فتاة روسية من أصول طاجيكية أحدثت ضجة في روسيا ولا تزال. فمنذ أن فازت بحق تمثيل روسيا في مسابقة الغناء الأوروبية الدورية "يوروفيجن 2021" في دورتها الخامسة والستين في مدينة روتردام الهولندية، والحديث لا ينقطع حول أصولها وما اختارته لتقديمه في هذه المسابقة الدولية من أغنية تدعو إلى تحرير المرأة وتؤيد المثلية الجنسية، وهي التي نشأت في مجتمع شديد المحافظة... في طاجيكستان المتاخمة للحدود مع أفغانستان.
مانيجا سانغين الفتاة الطاجيكية التي نزحت مع أسرتها إلى روسيا ولم تكن تجاوزت الثالثة من العمر، أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل منذ فوزها بحق تمثيل روسيا المترامية الأطراف المتعددة القوميات في "يوروفيجن2021". مانيغا، وتعني "الرقيقة" اضطرت إلى النزوح مع عائلتها عن العاصمة الطاجيكية دوشنبه في تسعينيات القرن الماضي سعياً وراء حياة أكثر أمناً واستقراراً لتستقر في العاصمة موسكو حيث نجحت في الحصول على تعليم موسيقي راقٍ، والانطلاق نحو عالم أكثر رحابة، حققت فيه الكثير من الشهرة والإنجازات. تذكر مانيغا أنها التي كتبت أغنيتها وخاضت بها ومعها مسابقة "يوروفيجن"، متأثرة بجدتها التي كانت أول من تخلت عن النقاب في بلادها، واعتبرت التعليم هو الأهم في حياة المرأة. وفي برنامج "أمسية مع أورغانت"، وهو برنامج موسيقي استعراضي يقدمه إيفان أورغانت ذو الأصول اليهودية، كشفت مانيغا عن أنها وجدت في تل أبيب، التوزيع الموسيقي لما كتبته من كلمات أغنيتها "المرأة الروسية" التي قدمتها في المسابقة الدولية الأخيرة، ما قد يكون وراء الكثير من التساؤلات حول أسباب اختيارها من دون غيرها لتمثيل روسيا في "يوروفيجن 2-21"!
سفيرة النيات الحسنة
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في وقت سابق مانيجا كأول سفيرة في روسيا للنيات الحسنة لشؤون اللاجئين، وهي التي سبق وتعاونت لسنوات طوال مع الأمم المتحدة في هذا المجال، اعتماداً على ما تراكم لديها من خبرات منذ فرار عائلتها في عام 1994، من نير الدمار والخراب الذي اجتاح طاجيكستان في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وعلى الرغم من كل ذلك، فما إن أعلنت القناة الأولى للتلفزيون الروسي عن اسم "مانيجا" المهاجرة الطاجيكية غير الروسية والقادمة من إحدى جمهوريات آسيا الوسطى لتمثيل روسيا، حتى تعالت الهمهمات، وتناثرت التعليقات بداية على استحياء، سرعان ما تراجع أمام سطوة الصراحة المؤلمة المغموسة في بعض جوانبها في مداد "عنصري"، وإن حاول البعض إخفاء ذلك. ولم تنته المفاجآت عند هذا الحد. فما إن كشفت مانيجا عن مفردات أغنيتها التي قدمتها مع فريقها الغنائي في هذه المسابقة حتى انفجر الجدل الذي لم يتوقف حتى بعد بدء فعاليات المسابقة الدولية، حول كلمات هذه الأغنية. بل وبلغ الأمر حد إبلاغ النيابة العامة التي بدأت تحقيقاتها ومراجعاتها بحثاً عما تتضمنه الأغنية من كلمات تحض على الكراهية والتطرف وما وصفه البعض بـ"إهانة جسيمة للكرامة الإنسانية للمرأة الروسية على أساس موقفها من الانتماء القومي".
