في لحظة مدمرة، أدركت جاين كالدويل أنها خسرت 200 ألف جنيه استرليني (285 ألف دولار). وأتت هذه الأموال جزئياً من تعويضات تخص تأميناً على الحياة لم تسحب منها منذ وفاة شريكها قبل 10 سنوات. فقد تركتها جانباً لصالح مستقبل ابنتهما المعوقة.
وتقول كالدويل، التي طلبت تغيير اسمها حتى لا يستهدفها محتالون: "بصفتي أماً مسنة ومع وفاة والدها، اعتقدت أن ابنتي ستكون في حاجة إلى مساعدتي في المستقبل".
في منتصف عام 2018، تلقت كالدويل، التي لا تستطيع العمل لأسباب صحية، مكالمة من رجل فهمت أنه من "الجمعية الوطنية للبناء"، حيث كانت تملك سندات ادخار. ولم يكن الرجل من "الجمعية الوطنية للبناء" على الإطلاق – لكن يبدو أن المتصل كان يعرف كل شيء عن الشؤون المالية لكالدويل.
كانت كالدويل على وشك أن تصبح واحدة من عدد متزايد بسرعة من ضحايا العمليات الاستثمارية الاحتيال الذين لا يجدون إلا القليل من المساعدة من الجهات التنظيمية، أو المصارف، أو الشرطة عندما يخسرون مبالغ محورية من المال.
وعرفت هيئة السلوك المالي عن العملية الاحتيال قبل ستة أشهر من المكالمة، لكنها فشلت في ضبط مندوبي المبيعات من متابعة الأشخاص الضعفاء لسنتين تقريباً، وفق ما تبين لتحقيق أجرته "اندبندنت".
وزادت التقارير عن العملية الاحتيال الاستثمارية المقدمة إلى الشرطة إلى أكثر من ثلاثة أضعافها بين عامي 2017 و2020، وهي تتجه إلى أن تسجل هذا العام أعلى مستوى لها. وأبلغ الضحايا عن نحو سبعة آلاف حالة وخسائر قدرها 177 مليون جنيه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام وحدها، وفق ما أظهرت أرقام جديدة من مكتب الاستخبارات الوطني لمكافحة الاحتيال.
ومنذ عام 2017، بلغ إجمالي الخسائر المتكبدة لصالح محتالين والمبلغ عنها أكثر من ملياري جنيه. ويكاد يكون من المؤكد أن الرقم الحقيقي أعلى، لأن العديد من الضحايا لا يتصلون بالشرطة.
تقول كالدويل: "أعاني من عسر القراءة. وأعاني صعوبة تذكر الأشياء"، لكنها تتذكر مكالمة المبيعات بوضوح.
"أعطاني نصيحة في شأن سنداتي وقال إن التحول إلى استثمارات أخرى سيكون أفضل لابنتي".
وتقول كالدويل إنه كان لحوحاً، وأوصاها بأن تستثمر مدخراتها في شركة عقارية اسمها "إكسماونت للبناء المحدودة".
وبعد كثير من الإقناع، دخلت إلى فرع "الجمعية الوطنية للبناء" الذي تتعامل معه، واقتربت من المنصة، وبمساعدة أمين صندوق، حولت ما يقرب من 200 ألف جنيه.
وتقول إنها لم تكن تعلم أنها تضع مدخراتها في استثمار ينطوي على مخاطر عالية، وأنه كان ينبغي لـ"الجمعية الوطنية للبناء" أن تطرح أسئلة عن هذا التحويل الكبير. وتفيد "الجمعية الوطنية للبناء" بأنها امتثلت لالتزاماتها القانونية. وبعد عدة أشهر، عندما شكك شريكها الحالي في التحويل، أدركت كالدويل أنها تعرضت إلى عملية احتيال.
ومنذ ذلك الوقت اختفت "إكسماونت"، وتوقفت خطوطها الهاتفية عن العمل، ولا يوجد ما يشير إلى أن أي أموال كانت تستثمر في ممتلكات على الإطلاق.
خط طويل من الضحايا
تضيف القضية إلى سلسلة من القضايا التي وقعت تحت إشراف رئيس هيئة السلوك المالي السابق، أندرو بايلي. العام الماضي، نشر تقرير دامغ عن إخفاقات قبل انهيار شركة استثمارية أخرى بقيمة 237 مليون جنيه، هي "لندن لرأس المال والتمويل".
