في عالمٍ يتجه أكثر نحو التحالفات بين الشركات والاندماجات لتخفيف تكلفة الإنتاج وتقديم سلع قادرة على المنافسة، يبدو أن الثلاثي: "رينو - نيسان - ميتسوبيشي"، الذي يبيع سيارة من كل 9 سيارات في العالم، يسير في اتجاه معاكس. فتفاعلات الأزمة التي عقبت اعتقال كارلوس غصن، رئيس التحالف في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2018 تدفع بالعلاقة بين صانعي السيارات نحو التأزم، رغم أن المساعي التي بُذلت بعد تعيين جان دومينيك سينار رئيساً لشركة "رينو"، قد هدّأت إلى حدّ ما الأمور، وحاولت إعادة إرساء تحالف السيارات الأول في العالم على أسس جديدة.
"نيسان" والقابضة
فعلى أثر بلورة شراكة جديدة رسمياً في اجتماعات 11 و12 أبريل (نيسان) 2019 في باريس قائمة على مجلس إدارة جديد برئاسة سينار، ظهرت التوترات مجدداً بعد الكشف، قبل انتهاء الشهر، عن مشروع قيد الدرس تقدمت به الشركة الفرنسيَّة لدمج "رينو"، التي تمتلك 43٪ من "نيسان"، و"نيسان" التي تمتلك 15٪ من "رينو"، و34٪ من "ميتسوبيشي" ضمن "شركة قابضة" على أساس التساوي في الشراكة بين الأطراف الثلاثة، كما ذكرت صحيفة "لوموند".
هذا المنحى، تبدو إدارة "نيسان" مصممة على رفض الاندماج على أساسه، فوفق الصحيفة التي استندت إلى أوساط عليمة باتجاهات المجموعة اليابانية، أبلغ سينار زائريه اليابانيين بالمشروع في اجتماعات أبريل (نيسان)، وكان "حاداً للغاية" مع هيروتو سايكاوا رئيس "نيسان".
هاجس غصن
تقول الصحيفة، "من الواضح أن فريق إدارة (نيسان) لم تعجبه النبرة ولا المضمون، ورفض سايكاوا استقبال مصرفيّي SMBC Nikko المكلفين من شركة (رينو) بالتوصل إلى اتفاق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، ذكرت صحيفةLes Echos الفرنسية، أنه "في مقر الشركة اليابانية في يوكوهاما طغى شعور بأن هناك خطاباً مزدوجاً لدى الجانب الفرنسي، فاليابانيون لاحظوا أنه فيما أعلن سينار أن الوقت لم يحن لإجراء تغييرات جوهرية، كان يُجرى في الكواليس الإعداد لاندماج مماثل لذلك الذي أعده كارلوس غصن".
ويُبنى امتعاض إدارة "نيسان" على أن الجانب الفرنسي يحاول إحياء الوضع القديم، وبالتالي فإن الثقة التي أعطيت للرئيس الجديد لشركة "رينو" بدأت تتآكل حسب الصحيفة الفرنسية.
ما مصير التحالف؟
"اندبندنت عربية" سألت الخبير في عالم صناعة السيارات فرانسوا حبشي، الذي رأى أن "الثلاثي الذي تصدّر مبيعات السيارات في العالم، قبل قضية كارلوس غصن، ذاهب نحو الانفصال إذا استمرت الخلافات الراهنة".
وأوضح حبشي، أنه "فيما تمتلك (رينو) القوة القانونية، فإن (نيسان) لديها القوة الميدانية، وعندما باع الثلاثي قرابة 10 ملايين و700 ألف سيارة في العام 2018، كانت حصة (نيسان) منها قرابة 5 ملايين و600 ألف سيارة، و(رينو) 3 ملايين و800 ألف سيارة، و(ميتسوبيشي) مليون و200 ألف سيارة".
وأضاف خبير السيارات، أن "(نيسان) اليوم هي غيرها في العام 1999 عندما كانت مثقلة بـ19 مليار دولار من الديون ومعروضة للبيع، ففي الماضي كان عرض (رينو) هو الوحيد الذي حفظ استقلاليتها أمام عروض أخرى، واليوم، تحاذر الشركة اليابانية القوية القضم الذي قد يؤدي بها إلى الذوبان في (رينو)، وربما يدفع كارلوس غصن ثمن هذا الرفض تحديداً، لأنه الوحيد القادر على تنفيذه".
وتوقّع حبشي، أنه "في حال أصر الفرنسيون على فكرة الدمج فإن (نيسان) ستذهب حتماً إلى الانفصال".
وحسب الصحيفة الفرنسيَّة، يسود أيضاً لدى الشركة اليابانية اعتقاد بأن "رينو" تقوم بمناورة للاستفادة من الضعف الاقتصادي للمصنّع الياباني، الذي سيقدم نتائج مالية غير جيدة في منتصف مايو (أيار) 2019.
