تدور أحداث رواية شيري جونز الأولى "كيف تكنس الأخت منزلها بذراع واحدة؟" (How The One-Armed Sister Sweeps Her House) في بلدة باراديس، بمنتجع كاريبي معروف أيضاً باسم شاطئ باكستر.
تبدأ القصة في الماضي القريب، وتحديداً في عام 1984، متخذة عنوانها الرئيس من حكاية تحذيرية داخل الرواية، تسردها الجدة ويلما لحفيدتها المراهقة اليتيمة "لالا" التي تبلغ من العمر 13 عاماً، عن ثلاث أخوات تحذرهن الأم من الاقتراب من أنفاق البلدة المسكونة بالأشباح؛ حيث يحدث كثير من الأفعال غير المقبولة، لكن واحدة منهن تتجاهل تحذيراتها وتتسلل ليلاً لزيارة النفق المحظور، وأثناء صراعها للهروب من الخطر المحدق بها، تفقد ذراعها إلى الأبد.
بانوراما الأخطاء القاتلة
هل تصلح الحكايات التحذيرية لتجنيب من نحبهم من الوقوع في الأخطاء الفادحة التي مررنا بها أو مر بها آخرون؟ لو أمكن هذا لضمنا لأبنائنا حظاً أفضل، على الأقل بوقف دائرة الندم عن احتوائنا جيلاً بعد جيل، وكأننا إزاء عود أبدي؛ وجوه مختلفة وأخطاء متشابهة. وعلى الرغم من أن البعض يستطيع أن يتعلم درسه من الحكايات فحسب، فإن هناك دائماً من يستهويه أن يجرب بنفسه. لذلك، لا تنتبه "لالا" الصغيرة للمضمون الحقيقي لحكاية الجدة التي تتولى تربيتها بعد وفاة والديها، وتعاني جموح حفيدتها وتخشى تبعاته. فما يهم الفتاة بالفعل من حكاية ويلما، هو أن ما زال بإمكان الأخت حتى بذراع واحدة، أن يكون لها زوج وبيت وأطفال؛ الأشياء نفسها التي تحلم "لالا" بالحصول عليها.
تغزل الرواية المكثفة خيوطها من ثلاث زيجات في جزيرة باراديس، حيث يكمن الفقر والعنف وكراهية النساء وراء الشواطئ الرملية البيضاء، حيث السياح الأثرياء، وحيث تأخذ الحكاية الشعبية التحذيرية معاني متعددة تتجاوز النساء الثلاث لتنتهي بصدمة أجيال.
على عكس معظم الحكايات، لا توجد هنا شخصيات ثانوية؛ كل شخصية منسوجة بعناية وحرفية، وتقوم بدور حيوي في الأحداث المتشابكة، وهو ما يحدث تأثيراً بانورامياً مروعاً. وفي هذه البانوراما تبلغ "لالا" الثامنة عشرة، وتعمل في تصفيف شعر السياح على هيئة جدائل لكسب المال، وتسكن في كوخ متهدم على الشاطئ مع زوجها دان، المجرم ذي الكاريزما التي لا نهاية لها. وبسبب غضبه من حرية تفكير زوجته الذي طالما أغضب منها الجدة الصارمة ويلما، يلجأ دان إلى السرقة وتجارة المخدرات والاعتداء الجسدي.
كارثة تقوض العلاقات الهشة
ذات ليلة، وهي وحدها في الكوخ، تشعر بآلام المخاض فينتابها الذعر. تركض "لالا" إلى أقرب منزل، وهو عبارة عن فيلا، تضغط بإصرار على الجرس للبحث عمن يساعدها، فتسمع دوياً عالياً وصراخاً رهيباً، ولدهشتها، يظهر زوجها دان أمام الباب ويشرع في الهروب مع آخرين بأسرع ما يمكن.
يولد الطفل، وفي اليوم التالي، يختفي دان، بينما تشتعل الجزيرة بأنباء مقتل سائح أبيض من الأثرياء، وتبدأ المشاكل في التفاقم. دان لن يستطيع تحمل عواقب أفعاله بعد إحباط مخططه في سرقة فيلا السائح الثري، وتشعر "لالا" التي تعرضت للضرب المبرح في عدة مشاهد، بأنها محاصرة بالزواج من الرجل الخطأ، ثم يأتي موت طفلها في أسوأ الظروف، فتتأرجح بين قبول مصيرها وتحمل اللوم على محنتها بكاملها، وبين التخطيط للانتقام والهرب.