وحمل أصداء عن "بلاكمور بوند"، التي أعلنت إعسارها العام الماضي ولديها أموال لمدخرين بلغت 47 مليون جنيه. وفشلت هيئة السلوك المالي في التصرف بناءً على تحذيرات متكررة، وجهت مباشرة إلى بايلي، تفيد بأن الشركة كانت عبارة عن عملية احتيال.
وبعد أن اشتكت كالدويل، طلبت خدمة المظالم المالية من "الجمعية الوطنية للبناء" أن تعيد لها أموالها، لكن الأخيرة استأنفت هذا القرار. وقال ناطق باسم الجمعية: "نظراً إلى عدم حدوث أي خطأ من جانب الجمعية، لسنا مسؤولين عن خسارتها".
كذلك رفضت "الجمعية الوطنية للبناء" شكوى أحد ضحايا "إكسماونت" ويبلغ من العمر 79 سنة وحول 50 ألف جنيه. وفي وقت لاحق أعادت الجمعية أموال تلك الضحية بعد أن طلبت منها خدمة المظالم المالية ذلك.
واجتمعت مجموعة من 15 ضحية أخرى، وكثير منهم من كبار السن أو الضعفاء، لاستعادة مبلغ مليون جنيه وضعوه في "إكسماونت". وجميعهم خسروا أموالهم بعد تلقي هيئة السلوك المالي تحذيرات. ولم يرغب أحد في ذكر اسمه خشية استهدافه مجدداً من قبل محتالين. ولا يعرف العدد الإجمالي للضحايا.
كتيبات لامعة، ومحام أعلى... وبستاني يعمل مديراً
توضح قضية "إكسماونت" السهولة التي يمكن بها للشركات التي تبيع استثمارات مشكوكاً فيها أن تعمل من دون أن تعلم الجهات التنظيمية.
فكتيب "إكسماونت" وموقعها الإلكتروني موافق عليهما من شخص معتمد من هيئة السلوك المالي؛ وحملت وثائقها القانونية ختم الموافقة من محامٍ أعلى، في حين عملت شركة محاسبة راسخة عضواً في مجلس الأمناء.
وصور كتيب لامع "إكسماونت" كشركة عقارية ذات رؤية ثاقبة، لكن تحت علامة التسويق المصقولة توجد علامات تحذيرية لأولئك الذين يعرفون أين ينبغي أن ينظروا.
بدأت الشركة حياتها عام 2013، مسجلة في بيت شبه منفصل وغير مميز بشمال لندن. وأصبح العنوان، 2 وودبيري غروف، سيئ السمعة كمنزل – على الورق – لأكثر من 20 ألف شركة جاهزة للعمل.
وسجلت كلها في البداية باسم امرأة تبلغ من العمر 86 عاماً، واستخدم بعضها لتنفيذ عمليات احتيال.
وبعد أربع سنوات من السكون، تولى منصب "إكسماونت" جو توماس مايسون، 38 عاماً، الذي أصبح المدير الوحيد للشركة في يوليو (تموز) 2017. ومايسون تاجر منفرد من تيلبوري بإسكس يعمل في بناء الممرات المنزلية والمروج الزائفة.
وفي غضون شهرين، كانت لدى "إكسماونت" خطط لجمع 20 مليون جنيه من الجمهور مع وعد بعوائد تصل إلى 12.5 في المئة. وأصدرت الشركة كتيباً يصف مايسون زوراً بأنه مساح قانوني عمل في "مشاريع التجزئة والترفيه لعملاء مؤسسيين تتجاوز قيمتهم مجتمعين 800 مليون دولار".
كذلك احتل مكانة بارزة على الغلاف الأمامي أن "إكسماونت" تتمتع بـ"شراكة استراتيجية" مع شركة "سنتشوري 21"، وهي شركة عالمية للوكالات العقارية. وأفادت "سنتشوري 21" بأنها لم تتعامل مع "إكسماونت" قط.
وفي سبتمبر (أيلول) 2017، وافق غراهام ريد، وهو شخص معتمد من هيئة السلوك المالي، على الكتيبات. وكان ذلك يعني أن ريد يعتبرها واضحة ومنصفة وغير مضللة. ومحض مستثمرو "إكسماونت" ثقتهم لنسخة من رسالة موقعة من ريد إلى الشركة، تؤكد موافقته.
