أنشأ عدد من الباحثين الخريطة الأكبر على الإطلاق لـ"المادة المظلمة" dark matter- وربما توحي بأن نظرية النسبية theory of relativity التي وضعها عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين كانت خطأ.
و"المادة المظلمة" مادة غير مرئية (البشر وأدواتهم التقنية يعجزان عن رصدها على عكس المادة العادية)، ويعتقد أنها تمثل 80 في المئة من مجموع مادة الكون.
نظراً إلى أن وجود المادة يؤدي إلى تقوس (أو انحناء) نسيج المكان والزمان أو ما يسمى "الزمكان" حولها، يستطيع علماء الفلك أن يرسموا خريطة لوجودها عبر النظر إلى الضوء الآتي إلى الأرض من المجرات البعيدة.
يشير انحراف الضوء إلى وجود مادة أمامه، تتسبب بانحنائه فيما يتجه نحونا.
استخدم فريق بقيادة باحثين من "كلية لندن الجامعية" University College of London (UCL)، كجزء من "مسح الطاقة المظلمة" Dark Energy Survey (DES) الدولي، ذكاء اصطناعياً بغية تحليل صور لمئة مليون مجرة، وتفحص شكلها، وبقع الضوء المكونة من 10 بكسلات أو نحو ذلك، لمعرفة ما إذا كانت قد تمددت.
الخريطة الجديدة، التي تعرض جميع المواد المكتشفة أمام المجرات المرصودة، تغطي ربع السماء في نصف الكرة الجنوبي.
يشير تحليل جديد أجراه العلماء للسنوات الثلاث الأولى من "مسح الطاقة المظلمة" إلى أن المادة موزعة في مختلف أنحاء الكون بطريقة تتوافق مع التوقعات في "النموذج الكوزمولوجي المعياري"، علماً أنه أفضل نموذج حالي متوفر للكون.
لكن الباحثين وجدوا أيضاً إشارات، شأن عمليات مسح سابقة، إلى أن الكون ربما يكون أملس بنسبة أكثر قليلاً في المئة مما كان متوقعاً.
توصل العلماء إلى هذا التوقع بعد تحليل الضوء المتبقي مما يعرف بـ"الانفجار العظيم" Big Bang.
ونقلت "بي بي سي" (هيئة الإذاعة البريطانية) عن الباحث المشارك في الدراسة، الدكتور نيال جيفري، من قسم "الفيزياء وعلم الفلك" في "كلية لندن الجامعية" قوله: "إذا كان هذا التباين صحيحاً، فربما كان أينشتاين مخطئاً."
"ربما تعتقد أن ذلك أمر سيئ، وربما تكون النظرية الفيزيائية قد نقضت، ولكن بالنسبة إلى عالم الفيزياء، نحن إزاء اكتشاف مثير جداً للاهتمام،" وفق ما قال الدكتور جيفري.
"معظم المادة في الكون من نوع المادة المظلمة. ومن المدهش حقاً أن نلقي نظرة على تلك التكوينات الشاسعة المخفية عبر جزء كبير من سماء الليل."
"كشفت تلك التكوينات باستخدام الأشكال المنحرفة لمئات الملايين من المجرات البعيدة مع صور التقطت بواسطة "كاميرا الطاقة المظلمة"Dark Energy Camera في تشيلي،" بحسبما أوضح جيفري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"في خريطتنا، التي تظهر المادة المظلمة بالدرجة الأولى، نرى نسقاً مماثلاً لما نشهده مع المادة المرئية فقط، عبارة عن بنية تشبه الشبكة مع كتل كثيفة من المادة تفصل بينها فجوات فارغة كبيرة."
"رصد تلك التكوينات ذات الحجم الكوني يساعدنا في الإجابة عن أسئلة أساسية عن الكون."
طوال عقود من الزمن، اشتبه علماء الفلك في وجود مواد في الكون أكثر مما في استطاعتنا رصده.
في الواقع، تبقى المادة المظلمة، على غرار الطاقة المظلمة، مكوناً غامضاً، إنما يستدل على وجودها عبر مجرات تتصرف بطرائق غير متوقعة (بمعنى أنها تطرح تأثيرات على مواد نستطيع رؤيتها).
على سبيل المثل، حقيقة أن المجرات تبقى مجتمعة مع بعضها بعضاً، وأنها في حالة انتمائها إلى حزم تسمى العناقيد نجد أنها تتحرك أسرع من المتوقع.
و"تتشكل المجرات المرئية في أكثر مناطق المادة المظلمة كثافة"، بحسبما قال الباحث المشارك في الدراسة البروفيسور أوفر لاهاف، من قسم "الفيزياء وعلم الفلك" في "كلية لندن الجامعية"، ورئيس كونسورتيوم "مسح الطاقة المظلمة" في المملكة المتحدة.
وأضاف شارحاً: "عندما ننظر إلى سماء الليل، نرى ضوء المجرة ولكن ليس المادة المظلمة المحيطة بها، مثل النظر إلى أضواء المدينة في الليل."
"عبر احتساب مدى الانحناءات التي تحدثها الجاذبية في الضوء، وهي تقنية تعرف باسم "عدسة الجاذبية"Gravitational lens في علم الفلك الفيزيائي، نحصل على الصورة كاملة، أي المادة المرئية ونظيرتها غير المرئية كلتاهما،" ذكر البروفيسور لاهاف.
ويرى البروفيسور أن الخريطة "تجعلنا أكثر قرباً إلى فهم مكونات الكون وكيفية تطوره".
"وتظهر، كذلك، قوة أساليب الذكاء الاصطناعي في تحليل واحدة من أكبر مجموعات البيانات في علم الفلك."
تناولت ورقة بحثية جديدة خريطة المادة المظلمة بالتفصيل، وهي متوفرة على الموقع الإلكتروني الخاص بـ"مسح الطاقة المظلمة"، وسوف تنشر في النشرات الشهرية لـ"الجمعية الملكية الفلكية" Royal Astronomical Society.
يبقى أن اتحاد "مسح الطاقة المظلمة" الدولي يضم أكثر من 400 عالم من 25 مؤسسة موزعة في سبعة بلدان.
شاركت وكالة "برس أسوسييشن" في إعداد التقرير
© The Independent