تصبح الفوضى عارمة حين تصطدم حياة "لالا" المقلقلة بالفعل، بمقتل السائح الإنجليزي "بيتر والين"، وهنا يتغير السرد ليصبح من منظور ميرا، المرأة التي سمعت "لالا" صراخها من داخل الفيلا، وإحدى ساكنات الجزيرة التي تمكنت من تتويج حياتها بالزواج من سائح ثري، حتى لو كانت مجرد زوجة ثانية.
تمثل ميرا التي تحرص جونز على مناداتها بـ"ميرا والين"، أو "السيدة والين"، معادلاً موازياً لـشخصية "لالا"، فهما امرأتان من خلفيات متشابهة قادتهما مصائرهما في اتجاهات مختلفة، لكن المصائر صادمة. فمثل عالم "لالا" الهش، تنقلب حياة ميرا المطمئنة رأساً على عقب، وتجد نفسها في طرفة عين، خسرت كل ما تمكنت من اكتسابه بمعجزة؛ الزوج الأجنبي، المنزل الفاره، الحياة المنعمة.
برعت جونز - على نحو منقطع النظير - في تصوير نفسية النساء المعنفات، ما يجعل القارئ لا يتردد لحظة في تخيل أن الكاتبة تعرضت لهذا النوع من العنف أو خبرته من مسافة قريبة، وأنها استثمرت حكايتها الخاصة في قصة تستكشف القوة والعبودية والحرية وحدود الحب الرومانسي والعائلي؛ والإرث بين الأجيال. وذلك في سياق مجتمع كاريبي صغير، يحمل الكثير من الأدران المستفحلة؛ سفاح القربى؛ والضرب الوحشي؛ ووأد الأطفال، والجريمة.
هناك أيضاً الشرطي بيكلز، الذي يصاب غروره في مقتل حين يتم استدعاء المحقق سكوتلاند يارد لمتابعة الجريمة بدلاً منه. ويمثل إحدى صور الرجولة المسمومة الهشة المؤهلة لأن تفضل القتل والموت على تحمل الإهانة. وهناك شيبا كوين، العاهرة التي يظنها بيكلز المتزوج، من ذلك النوع من النساء، ما إن يؤسس لها منزلاً يضمن لها الراحة، فلن تكون مضطرة بعد ذلك للتسكع على طول شاطئ باكستر مرة أخرى، وإعطاء جسدها لأي شخص غيره.
أنفاق باكستر والنظام الأبوي
يبدو أن المشكلة في باراديس هي أن الرجال لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم، وأن الخيانة الزوجية أمر مفروغ منه، والجنس متداول، والعنف المنزلي في أوجه ازدهاره، إلا لأن الجاني الرئيس في حكاية الأخت التي تضطر لكنس منزلها بذراع واحدة، هو النظام الأبوي نفسه، بنظرته الذكورية الضيقة التي تشبه الأنفاق الموحشة أسفل باكستر، حيث يترعرع الشر وتختمر الضغينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في رسالتها التحذيرية، لا يفوت جونز أن توجه دعوة للجميع لفحص الوحش الرهيب الكامن داخلنا، وذلك من خلال قدرتها الرائعة على إظهار البشر المعيبين بأجسامهم السليمة تماماً. كيف تبدو العدالة عندما تقوم ضحية لم تعرف الجريمة من قبل بالفتك بضحية أخرى؟ كيف تبدو الحرية عندما يكون عالمك كله سجناً؟ أو، كما تتساءل "لالا": "من تكون المرأة التي تترك رجلاً لشيء من المحتمل أن تعاني منه لتعاني منه على يد شخص آخر؟".
الحبكة والنسج المعقد للأصوات: "لالا"، ميرا، وتون المنحرف (صديق دان)، وغيرهم من سكان الجزيرة، من أصعب الأمور في بناء الرواية، لكن جونز استطاعت تشييد قصتها بمهارة، مع الحرص على المناوبة بين الشخصيات في وجهات النظر، فضلاً عن تقسيم الأحداث الآنية على ضوء القصة التي تدور في الخلفية، محققة نوعاً من التوتر المتصاعد دون أي انحراف يذكر. كما وازنت العنف في الرواية باستخدام سرد مثير للحزن والأسى والقلق، عملت على تضفيره على مدى أجيال بالجدائل المفرطة نفسها، التي تصفف بها "لالا" شعر زبائنها البيض. هؤلاء السياح الذين تعد باراديس بالنسبة لهم فردوساً يسمح لهم بالهروب من الواقع، وبالنسبة لـ"لالا" والسكان المحليين هي الجحيم الذي يتوقون للهروب منه، حيث تحجب الأسرار الحقيقة بأكملها، ولا يسرق الظلام في أنفاقها الموحشة الأذرع فحسب، بل الأرواح بكاملها.