لكن ريد يزعم أنه سحب موافقته عام 2018 قبل أن يحول المستثمرون أموالهم إلى الشركة. وقال إنه ما لبث أن عرف أن مايسون لم يكن يتحكم في الشركة، بل كان بدلاً من ذلك يستخدم من قبل "بعض المراوغين".
وأضاف، "كلما أوضح الأمر في شكل أسرع، كان ذلك أفضل للجميع، لأنني أكره أن يتعرض المسنون إلى السرقة".
وحين اتصلت "اندبندنت" بمدير "إكسماونت"، مايسون، قال إنه لا يعرف "كثيراً عن" الشركة ورفض التعليق أكثر. وحين سئل مايسون عن تعليقات ريد والمزاعم المضللة في الكتيب، لم يرد.
"ما كان يجب إعطاؤها قط إلى المستثمرين"
في الوقت نفسه تقريباً الذي كان ريد يوافق فيه على تسويق "إكسماونت"، كان كاتب عدل يدعى طاهر موسوي يضع المعاملات القانونية.
وكان موسوي عانى قبلاً من مشاكل تتعلق بعمله لشركتين أخريين خسر فيهما المستثمرون ملايين الجنيهات: "كولونيال كابيتال" و"كاسل للخدمات المؤسسية".
وعام 2015، حظرت هيئة تنظيم كتاب العدول موسوي من العمل كممارس منفرد، ما يعني أنه يستطيع العمل كمحامٍ إذا وظفته شركة أخرى وأشرفت عليه.
وفرض القيد بعد أن وجدت الهيئة أنه نقل ملايين الجنيهات عبر حسابه الخاص به كعميل لصالح الشركتين على الرغم من أن مستشار الأخلاقيات لدى الهيئة أبلغه أن "الأمر كله يبدو قليلاً كعملية احتيال".
ورفض قاض الاستئناف اللاحق الذي قدمه موسوي أمام المحكمة العليا. وأزال موسوي طوعاً اسمه من سجل كتاب العدول عام 2018.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أغسطس (آب) 2017، بعد فترة وجيزة من تولي مايسون منصبه مديراً لـ"إكسماونت"، تواصل موسوي مع المحامي اللندني البارز، كلايف وولمان، للحصول على رأيه في الهيكل الاستثماري.
وقال وولمان، وهو محرر سابق لشؤون القلب التجاري للندن في صحيفة "المايل أون صانداي" ويعمل في الشركة القانونية "توماس مور تشامبرز"، مثل المدعي العام السابق جيفري كوكس، إن موسوي عرض عليه عملاً في شكل منتظم.
وأضاف وولمان أنه على بينة من قرار هيئة تنظيم كتاب العدول في شأن موسوي، لكن ذلك لم يشكل له سبباً للقلق. وتحدث هاتفياً مرة إلى مايسون ورجل آخر قدم نفسه باسم فيجاي سينغ. وأقر وولمان بأنه لم يعرف إن كان الاسم حقيقياً.
ثم تلقى أمراً مباشرة من "إكسماونت" وأعطى رأياً قانونياً، معتبراً أن الهيكل الاستثماري كان سليماً قانونياً. ولم يعطِ أي رأي في الاستثمار نفسه وقال إنه لم يتقصَ المعلومات حول مايسون أو سينغ، ولم يكن ملزماً بذلك.
وقال وولمان: "ما كان يجب إعطاء تلك الورقة قط إلى المستثمرين. الواقع أنني أوضحت لهم أن الورقة لم تكن مخصصة للمستثمرين. كانت مجرد رأي قانوني".
وبعد أربعة أشهر، في يناير (كانون الثاني) 2018، دهمت هيئة معايير التداول وشرطة القلب التجاري للندن وهيئة السلوك المالي مكتباً مستأجراً في شارع ثريدنيدل بالقلب التجاري للندن واكتشفت وكلاء مبيعات لشركة تدعى "الإدارة المدعومة بأصول" يبيعون سندات "إكسماونت". وضبطت الشرطة كتيبات تتضمن مزاعم كاذبة.
وكان وكلاء المبيعات يحصلون على عمولات تتراوح بين 27.5 في المئة و40 في المئة عن كل بيع لصالح "إكسماونت"، تدفع من أموال المستثمرين.
