومة البريطانية، أكثر حذراً عندما قال، إن الموعد المحدد لإعادة فتح البلاد "يظل غير محسوم"، نظراً إلى الارتفاع الكبير في حالات الإصابة بالمتغير الهندي.
ولفت العالم البريطاني إلى أن تغلغل السلالة الجديدة إلى البلاد أظهر أن نظام الحجر الصحي المنزلي للأشخاص الوافدين من الخارج (الذي يطبق الآن بموجب قواعد "القائمة البرتقالية" التي وضعتها الحكومة لمعظم دول العالم) "لم يحقق في الواقع أهدافه".
أما وزير الصحة البريطاني مات هانكوك، فرأى أن التقنيات فائقة التطور التي تعتمدها الحكومة لمراقبة الأمن البيولوجي (بما في ذلك تحليل مياه الصرف الصحي الناتجة من المراحيض) مكنتها من تحديد النقاط المثيرة للقلق، بسرعة تفوق بكثير استجابتها لانتشار السلالة المتحورة التي ظهرت في مقاطعة كينت في الخريف الفائت.
وأبلغ هانكوك البرلمان البريطاني، أنه تم حتى الآن تأكيد وجود2,967 حالة إصابة بالمتحور الهندي للفيروس في المملكة المتحدة، أي بارتفاع من نحو 1300 حالة إصابة كانت قد سُجلت في نهاية الأسبوع الفائت. ويوجد في مستشفى بولتون الآن قرابة 25 شخصاً يعانون من أعراض "كوفيد - 19"، تبين أن غالبيتهم لم يتم تطعيمهم. وفيما لفت وزير الصحة إلى أن ما يقرب من 90 في المئة" من الناس، لم يتلقوا جرعتي اللقاح بعد، قال إن بعض الأفراد أدخلوا إلى المستشفى على الرغم من تلقيهم جرعتين كاملتين منه.
ومع تسجيل 920 نتيجة اختبار موجبة لجهة الإصابة بالسلالة الجديدة خلال الأيام السبعة الأخيرة، تتصدر مدينة بولتون قائمة "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" للمناطق التي تشهد سرعة انتشار الفيروس بحسب المعدل العام لتزايد حالات الإصابة. وجاءت بعدها بؤر ساخنة أخرى تفشى فيها المتحور الهندي وهي، بيدفورد وبلاكبيرن وبيرنلي. وقد أثار هذا التطور مخاوف العلماء من أن تكون السلالة الجديدة أكثر نشراً للعدوى من الأنواع السابقة، ويمكن أن تطغى على مختلف أنحاء المملكة المتحدة، إذا لم يتم احتواؤها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نائب كبير المسؤولين الطبيين البروفسور جوناثان فان تام، أشار إلى أن من غير المحتمل أن تتكشف بوضوح معالم تلك السلالة الجديدة حتى الأسبوع المقبل، وتحديداً مدى قابليتها على للانتشار بشكل أكبر من سلالة كينت. لكنه قال إن معظم الخبراء يرجحون أنها ستكون ضمن "معدل وسطي" يتفاوت ما بين بضع نقاط مئوية و50 في المئة في مدى قوة قابليتها على نشر العدوى.
وأضاف البروفسور فان تام في مؤتمرٍ صحافي عُقد في مقر رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت"، أن المملكة المتحدة تخوض الآن "سباقاً محموماً" بين قابلية فيروس B1.617.2 للانتشار من جهة، وسرعة مرافق "خدمات الصحة الوطنية" في نشر اللقاح وتطعيم الناس من جهةٍ أخرى. وأكد على أنه يمكن إبطاء وتيرة انتشار العدوى الجديدة من طريق نظام الاختبار والتتبع، وعبر التزام "سلوك حذر". وحض الناس في المناطق المتضررة، على عدم الانجرار إلى ما قد يؤدي إلى فلتان تام من خلال "المسارعة إلى الانغماس في أساليب عيش غير آمنة صحياً"، وذلك بعد استعادة الحريات الجديدة التي باتت متاحة منذ يوم الاثنين.
ونصح نائب كبير المسؤولين الطبيين في البلاد سكان تلك المناطق "بالتفكير ملياً في الحريات التي يتمتعون بها"، وبأن يقوموا "بموازنة المخاطر وتوخي أقصى درجات الحذر".
