بأربعة صواريخ، سوت الطائرات الحربية الإسرائيلية مبنى "الجلاء" متعدد الطبقات، المعروف محلياً ببرج الصحافيين، بالأرض، في 15 مايو (أيار) الحالي، والذي يضم مكاتب وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، من دون أن يسمح ضابط الجيش لصاحبه بأخذ أية محتويات من داخله، الأمر الذي أثار موجة انتقادات عالمية مطالبة بتفسير السبب وراء تدمير المبنى.
"لا مبرر لتدميره، إنه مبنى مدني ويضم مؤسسات حقوقية وصحية وصحافية"، يقول مالك البرج جواد مهدي الذي تقدم بشكوى رسمية إلى الجنائية الدولية لمقاضاة الجيش الإسرائيلي في شأن "جريمة نسف برج الجلاء من دون أي مبرر مقنع".
دعم دولي للبدء في التحقيق
وبحسب مهدي، فإنه أوكل منظمة "إفدي" الدولية لحقوق الإنسان، ومقرها بروكسل، للبدء بإجراءات مقاضاة إسرائيل وتقديم جميع الملفات التي تؤكد أن البرج للمدنيين ولا يخفي بداخله أي أعمال عسكرية.
وتأتي هذه الشكوى بعدما قالت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة، إن التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة قد يرقى ليكون جرائم حرب ضد الإنسانية، وجاءت بعدما قالت رئيسة التحرير التنفيذية لوكالة "أسوشيتد برس" سالي بوزني، "إننا نرى من الملائم إجراء تحقيق مستقل للوقوف على حقيقة تدمير البرج. سمعنا المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن لديهم أدلة، لكن لم يقدموا أي مبرر لفعلهم".
وأعلن مهدي أنه أرفق لمحاميه الدوليين جميع مستندات المستأجرين في طبقات البرج، والأدلة القطعية على عدم وجود أي نشاط عسكري داخله، أو مقارّ لأي تنظيم سياسي.
مصالح عسكرية وأجهزة تشويش
لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي برر تدمير المبنى بأنه يحتوي على مصالح عسكرية تابعة لاستخبارات" حماس"، مؤكداً أن بداخله مكاتب إعلامية مدنية تتستر "حماس" من ورائها وتستخدمها دروعاً بشرية.
وبحسب أدرعي، فإن "حماس" تضع مصالحها العسكرية في قلب المجتمع المدني، مؤكداً أن إسرائيل وجهت تحذيراً مسبقاً للموجودين داخل البرج، ومنحتهم الوقت الكافي لإخلاء المبنى قبل تدميره.
وبشكل قطعي، ينفي مالك برج "الجلاء" جواد مهدي ذلك قائلاً إنه "لا يوجد لدي أي مستأجر يتبع لفصيل سياسي، وعلى الرغم من ذلك في حال كان الحديث الإسرائيلي دقيقاً، فالأحرى تدمير الشقق التابعة للتنظيمات، وليس البرج بأكمله وبجميع محتوياته التكنولوجية".
لا دليل
وفي ذات الوقت، قال المحامي الخاص بقضية برج "الجلاء" في الدعوى المرفوعة للجنائية الدولية جيل دوفير، إنهم درسوا ملف المبنى بعمق وتأكدوا من محتويات كل طبقة فيه، وطرق عمل سكانه، ولم يجدوا أي دليل على وجود معدات أو فريق مسلح، مما يجعل تدميره جريمة ترقى لجرائم الحرب وتقع ضمن اختصاص الجنائية الدولية التي من المتوقع أن تباشر تحقيقها في وقت قريب.
وفي تبرير آخر، قالت إسرائيل إن برج "الجلاء" وسط مدينة غزة كان يحتوي على أجهزة متطورة زرعت فوق سطحه، وتعمل على تشويش حركة الملاحة الخاصة بالطيران والبحرية، لذلك كان من المبرر تدميره.
ويرد على ذلك مهدي بأن سطح المبنى كان يضم أجهزة بث مباشر وتقنيات إعلامية خاصة بـ "أسوشيتد برس" وقنوات إعلامية عربية، وبابه مغلق بقفل حديدي منذ 10 سنوات تقريباً، ولا يدخله إلا متخصصين محددين لإصلاح الأعطال وتحديث برامج الأجهزة، وذلك بناء على طلب المؤسسات الصحافية المالكة للمعدات.
شكوى في محاكم إسرائيل
ولم يقتصر القائمون على البرج في تقديم شكوى لدى الجنائية الدولية، بل يؤكد مهدي التواصل مع محامين إسرائيليين لرفع دعاوى قضائية ضد الجيش في المحاكم الموجودة هناك، وقدم لهم جميع الأدلة القطعية على عدم وجود أجهزة تشويش أو مقارّ تتبع للفصائل الفلسطينية.
وإلى جانب مبنى "الجلاء"، دمرت إسرائيل نحو 156 برجاً ومبنى متعدد الطبقات خلال فترة التصعيد العسكري في قطاع غزة، الذي بدأ في 10 مايو الحالي، ونحو نصف المباني كانت تنسفها من دون سابق إنذار لإخلاء المكان ومحيطه من السكان.
وبدأ "تكتيك الأبراج" قبل نهاية الأسبوع الأول من التصعيد العسكري الذي نشب بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، واعتمد الأخير خلال فترة القتال على استهداف المباني متعددة الطبقات، بادعاء أنها تضم مقارّ ومكاتب لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وفقاً لحديث المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أقدم مبنى في غزة
ونظراً لأن برج "الجلاء" يعتبر أقدم مبنى في قطاع غزة متعدد الطبقات، ويحتوي على مقار ومكاتب لخمس وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، منعت جميعاً من إخراج معداتها الصحافية قبل تدمير البرج، فإن ذلك أثار موجة غضب عالمية، بدأت من أميركا التي استفسر رئيسها جو بايدن من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سبب تدمير المبنى.
وعن تفاصيل البرج، يقول مهدي إن عمره يزيد على 25 سنة، وبكلفة بناء تزيد على 5 ملايين دولار أميركي، كان مؤلفاً من 14 طبقة وبمدخلين، الأول مخصص للمكاتب وفيه نحو 40 مقراً لأطباء ومحامين، ووكالات متخصصة بالتأمين الزراعي، وعدد من المؤسسات الإعلامية، والثاني للسكان وفيه حوالى 50 شقة يسكنها مواطنون من غزة.
وكان البرج يضم مقراً لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، والتي تعد من الأماكن المحصنة هي وبقية المؤسسات الصحافية الدولية الأخرى، والتي يمنع استهدافها وفقاً للاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي، وبحسب المواثيق والأعراف الدولية.
ويضيف مهدي، "بعد تبليغي من الجيش الإسرائيلي، صعدت لوكالة الأخبار الأميركية لأبلغهم بالإخلاء، وحينها تهكموا بي، وقاموا بالاتصال بإدارتهم التي أكدت لهم أن هذا مجرد كلام، إلا أن الطائرات المقاتلة فعلتها ونسفت البرج".
من جهة أخرى، يقول نقيب الصحافيين الفلسطيني ناصر أبوبكر، إن إسرائيل قتلت صحافياً واحداً على الأقل، وأصابت 170 آخرين بجروح مختلفة، ودمرت 33 مقراً للمؤسسات إعلامية، مشيراً إلى أن جميع الانتهاكات بحق الصحافيين تعد مخالفة للقوانين الدولية التي تضمن لهم الحماية وتمنع استهدافهم في العمليات العسكرية.