على غير العادة، تعرف الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 يونيو (حزيران) الحالي في الجزائر تهافتاً منقطع النظير للصحافيين على المقاعد النيابية. وبين مرحب ومنتقد، تتواصل الحملة الدعائية وسط نشاط لافت لهؤلاء المرشحين "الاستثنائيين".
100 إعلامي مرشح؟
وفي حين رفضت السلطة المستقلة للانتخابات تقديم أرقام حول العدد الإجمالي للصحافيين الذين دخلوا السباق نحو البرلمان ضمن 1483 قائمة، منها 646 تمثل 28 حزباً سياسياً، و837 أخرى مستقلة. إلا أن الإعلامي مهدي براشد، قدّرها بنحو 100 مرشح بين صحافي ومراسل، وأضاف معلّقاً على المشهد، أن دخول الإعلاميين والصحافيين سباق الانتخابات تجربة ليست جديدة، وإن لم تكُن بهذا التهافت، فقد سبق أن دخل إعلاميون وصحافيون المؤسسة التشريعية، لكن الأيام أثبتت أن دخولهم البرلمان لم يأتِ بطائل، بسبب طبيعة المؤسسة التشريعية لدينا التي كانت دائماً غرفة تسجيل لمشاريع قوانين السلطة وتمريرها، وأيضاً لانعدام تجربة النضال السياسي لدى هؤلاء الصحافيين.
جملة من الأسباب
ويرجع براشد، التهافت الكبير للإعلاميين هذه المرة إلى جملة من الأسباب، أولها أن الحقل الإعلامي لم يعُد يكفل للصحافي حياة كريمة، إضافة إلى عدم اقتناع الصحافيين بأنهم بالفعل يمارسون مهنتهم كما تمليها أخلاقيات المهنة، ناهيك عن الوضع الاجتماعي المزري وغير المستقر الذي يعيشه أهل المهنة، وهو واقع يدفع هؤلاء إلى تجربة حظهم للرقي الاجتماعي. ويوضح أنه من الناحية النفسية، لم يجِد هؤلاء حرجاً في محاولة دخول مؤسسة تشريعية يعرفون طبيعتها المترهلة وولاءها الدائم للسلطة، ما دام الوضع ذاته يعيشونه في مؤسسات إعلامية لها السمعة السيئة نفسها لدى الرأي العام، بدليل سيل الشتائم الذي تلقّاه قطاع الصحافة في بداية الحراك الشعبي وخلاله ولغاية الآن.
ويواصل أن هناك مسألة أخرى لا يجب أن نهملها وهي أن الإعلامي عندنا، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، حاول الاستفادة من بعض الأحزاب، إذ ليس له من مجال آخر يمكنه العمل فيه سوى المجال السياسي، تحديداً البرلمان، بدليل أن غالبية الذين ترشحوا لهذه الانتخابات لم يكن لديهم انتماء حزبي سابق أو نشاط سياسي قبلها. ويقول إن هناك صحافيين ترشحوا تحت أسماء أحزاب سياسية، كانوا يصفونها إلى وقت قريب في مقالاتهم بالأحزاب المجهرية وينتقدونها وقياداتها أشد انتقاداً، مضيفاً أن النظام الانتخابي السابق كان مبنيّاً على القائمة المغلقة التي تعتمد رأس القائمة ثم الترتيب، وهذا النظام كان يصعّب على الناس الترشح في مراتب يشتريها أصحابها بالمال، بينما يمنح القانون الجديد أملاً في الفوز. ويوضح أن هناك أيضاً تراجع سمعة الأحزاب السياسية بصفة عامة، هذه الأحزاب التي كانت في السابق تبيع مراتب قوائم الترشح، أصبحت اليوم تبحث عن وجوه جديدة، إضافة إلى تشجيع السلطة للقوائم الحرة المشكّلة. ويختم أن تهافت الإعلاميين والصحافيين على الترشح إنما هو رغبة هؤلاء بتحسين وضعهم الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنافس على407 مقاعد
ويتنافس 28 حزباً سياسياً في 58 محافظة، على 407 مقاعد في الغرفة الأولى للبرلمان، حيث تُحسب المحافظة بمثابة دائرة انتخابية واحدة، وتمنح عدد مقاعد متوافقة مع عدد السكان، إذ يخصص مقعد واحد لكل حصة من 120 ألف نسمة، وفق قانون الانتخابات.
ومن أجل منح مصداقية للاقتراع وتكافؤ في الفرص بين المرشحين وترقية التمثيل البرلماني، تم إقرار نمط انتخابي يعتمد على القائمة المفتوحة التي تسمح للناخب بترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة بحسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق ترتيب الحزب من دون إمكانية التصرف فيها.
مسؤولية
وفي السياق، ترفض المرشحة الحرة الإعلامية فاطمة الزهراء نازف، وصف المشهد بالتهافت على قدر ما هو مسؤولية على عاتق صحافي لطالما حاول إيصال صوت المواطن بكل فئاته، لكن لم يستطِع تجاوز الميكروفون والكاميرا والقلم. وتعتبر أن الفراغ يجعل تهافت الانتهازيين كبيراً، وشددت بخصوص من يرى أن هذا التهافت مرده المنصب والأجرة والمزايا المعروفة وأن الأمر يتعلق بتحسين أوضاع الصحافي الاجتماعية ليس إلا، أنه رأي من الرؤى، إذ هناك من أتى ليبني وهناك من أتى ليستفيد للأسف، و"هذا الذي جعلنا ندخل الغمار حتى لا نترك المجال لهؤلاء الفاسدين"، موضحة أن الصحافي عانى من قيود الخط الافتتاحي ومدير المؤسسة الإعلامية وضغط قاعة التحرير، ويحدث أن تحصل خلافات كثيرة بسبب إيصال صوت المواطن، غير أن وصوله إلى البرلمان يجعله يتمتع بسلطة صوته ولن يُسكته أحد لأنه سيكون على المباشر مع السلطات المعنية.
ظاهرة صحية
من جانبه، يقول المرشح الإعلامي بلقاسم عجاج في تصريح مقتضب إن "مبادرة عدد كبير من الإعلاميين للترشح لعضوية البرلمان، أراه ظاهرة صحية وإن تعددت الأسباب"، ويعتبر أن "الصحافي بحسب رأيي الأقرب لنقل انشغالات المواطنين والدفاع عنهم أمام الجهاز التنفيذي، وضمان التشريع الذي يخدم المجتمع بحكم تجربته".
ويعتقد أستاذ الإعلام اليامين بودهان في حديثه عن هذه الظاهرة أن "الصحافة تحولت إلى مجال عمل غير آمن وظيفياً واجتماعياً واقتصادياً في الجزائر، وعليه فإن التحوّل إلى نظام يعتمد على القائمة المفتوحة في الانتخابات، أعطى الأمل إلى كثير من الصحافيين في إمكانية فوزهم استناداً إلى جماهيريتهم، وبذلك فهم مدعوّون إلى مصارحة المواطنين وعدم توجيه خطاب انتخابي مثالي ديماغوجي"، مبرزاً أنه من غير المستبعد أن يتحوّل الصحافيون بدورهم إلى أدوات سياسية يخضعون لمنطق التيار الغالب. كما يرى أن التكوين الإعلامي والخبرة المهنية مكسبان مهمان لهؤلاء لمتابعة الشأن السياسي بعمق، "لكن في اعتقادي لا يكفي ذلك لممارسة الحياة السياسية بفاعلية".