أما الدكتورة جيني هاريس الرئيسة التنفيذية لـ"وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UK Health Security Agency (مؤسسة حكومية تتولى التخطيط لمواجهة التهديدات الصحية الخارجية والوقاية منها والاستجابة لها)، فترى أن بريطانيا هي في "موقعٍ مختلف للغاية" مقارنةً مع العام الماضي، لجهة القدرات التي باتت تمتاز بها في تحديد أي موجات فيروسية جديدة بشكل أسرع.
"من خلال اعتماد مجموعة من الاختبارات فائقة الدقة، أصبح في إمكاننا تقفي أثر المتحور الجديد وتحديد مصدره، وتعقب سلاسل انتشاره، واعتماد وسائل متطورة لتتبع الأفراد الذين اختلطوا بالمصابين. إن مسؤولي الصحة العامة يتنقلون شخصياً من منزل إلى آخر، ويعملون في المناطق المتضررة لتقديم الدعم اللازم للأفراد، وإجراء اختبارات مكثفة فيها".
وكشفت هاريس عن أن حالات الإصابة بالمتحور الهندي في محيط سيفتون في مقاطعة ميرسيسايد الإنجليزية، أخذت في الانخفاض الآن، نتيجةً للاستجابة الأخيرة، ما يعزز الآمال في إمكان احتواء المتحور الجديد.
وطمأنت إلى أن "المواجهة مع المتحور ليست خاسرة على الإطلاق". واعتبرت أنها "معركة شرسة لا بد لنا من خوضها، إذ لدينا الآن موارد ضخمة، ونقوم ببذل جهود هائلة، لا سيما من جانب السكان في مختلف هذه المناطق. ويجب أن نواصل القيام بذلك".
وزير الصحة البريطاني تحدث في مؤتمر صحافي عن إعطاء نحو 14 ألف لقاحٍ للناس في منطقتي بولتون وبلاكبيرن منذ يوم الجمعة، وأكثر من 26 ألفاً في الأسبوع الماضي، وهو أعلى إجمالي أسبوعي في تلك الأنحاء من البلاد، في حين تم تسليم قرابة 75 ألف اختبار إضافي إلى هاتين المنطقتين وحدهما، مع نشر 12 مركز اختبار، وفريق مؤلف من 100 شخص يتنقلون من منزل إلى آخر لإنجاز مهامهم.
وقال هانكوك إن "الميزة التي نتمتع بها الآن مقارنةً مع الخريف الفائت عندما ظهر متحور كينت لأول مرة، هي أننا بتنا نعرف الكثير عن تغيرات الفيروس بشكل أسرع، وذلك بفضل إمكاناتنا الاستثنائية في المراقبة التي تتيح لنا تحديد معدلات الارتفاع في حالات الإصابة في وقت مبكر جداً".
إلا أن وزير الصحة أبقى على حذره ممتنعاً عن الوعد بالمضي في اعتماد مزيد من إجراءات تخفيف الإغلاق في الحادي والعشرين من يونيو المقبل قائلاً، إنه لن يُتخذ قرار نهائي في هذا الصدد إلا قبل أسبوع من الموعد المطروح.
وفي المقابل، أعلن هانكوك إطلاق أول تجربة في العالم للقاحات "المعززة" المضادة لفيروس "كوفيد - 19"، بمشاركة نحو 3 آلاف متطوع في المملكة المتحدة، في اختبارات لسبع جرعات محتملة. وأكد أن هذه التجربة حظيت بدعم مالي من الحكومة البريطانية بقيمة 19.3 مليون جنيه استرليني (27 مليون دولار أميركي). ويُتوقع أن تظهر النتائج في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، وستكون مصدر بيانات مهماً لدعم برنامج جديد واسع النطاق من المقرر إطلاقه في الخريف المقبل.
وقال هانكوك، "أشجع كل فرد حصل على جرعتين من لقاح كوفيد - 19 حتى الآن، ويكون مستوفياً الشروط، على الاشتراك في هذه الدراسة والإسهام بدور في حماية الأشخاص الأكثر ضعفاً في هذه البلاد وحول العالم لأشهر وسنوات مقبلة".
وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أعلنت أن أكثر من سبعة بريطانيين بالغين من كل 10 (قرابة 36.9 مليون شخص) قد حصلوا حتى الآن على أول جرعة من اللقاح المضاد لـ"كوفيد - 19"، في حين أن نحو خمسي هذا العدد (39.6 في المئة) قد تلقوا الجرعتين.
© The Independent