على وقع التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وجدت الحكومة الأردنية نفسها أسيرة ضغوط شعبية وبرلمانية مكثفة تطالب بإعادة العلاقة مع حركة "حماس" واستغلال هذه العلاقة كورقة ضغط سياسية في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية.
وباستثناء مبادرات قليلة لم تر النور، ترفض الحكومة الأردنية الانفتاح الكامل على الحركة لاعتبارات سياسية وإقليمية عديدة، بعد أكثر من 20 عاماً على إغلاق مكاتب الحركة في عمّان وطرد قادتها.
وتصر عمان حتى اللحظة على اعتبار السلطة الفلسطينية الشريكة السياسية الأساسية في الأراضي الفلسطينية، على الرغم من نصائح استراتيجية عديدة وجهها سياسيون وبرلمانيون وإعلاميون ورجالات دولة، بضرورة تنويع خيارات البلاد السياسية، وسط اتهامات للدولة بالتفريط بورقة "حماس" لصالح دول إقليمية أخرى.
مصلحة أردنية
وتصدر نائبان في البرلمان الأردني، مقربان من جماعة الإخوان المسلمين الطلب بإعادة العلاقة الأردنية بحركة "حماس"، ودعيا إلى أن تكون هناك انعطافة بالانفتاح الرسمي على الحركة، والتحرر من قيود التحالفات الإقليمية، والتوجه نحو المصالح الحيوية.
لكن مراقبين يستبعدون إقدام عمان على هذه الخطوة التي ستكون مقلقة لحليفتها الولايات المتحدة، على الرغم من تسريبات لم تعلق عليها الحكومة الأردنية، وتتحدث عن اتصال أجراه مدير المخابرات الأردنية بزعيم "حماس" إسماعيل هنية خلال الأيام الماضية، وفسره البعض برغبة أردنية لدور في غزة عبر بوابة إعادة الإعمار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المطلب ذاته تردد صداه في التظاهرات الشعبية والعشائرية التي جابت كل المدن الأردنية تقريباً على مدى 10 أيام، للتضامن مع الفلسطينيين، على اعتبار أن التقارب مع "حماس" بات مصلحة أردنية خالصة، في حين أن هناك آراء متوجسة من هذا الطرح، وترى في "حماس" امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود، والتي لديها مشروع طامح للانقضاض على الأنظمة العربية بما فيها النظام الأردني.
وتبدو "حماس" اليوم أكثر رغبة من الأردن بعودة العلاقات، بعد ما أرسل قادتها رسائل إيجابية عدة حول الدور الأردني، في حين تبدو عمان أقل حماساً وأكثر رغبة بالتماهي مع السياسة الأميركية في المنطقة.
العلاقة مع طهران تعرقل التقارب
وفي مطلع عام 2020، كان المزاج الأردني تجاه "حماس" وقيادتها لا يزال غير مقتنع بإعادة العلاقة مع الحركة بسبب قربها من طهران، إذ رفضت عمان طلباً تقدم به رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لزيارة المملكة، بعيد زيارته المثيرة للجدل إلى طهران، ومشاركته في تشييع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وأبدى الأردن انزعاجه آنذاك من خطوة هنية، ومن عموم الموقف الذي أبدته حركة "حماس" تجاه مقتل سليماني، بخاصة أن الأخير متهم أردنياً بالضلوع في مخططات إرهابية عدة على أراضي المملكة، وهو ما لمح إليه الملك عبد الله الثاني في المقابلة المتلفزة التي أجراها مع قناة "فرانس 24"، وقال فيها إن التهديدات الإيرانية للأردن تصاعدت عام 2019 على نحو غير مسبوق.
ويخشى الأردن من التسلل الإيراني لأراضيه، بخاصة وأن ميليشيات إيران موجودة على الحدود الشرقية للمملكة، من خلال نفوذها في العراق، وكذلك على الحدود الشمالية الأردنية من خلال وجودها في سوريا.
قطيعة لها أسبابها
وكان السبب الأبرز لاحتضان الأردن حركة "حماس" في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، الرد على قرار السلطة الفلسطينية ممثلة في ياسر عرفات الذي حاول التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بشكل منفرد، بعيداً عن عمان، إلى جانب الرغبة الأردنية بإبعاد الحركة عن إيران والمحور السوري، وإدماجها في العملية السياسية والتفاوضية مع إسرائيل لقبولها دولياً كطرف فلسطيني معتدل.
وفي عام 1999، ومع العهد الجديد الذي مثله الملك عبد الله الثاني، اتخذت عمان قراراً مفاجئاً بإنهاء وجود الحركة في الأردن وإبعاد خمسة من قادتها إلى قطر لتبدأ بعدها قطيعة طويلة بين الطرفين وسط اتهامات أردنية أمنية للحركة، لكن في العام 2012، ومع صعود نجم الإسلام السياسي على وقع "الربيع العربي" في المنطقة، وجد الأردن نفسه مرغماً للتقارب قليلاً مع حركة "حماس" بدفع من تولي الإخوان المسلمين الحكم في مصر، وتجسد ذلك بلقاء يتيم جمع العاهل الأردني برئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في عمان، تبع ذلك فتور وحوادث أمنية أعادت العلاقة إلى المربع الأول، بعد الكشف عما سمي "خلية حماس" التي ضمت 16 متهماً بمحاولة تصنيع متفجرات وتهريبها للأراضي الفلسطينية.
وترتبط القطيعة بين الأردن و"حماس" بملف جماعة الإخوان المسلمين، إذ تخشى عمان من أن تؤدي إعادة العلاقة مع الحركة إلى عودة الجماعة إلى الواجهة مجدداً بعد تحجيمها وتفكيكها وحظرها عبر قرار قضائي قطعي في 2019.