ويرى مسؤولو الشركة، أن الوقت ليس مناسباً للتعامل مع الاندماج، الذي ستدفع ثمنه قوى اختصاصية في الشركة، في مقدمتها المهندسون في المجال الكهربائي.
ويوضح فرانسوا حبشي، أن "على أحد الطرفين التراجع، لأن فض الشراكة سيضر بالجميع"، ويعطي مثلاً واضحاً عن منافع التعاون، وهو "تصنيع سيارتي Koleos وXtrail المتشابهتين في كل شيء، فإنتاجهما خفف التكلفة، وخفّض سعر البيع لمصلحة المشترين".
ويضيف حبشي، "إنتاج سيارات الثلاثي في أكثر من قارة له محاسنه، فمعمل (نيسان) في ساندرلاند بالمملكة المتحدة ينتج قرابة 400 ألف سيارة، ويوفر كثيراً من التكاليف اللوجيستية، ويمتلك التحالف كذلك أسهماً في شركتي (لادا) الروسية، و(داسيا) الرومانية، وهذه كلها مواطن قوة يجب على الشركة اليابانية النظر إليها".
نقاط الخلاف
بالنسبة إلى "نيسان" هناك حالتان طارئتان يجب التعامل معهما، أولاً تحسين الحوكمة اليابانية من خلال إنشاء مجلس إدارة جديد، يكون أكثر استقلالية وكفاءة. بعد ذلك، تريد الشركة تقوية أدائها الذي تعتبره مفقوداً لحساب "رينو"، ومن الأسئلة التي تطرحها: "لماذا يُعهد بتمويل أنشطتنا في أوروبا إلى بنك RCI المالي التابع لـ"رينو" وليس إلى شركتنا؟ وتسعى "نيسان" إلى خفض تكاليفها الثابتة أولا، ثم الانتهاء من القرارات التي اتخذها كارلوس غصن، التي تعتبر أنها كانت على حسابها.
هل هذه النقطة هي جوهر الخلاف؟ "نعم" يجيب حبشي. "فالجانب الياباني لم يغفر لغصن إغلاقه 5 مصانع للشركة عندما تسلّم القيادة في العام 1999، وأرسل نحو 20 ألف موظف إلى منازلهم".
ويضيف خبير السيارات، "إن (نيسان) شركة عائلية متوارثة، وارتباط الناس بها مهم جداً في اليابان، وكارلوس غصن كان على مدى الأعوام التي عمل بها في اليابان مهدداً بالقتل بدافع الانتقام، وكان يتنقل بحراسة رؤساء جمهورية، حتى إنه كان يحيط عائلته بإجراءات أمنية مشددة، ويرفض ظهور أفرادها في الإعلام".
الموقف الفرنسي
"رينو" تريد تهدئة الوضع الناشئ عن القلق الياباني من مرحلة غصن، وترفض الإيحاءات اليابانية بوجود خطاب مزدوج، وتقول إنه في أي شركة مدرجة توجد بيانات عامة من جهة ومناقشات خاصة تسير بشكل متوازٍ، والمشروع المطروح هو أساس للتفاوض مع "نيسان"، ولا يمكن أن يتم رفضه قبل الاطلاع عليه.
ويعتبر حبشي، أن "الشركة الفرنسية والحكومة الفرنسية التي تمتلك 15% من أسهم (رينو) تسايران الجانب الياباني، ولم تقوما بإجراءات لمساعدة غصن الذي يقف وحيداً في إجراءات محاكمته التي يتعرض فيها لانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان".
وتتحدث "رينو" عن الجوانب الإيجابية للاندماج، بما فيها الخطة المالية، وتقول إن قرار تخفيض الأرباح التي تدفعها "نيسان" إلى مساهميها بما فيها "رينو" من المقدّر أن يحقق زيادة في أرباحها بنسبة 20٪. وفي المقابل، لا يزال غامضاً موقف "ميتسوبيشي" الشركة اليابانية الأخرى في التحالف، ورأي وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية.
وفيما ترى أوساط "نيسان" أنهما غير محبذين للاندماج، يعتبر مسؤولون في "رينو" أنهما ما زالا يجدان مصلحة فيه، فشركة "ميتسوبيشي" هي الأصغر في التحالف، وتثمّن الاتجاه نحو اندماج تكون الأطراف الثلاثة فيه على قدم المساواة.
أمَّا فيما يتعلق بوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية فالموقف منقسمٌ داخلها ما بين مؤيدين لاستقلال "نيسان"، وآخرون يعتبرون أن الوضع غير مهيئ الآن لخطوة بهذا الحجم.