وتتواصل الحملات المضادة لمانيجا وأغنيتها لتصل إلى البرلمان بغرفتيه "الدوما والاتحاد"، واعتبر عدد من أعضائهما الأغنية التي تقدمت بها مانيجا إلى المسابقة الأوروبية، أقرب إلى "النفايات" على حد وصف السناتور ألكسي بوشكوف، وهو ما سجله على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي معرض حديثه على "القناة الثالثة" لتلفزيون العاصمة حذر بوشكوف من نشر أغنية "المرأة الروسية" على نطاق واسع، بوصفها شكلاً من اشكال "الثقافة الجماهيرية"، وقال إن البعض (يقصد بهم ممثلي الدوائر الغربية)، سوف يحاول الترويج لها بما يجعلها مع الوقت من عاديات الأمور في المجتمع الروسي. بل وتدخلت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو لتطالب إدارة القناة الأولى بالتلفزيون الروسي بالتحقيق في كيفية إقرار مثل هذه الأغنية، ومعرفة من الذي وقف وراء اعتمادها لتمثيل روسيا في المسابقة الأوروبية. حتى الكنيسة الروسية، هاجمت هذه الأغنية وانتقدتها في بيان قالت فيه "إنها لا تستحق الترويج لها على المستوى الدولي"، بحسب ما نقلته عنها وكالة "نوفوستي".
رواج على يوتيوب
وعلى النقيض من كل التوقعات الرسمية، لم تسفر كل الضغوط والحملات المعادية لهذه الأغنية التي تتحدث عن "المرأة الروسية، سوى عن الكثير من الانتشار والنجاح، محققة نسبة مشاهدة عالية على "اليوتيوب". وعلى رغم ما تعانيه من ضغوط الحياة والمعيشة، تظل المرأة صامدة في وجه كل التحديات التي تدعوها الأغنية إلى مقاومتها لأنها تستحق الأفضل.
وفي معرض في حديثها الى صحيفة الغارديان البريطانية ردت مانيجا على ما تناثر من انتقادات على الصعيدين الرسمي والشعبي بقولها، إنها أصيبت بالصدمة من جراء تداول مثل هذه الانتقادات، وما نالها منها بسبب أصولها القومية ومضمون أغنيتها، وإن اعترفت بأن مشجعيها ساعدوها على تجاوز أحزانها. وأوضحت أنها كانت تريد بما تضمنته الأغنية صوراً نمطية في حياة المرأة الروسية، قدمتها في قالب فكاهي ساخر، نقل العديد من الرسائل التي لم تكن في حاجة إلى شرح أو تعليق. ولم تخف مانيجا ما أصابها من ضيق وغضب بسبب هذه الهجمات التي استهدفتها، لكنها قالت إن عدد أنصارها يظلون أكثر بكثير من عدد خصومها، وأنها تشعر بنفسها "امرأة روسية" على رغم كل الانتقادات التي واجهتها خلال الأزمة الأخيرة بسبب أصولها القومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت مانيجا قدمت أغنيتها التي استعرضت فيها التحولات التي طرأت على وعي المرأة على مدى القرون الماضية في روسيا، وما مرت بها من مراحل العمل في مجالات الزراعة والصناعة، حتى حصولها على حق بالتصويت والمشاركة في غزو الفضاء، وبما كان أقرب إلى الدعوة إلى تحرير المرأة من خلال أسلوب متميز تمزج فيه بين موسيقى الراب والهيب هوب، على وقع موسيقى تباينت وتائرها في إخراج مسرحي غنائي متميز، وهو ما أسهم في فوزها بالمركز التاسع من مجموع 39 متسابقاً ومتسابقة.
ومن اللافت في هذا الصدد أنه وعلى الرغم من الانتقادات التي لم تتوقف منذ بداية المسابقة، وحتى بعد نهايتها، فقد حظيت الأغنية وصاحبتها مانيجا بتقدير متميز، وفازت بالمركز التاسع بين مجموعة المنافسين البالغ عددهم 39 متسابقاً ومتسابقة وفرقة موسيقية. وفيما فازت بالمركز الأول فرقة "مانسكين" الإيطالية المشاركة في المسابقة عن أغنيتها التي حملت عنوان "زيتي إي بيوني"، بفضل Hard Rock وما تضمنه من نبرات احتجاجية، كان هناك عدد من المشاركين خارج دائرة التقدير، ومنهم من بريطانيا وإسبانيا وألمانيا التي لم تحصل على أية مراكز أو نقاط، بحيث اكتفت البلدان الثلاثة المشاركة بالرقم "صفر" الذي قرره أعضاء لجنة التحكيم، والتصويت العام الذي جرى عبر استطلاع رأي، جرى نشر نتائجه كاملة على الهواء مباشرة.