يرغب محمد مجيد 25 سنة من سكان العاصمة بغداد في إيجاد فرصة عمل بعد تخرجه في كلية الإدارة والاقتصاد قبل عامين، في المحال التجارية أو المطاعم أو المعامل الأهلية، لكنه لم يستطع النجاح في مسعاه بسبب المنافسة الكبيرة من قبل العمال "البنغال" الموجودين بكثرة في العاصمة بغداد تحديداً والعراق عموماً.
ويوافق مجيد على العمل بأي أجر لكونه من أسرة فقيرة تتكون من ثلاث شقيقات تصغره سناً فضلاً عن والدته وأبيه الذي يعمل بأجر يومي بالكاد يسد رمق الأسرة ومتطلباتها. الأعذار كانت حاضرة من أصحاب المهن والمحال والمطاعم وشركات التنظيف برفض تشغيل مجيد، لكونهم يمتلكون العدد الكافي من العمال الأجانب خصوصاً من الجنسية البنغلاديشية.
يفضلون الأجانب
ويقول مجيد إن أصحاب المشاريع المختلفة في القطاع الخاص يفضلون العامل الأجنبي على العراقي، معبراً عن سخطه لعدم الحصول على فرصة عمل قائلاً "أين نعمل وكيف نعيش هل البنغلاديشي (عبارة تطلق على العمال الذين يحملون الجنسية البنغلاديشية) أفضل منا؟".
ويفضل أصحاب المشاريع الخاصة في مختلف المجالات، العمال الأجانب عن العمال الآسيويين باعتبار أن لديهم الاستعداد للعمل لساعات طويلة والقبول بكافة الأعمال وبأجور زهيدة، ويلجأ بعضهم إلى المبيت في المكان الذي يعمل به لتوفير أجرة السكن.
كما أن هناك سبباً آخر في عدم توظيف المواطنين من قبل أصحاب المشاريع الخاصة، يتمثل بالابتعاد عن المشكلات القبلية والاجتماعية التي قد يتسبب بها العامل العراقي معهم في حال حصول أي خلاف، فضلاً عن عدم قدرته على الضغط عليه لزيادة ساعات العمل، كما يحصل مع العمال البنغال.
مليون عامل أجنبي بلا إقامات رسمية
ويكشف عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية فاضل الفتلاوي أن أعداد العاملين الأجانب يصل إلى مليون عامل، مشيراً إلى أن البرلمان العراقي يعمل حالياً على تشريع قوانين تنظم عمل العمالة الأجنبية في العراق، وتضع لهم قاعدة بيانات مع إعطاء أولوية للعامل العراقي.
ويضيف "أن اللجنة ومن خلال زياراتها للمحافظات، قدّرت عدد العمال الأجانب بنحو مليون يعملون بالشركات الأجنبية وشركات الاتصالات والنشاطات الاقتصادية الأخرى"، مبيناً أن أغلب هؤلاء ليس لديهم رخص عمل ودخل بعضهم بصورة غير رسمية.
توجه جدي لإيجاد حلول
ويوكد الفتلاوي أن هناك جدية من قبل الجهات الرسمية والبرلمان العراقي لحل هذا الملف الحساس وإعطاء الأولوية للمواطن العراقي في مختلف النشاطات الاقتصادية، لافتاً إلى وجود سلسلة من مسودات قوانين تعمل عليها لجنة العمل لتنظيم هذا القطاع في العراق، منها قانون العمل والضمان الاجتماعي وقانون تنظيم العمالة الأجنبية.
ويحذر من خطورة وجودهم في العراق من دون مراقبة مبرزاً التخوفات من تأثيرهم في الوضع الأمني، الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك قاعدة بيانات لهذه الأعداد الكبيرة من العمال، لافتاً إلى أن الموظفين ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
70 ألف عامل مسجل رسمياً
بدوره يشير وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي إلى أن عدد المستَخدمين الأجانب المسجلين لدى الوزارة يناهز 70 ألفاً، غالبيتهم من جنسيات جنوب شرقي آسيا وأفارقة وهنود فضلاً عن سوريين ولبنانيين.
ويقول الركابي في لقاء متلفز "إن ملف العمالة الأجنبية يخص وزارة الداخلية، لا سيما أن المادة 30 من قانون العمل تشير إلى أن الأجانب لا يدخلون العراق إلا بعد حصولهم على تصريح عمل".
