فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في مناطق سيطرة القوات الحكومية في سوريا الأربعاء 26 مايو (أيار)، لانتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع النزاع المدمر قبل أكثر من عقد من الزمن، من شأنها أن تمنح رئيس النظام بشار الأسد ولاية رابعة لمدة سبع سنوات إضافية.
وأدلى رئيس النظام السوري بشار الأسد بصوته في مركز اقتراع في دوما، المعقل السابق للمعارضة المسلحة. وندّد الأسد، بعد إدلائه بصوته برفقة زوجته أسماء، بالانتقادات الغربية للانتخابات الرئاسية في بلده. وقال "قيمة آرائكم هي صفر".
في حين اعتبر وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا في بيان مشترك أمس الثلاثاء أن الانتخابات الرئاسية "لن تكون حرة ولا نزيهة". وحضوا المجتمع الدولي على أن "يرفض من دون لبس هذه المحاولة من نظام الأسد ليكتسب مجدداً الشرعية". وكانت دوما قد شهدت بعضاً من أعنف المعارك في الحرب الأهلية، لكنها عادت الآن تحت سيطرة النظام. ويخوض الأسد السباق أمام مرشحين اثنين مغمورين.
مسيرات لضمان الإقبال يوم الانتخابات
واصطف مئات الطلاب في كلية الآداب بجامعة دمشق للتصويت، وتوقفت حافلات عدة في الخارج. وقالت أمل وهي طالبة تمريض "جئنا لانتخاب الرئيس بشار الأسد... من دونه فلم تكن سوريا لتظل سوريا".
وهتف طلاب آخرون قبيل افتتاح مركز الاقتراع "بالروح بالدم نفديك يا بشار". وقال مسؤولون في تصريحات خاصة، إن السلطات نظمت خلال الأيام القليلة الماضية مسيرات كبيرة في أنحاء سوريا في محاولة لضمان إقبال كبير في يوم الانتخابات.
تعليمات بالتصويت
وأضافوا أن الأجهزة الأمنية ذات النفوذ القوي في البلاد، التي تدعم حكم الأسد الذي تهيمن عليه الأقلية العلوية، أصدرت أيضاً تعليمات لكبار المسؤولين بالتصويت.
وقال جعفر، وهو موظف حكومي في اللاذقية ذكر اسمه الأول فقط، "المسؤولون الأمنيون أبلغوا المديريات بالطلب من الموظفين عدم الغياب يوم الانتخابات تحت طائلة المسؤولية".
وتولى الأسد السلطة للمرة الأولى عام 2000 بعد وفاة والده حافظ، الذي حكم البلاد 30 عاماً قبل ذلك.
وهيمنت على حكم الأسد الحرب التي استمرت عقداً من الزمان، والتي اندلعت بعد احتجاجات سلمية على حكمه الاستبدادي في عام 2011. وأدى الصراع إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص ونزوح أحد عشر مليوناً من ديارهم، أي حوالى نصف سكان البلاد.
وفي مناطق في مدينة درعا الجنوبية، مهد الاحتجاجات المناهضة للأسد، دعت شخصيات محلية إلى إضراب عام احتجاجاً على الانتخابات.
وعلى جدران المباني في بلدات عدة في جنوب سوريا، انتشرت عبارة "كل الشعب رافض... حكم ابن حافظ".
مرشحان آخران يخوضان السباق الرئاسي
إلى جانب الأسد، يخوض مرشحان السباق الرئاسي، هما وزير الدولة السابق عبد الله سلوم عبد الله (2016-2020) وكان نائباً لمرتين والمحامي محمود مرعي، من معارضة الداخل المقبولة من النظام، وسبق أن شارك بين ممثليها في إحدى جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، التي اتسمت بالفشل.
وخلال مؤتمر صحافي سبق الانتخابات، قال وزير الداخلية محمد خالد رحمون، الثلاثاء، إن عدد من يحق له الانتخاب في كامل المناطق السورية وخارجها يتخطى 18 مليون شخص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بلد أنهك النزاع بناه التحتية واقتصاده، وأودى بحياة أكثر من 388 ألف نسمة، وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، شككت قوى غربية عدة بنزاهة الانتخابات حتى قبل حصولها، واعتبرها معارضو الأسد "شكلية".
وأعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، أن مراكز الاقتراع فتحت أبوابها عند الساعة 07.00 (04.00 ت غ) بينما عرض التلفزيون السوري لقطات لصفوف طويلة من الناخبين تتشكل أمامها في عدد من مناطق البلاد.
وسيستمر التصويت حتى الساعة 19.00 (16.00 ت غ) على أن تصدر النتائج خلال 48 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.
واتخذ الأسد (55 سنة) عبارة "الأمل بالعمل" شعاراً لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاهما في سدة الرئاسة.
انتخابات في مناطق النظام
وستجري الانتخابات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، المقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، ويقطن فيها حوالى أحد عشر مليون شخص. ويبلغ عدد المراكز الانتخابية، وفق الداخلية، أكثر من 12 ألفاً، ويحق للناخب أن يُدلي بصوته في أي مركز، على اعتبار أن "سوريا دائرة انتخابية واحدة".
وستغيب الانتخابات عن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، كما عن مناطق تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غربي البلاد.
وأعلن مجلس "سوريا الديمقراطية" الجناح السياسي لقوات "سوريا الديمقراطية" في مناطق سيطرة الأكراد، أنه "غير معني" بالانتخابات. ووصف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، المدعوم من تركيا ومقره إسطنبول، الانتخابات بـ"المسرحية".
والخميس المنصرم، شارك عشرات آلاف السوريين في عملية الاقتراع في سفارات بلادهم وقنصلياتها في اليوم المخصص للمقيمين خارج سوريا، ممن يحملون جوازات سفر سارية وتركوا البلاد بطريقة شرعية، وهو ما لا يسري على ملايين اللاجئين الذين فروا من البلاد.
لا لقاءات صحافية
ولم يجر الأسد أي مقابلة صحافية خلال الحملة الانتخابية، ولم يشارك في أي فعالية ولم يتوجه بأي خطاب إلى السوريين. لكنه أصدر في الآونة الأخيرة سلسلة قرارات وقوانين في محاولة لتحسين الوضع المعيشي والخدماتي، وأصدر عفواً رئاسياً شمل الآلاف من مرتكبي الجرائم المختلفة.
ويعمل الأسد ومن خلفه حلفاؤه، وفق محللين، على جذب "مانحين محتملين" لتمويل عملية إعادة الإعمار.
وفي 2014، حين كانت المعارك في أوجها، فاز الأسد بـ88 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفتها دول غربية ومعارضون بأنها "فاقدة للمصداقية"، وكانت تُعد نظرياً الانتخابات التعددية الأولى في سوريا منذ نصف قرن، تاريخ وصول حزب البعث إلى الحكم. ويرى دبلوماسي أوروبي متابع للشأن السوري، أن الأسد حالياً "يراهن على أن يكون الثابت الوحيد في بلد مدمر".