ماذا لو كان الدستور الإيراني يسمح بحق تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من عهدتين، أو على الأقل لثلاث مرات متوالية، وقرر الرئيس حسن روحاني تجديد رئاسته للمرة الثالثة، ورفعت وزارة الداخلية أوراق ترشحه إلى مجلس صيانة الدستور للوقوف على رأي هذا المجلس وقدرته على إحراز أهلية وصلاحية الترشح للانتخابات الرئاسية؟
ما تكشفه اللائحة الصادرة عن مجلس صيانة الدستور التي تتضمن أسماء المرشحين السبعة الحائزين على موافقة هذا المجلس وأحرزوا أهلية المشاركة في الانتخابات الرئاسية، تكشف عمق الأزمة التي يواجهها النظام الإيراني منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة، ومرشحة للاستمرار في المستقبل في ظل آليات والمواقف والتعامل القائم من قبل الجهات المتحكمة بمصير القرارات الاستراتيجية على المستوى القومي الداخلي، والتي لا تنظر إلى المصلحة العامة وتقدّم عليها المصالح الفئوية أو الحزبية.
في محاولة الإجابة على السؤال في الأعلى، يمكن الجزم بأن الرئيس الحالي حسن روحاني لن يكون قادراً على عبور مصفاة مجلس صيانة الدستور لدورة ثالثة، في حال كان الدستور يسمح له بذلك، ولعل المؤشر الذي يساعد على هذه الجزمية في الإجابة، وهو رفض صيانة الدستور لترشح نائبه الأول إسحاق جهانغيري وعدم إحرازه لأهلية أن يكون من بين المرشحين، على الرغم من السنوات الثماني التي كان فيها مسؤولاً عن إدارة الشؤون الداخلية والاقتصادية في موقع يشبه إلى حد كبير في صلاحياته منصب رئيس وزراء في أي نظام رئاسي آخر، وعلى الرغم أيضاً من أنه حاز على موافقة هذا المجلس كمرشح لانتخابات عام 2017 إلى جانب روحاني.
محطات كثيرة ومتعددة حصلت في العقدين الأخيرين، وتحديداً من عام 2005 تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول آليات عمل مجلس صيانة الدستور خاصة والنظام بصورة عامة في التعامل مع الانتخابات الرئاسية. ولعل الأزمة الحقيقية والمفصلية التي تطرح في هذا الإطار، هي قدرة هذا المجلس في تحديد وتشخيص مصلحة النظام العليا والاستراتيجية في التعامل مع المرشحين واختيار الأفضل والأقدر على إدارة البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول إن التقلبات التي مرت بها قرارات هذا المجلس في التعامل مع المرشحين، تكشف عمق أزمة اختيار القيادات العليا ومراكز السلطة والحكومة من قبل هذا المجلس، الذي يتربع على رأسه من أزل النظام الشيخ أحمد جنتي، ويتحكم في اختيار أعضائه المرشد الأعلى مباشرة بما يملكه من صلاحية اختيار ستة من أعضائه الأساسيين الذين يمثلون المؤسسة الدينية، وبشكل غير مباشر عبر الترشيحات التي يقدمها رئيس السلطة القضائية إلى البرلمان لاختيار الأعضاء القانونيين الستة الآخرين من بين 12 اسماً، في وقت أن المرشد هو الذي يختار رئيس السلطة القضائية.
لا أحد من الإيرانيين، إن كان المرشد الأعلى للنظام أو أي من المسؤولين والقياديين سواء من الإصلاحيين أو المحافظين، يداخله الشك في أهمية الدور والموقع الذي يتمتع بهما الشيخ هاشمي رفسنجاني، إن كان في انتصار الثورة أو في المرحلة التأسيسية التي أرست دعائم النظام، وبحسب تعبير المرشد والرئيس الأسبق محمد خاتمي، يشكل رفسنجاني "هوية الثورة والنظام". وعلى الرغم من توليه رئاسة مجلس النواب لأكثر من دورة، ورئاسة الجمهورية لدورتين، ورئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلا أن مجلس صيانة الدستور قام برفض ترشحه لانتخابات عام 2013 لأنه لم يحرز الأهلية المطلوبة لتولي هذا المنصب، وألحقت به هزيمة قاسية في انتخابات 2005 أمام أحمدي نجاد المجهول.
في المقابل، فإن هذا المجلس، الذي خاض معركة ضد رفسنجاني بشكل واضح، وفرض على إيران والإيرانيين رئيساً لمدة ثماني سنوات، ووضع النظام أمام حركة شعبية معارضة "الحركة الخضراء" لنتائج انتخابات 2009، عندما وقف إلى جانب أحمدي نجاد وفرض مع المرشد النتائج التي أخرجت مير حسين موسوي ومهدي كروبي من السباق الرئاسي ووضعتهم في الإقامة الجبرية، وهما شخصيتان كان لهما دور بارز ومحوري في تاريخ الثورة، لجهة أن موسوي كان رئيس الوزراء في عهد رئاسة السيد خامنئي لمدة ثماني سنوات خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وكروبي شغل العديد من المناصب ليس آخرها رئاسة البرلمان لأكثر من مرة.
سياسات مجلس صيانة الدستور تكررت مع أحمدي نجاد وتم رفض أهليته للانتخابات الرئاسية عام 2017، وهذه المرة نتيجة للتغيير الحاصل في خطابه وتصرفاته التي شكلت وتشكل تحدياً للنظام وقياداته، خصوصاً الجسارة التي يمارسها في تهديد بعضهم بكشف وفضح ملفات استطاع الاستيلاء عليها عندما تولى مسؤولية تصريف أعمال وزارة الأمن بعد إقالة وزيرها، ودخوله في مواجهة مع المرشد الذي أعاد الوزير إلى منصبه، ما دفع أحمدي نجاد للاعتكاف لمدة عشرة أيام.
أن يكتشف مجلس صيانة الدستور مع مرور الوقت أن قراراته وتقديراته في دراسة ملفات المرشحين وإحرازهم للأهلية الانتخابية، أنها غير دقيقة وأن يعمد إلى حجبها عن مرشحين سبق له أن وافق عليهم في انتخابات سابقة، يعني أن الآليات التي يعتمدها واعتمدها هي في دائرة التشكيك والتساؤل، وتؤكد أن هذه السياسات غير دقيقة وغير صحيحة، وتفترض إعادة النظر بها وتغييرها بشكل جذري. إلا أن التطورات الأخيرة كشفت أن هذا المجلس لا يزال يعتمد الآليات نفسها التي توصل إلى النتائج ذاتها التي يلجأ إلى تفاديها في الانتخابات التالية، لكنها تؤدي إلى النتائج نفسها وتدخل النظام في تحديات أصعب، لعل أبرزها هذه المرة المجيء برئيس يفتقر إلى التأييد الشعبي والواسع، وعاجز عن إقناع الناخب الإيراني بالمشاركة والحصول على أصوات عالية تقترب من حجم الأصوات التي حصل عليها مرشحون سابقون مثل خاتمي وروحاني، ما يحصل تدخل من الخارج أو أن تمتد يد الغيب إلى صناديق الاقتراع. بالتالي ترجيح المصالح الحزبية على المصالح الاستراتيجية للنظام، وقد برز ذلك في كلام المتحدث الرسمي باسم هذا المجلس عباس كدخدائي، الذي أكد أن حجم المشاركة الشعبية لا يؤثر في شرعية الانتخابات وليس شرعية النظام التي تصدر مصدر قلق للمرشد الأعلى.