ويتابع الركابي أن هناك أعداداً كبيرة من العمال الأجانب في الفنادق الفخمة والمطاعم والأسواق منذ سنوات، وغالبيتهم لا يحملون تصريح عمل، مشدداً على ضرورة عدم دخول أجنبي للعراق إلا بحصوله على تصريح العمل، وعدم إعطاء تصريح للعمال الأجانب الذين يوجد نفس كفاءة أعمالهم في العراق.
وتنص المادة 30 من قانون العمل الذي شرع في عام 2015 "على حظر الإدارات وأصحاب العمل من تشغيل أي عامل أجنبي بأي صفة ما لم يكن حاصلاً على إجازة العمل التي تصدرها الوزارة مقابل رسم يحدد بتعليمات يصدرها الوزير"، فيما تنص المادة 31 من القانون على منع وحظر التحاق العامل الأجنبي بأي عمل قبل الحصول على إجازة العمل.
الأجور الزهيدة للعمال الأجانب
من جانبه، يعزو الأمين العام لاتحاد عمال العراق أحمد الصفار، رواج العمالة الأجنبية بالعراق إلى الأجور الزهيدة التي يتقاضاها هؤلاء، رافضاً دخول العمالة الأجنبية بصورة غير شرعية واستغلال هذا العامل من قبل أرباب العمل.
ويضيف "أن العمال الأجانب الذين يدخلون العراق بصورة رسمية وبناء على عقود عمل، يتمتعون بضمانات تكفل حمايتهم بعكس العامل الذي يدخل بصورة غير شرعية سواء من شرق آسيا أو الدول المجاورة"، لافتاً إلى أن هؤلاء يتقاضون أجوراً زهيدة وساعات عمل طويلة نتيجة وضعهم الاقتصادي وظروف خروجهم من بلدهم".
ويشدد على ضرورة اللجوء للعمالة الأجنبية الكفوءة في حال عدم توافرها في العامل العراقي المعروف بكفاءته، لافتاً إلى أن "قانون العمل العراقي ينظم العمالة الأجنبية لحمايتهم".
ويرى الصفار أن عدد الموظفين الأجانب في العراق منسجم مع ما توقعته لجنة العمل النيابية، كون أن أعدادهم قبل سنتين كان يصل إلى نحو 750 ألف عامل أجنبي، موكداً أن البلاد بحاجة إلى وقفة جادة لتنظيم العمالة الأجنبية.
الداخلية: 95 في المئة من العمالة الأجنبية غير شرعية
وبحسب وزارة الداخلية فإن 95 في المئة من العمالة الأجنبية الموجودة بالعراق تعمل خارج الإطار القانوني، لافتاً إلى ترحيل 32 ألفاً منهم خلال الفترة الماضية.
وأضاف المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا في تصريح صحافي "أن نسبة العمالة الأجنبية غير المرخصة التي تعمل في العراق تصل إلى 95 في المئة"، مشيراً إلى أن الوزارة قامت بترحيل 32 ألفاً ممن كانت إقامتهم غير قانونية".
ولفت المحنا إلى أن محدودية السفر بسبب جائحة كورونا أخّرت عملية الترحيل، ولذلك سيكون هناك تصاعد في عملية تسفيرهم، مشيراً إلى أن السبب الرئيس للبطالة التي يعاني منها الشعب العراقي هو رغبة أرباب العمل بالأجير الأجنبي.
طرق غير شرعية
وعزا المحنا الأعداد الكبيرة للعمالة الأجنبية غير القانونية هو عدم وجود قانون يحدد الإقامات وتأشيرات الدخول قبل عام 2018، فضلاً عن دخولهم بطرق غير شرعية.
وبحسب بعض المصادر الحكومية، فإن عدد الشركات المرخصة التي تُدخل العمالة الأجنبية إلى البلاد هي ست شركات فقط، فيما تبلغ تلك غير المرخصة نحو 200 شركة.
ووفق إحصاءات حكومية، فإن نسبة البطالة في العراق تبلغ 40 في المئة، فيما تقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إن عدد المسجلين لدى الوزارة في قاعدة بياناتهم كعاطلين من العمل هم 1.6 مليون.
وخرجت عدد من الاحتجاجات الشعبية في البلاد طالبت بتوفير فرص عمل، لا سيما لشريحة ذوي الشهادات الجامعية.