وكان مدير "الإدارة المدعومة بأصول" وكبير حملة أسهمها انخرطا سابقاً في استثمارات غير منظمة خسر فيها مدخرون مسنون مبالغ ضخمة.
ومنع المساهم، ريكي بورجيس، 31 عاماً، من أن يكون مديراً لشركة لمدة 15 سنة عام 2016 لدوره في شركة تبيع ائتمانات كربونية وأحجاراً كريمة ذات أسعار زائدة. وقال إنه موظف في "الإدارة المدعومة بأصول"، وليس مديراً، لذلك لا ينبغي أن يتحمل أي مسؤولية إذا فقد الناس أموالهم. وأشار إلى أن المادة التسويقية للشركة وافق عليها شخص معتمد من هيئة السلوك المالي، بالتالي ليس لديه أي سبب للشك في محتوياتها.
وقال غراهام ريد، الذي وافق على الكتيبات، إن هيئة معايير التداول اتصلت به في شأن المداهمة وإنه أخبر هيئة السلوك المالي على الفور أنه سحب موافقته. ورفضت هيئة السلوك المالي تأكيد ذلك أو نفيه ولم تستطع الإشارة إلى أي إجراء اتخذته في ذلك الوقت لإيقاف تشغيل "إكسماونت" أو "الإدارة المدعومة بأصول".
وتظهر السجلات التي جمعها ضحايا "إكسماونت" أنهم على مدى الأشهر الـ18 التالية قاموا بعشرات التحويلات المصرفية إلى سلسلة من الحسابات بناءً على تعليمات مندوبي المبيعات. وقام بعض الضحايا بتحويلات متعددة، وكان من الممكن منع هذه العمليات كلها لو أن إجراءً سريعاً اتخذ.
فشل مثبت
في أغسطس 2020، بعد سنتين ونصف السنة من تنبيه هيئة السلوك المالي للمرة الأولى إلى مشاكل مع "إكسماونت"، حدثت الهيئة التنظيمية وضع ريد بهدوء لكي تقول إنه لم يعد مجازاً بالتوقيع على الترقيات المالية من دون موافقة مسبقة من الهيئة.
وعندما اتصلت بها "اندبندنت" في شأن "إكسماونت"، أفادت هيئة السلوك المالي بأنها تتعامل "بجدية تامة مع المعلومات التي نتلقاها عن ممارسات العمل غير الأخلاقية والعمليات الاحتيال" وأنها تهدف إلى اتخاذ إجراءات ضد "الشركات التي تعمل كجهات تمكين"، لكن الناطق أضاف: "لا يمكننا اتخاذ إجراءات ضد سوء السلوك في اختصاصنا".
غير أن مارك تابر، وهو أحد الناشطين في مجل حقوق المستهلك، قال إن الهيئة التنظيمية فشلت في شكل مستمر في استخدام صلاحياتها لوقف عمليات الاحتيال المحتملة وإطلاق ملاحقات قضائية ضد الأشخاص الذين يقفون وراء هذه العمليات.
"كانت هيئة السلوك المالي تدرك بوضوح بيع "إكسماونت" ومحركها، "الإدارة المدعومة بأصول"، سنداتها في أوائل عام 2018 قبل استثمار الضحايا، لكنها لم تتخذ أي إجراء فاعل لحماية المستهلكين أو تحذيرهم".
ودعا تابر إلى توفير فقرة في مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت من شأنها أن ترغم شركات التكنولوجيا مثل "غوغل" و"فيسبوك" على فحص الإعلانات الخاصة بالاستثمارات قبل نشرها. فالعديد من الضحايا يستهدفون أولاً بعد الاستجابة لإعلانات عبر الإنترنت.
وفي الوقت الحالي، تسمح ثغرات في القواعد وخليط من هيئات تطبيق القانون المختلفة للمحتالين الاستثماريين بالعمل مع قدر ضئيل من الخوف من التعرض إلى المساءلة عندما تختفي الأموال.
والعام الماضي، بعد أكثر من سنة ونصف السنة من انهيار "لندن لرأس المال والتمويل"، أطلقت هيئة السلوك المالي مشاورات تطلب وجهات نظر حول كيف ينبغي لها أن توقف ما وصفه رئيس هيئة الرقابة بأنه "وباء" من العمليات الاحتيال الاستثمارية. وبالنسبة إلى آلاف المدخرين مثل جاين كالدويل، فقد تأخر الأمر لسنوات.
© The Independent