من المرتقب أن ينخفض عدد سكان الصين، ولهذا السبب تشعر السلطات بقلق كبير إزاء العواقب المترتبة على ذلك، قد يفرض النظام الاستبدادي على الناس تقليص النسل، لكن ليس بإمكانه أن يجبرهم على إنجاب عدد أكبر من الذرية، وهذه هي خلفية القرار الذي اتخذته القيادة الصينية هذا الأسبوع بالسماح للأزواج بإنجاب ما يصل إلى ثلاثة أطفال. فسياسة الطفل الواحد، التي فُرِضت في مواجهة ما بدا في ذلك الوقت وكأنه زيادة مفرطة السرعة في عدد سكان الصين، لعلها كانت سبباً في خفض معدل المواليد، ولو أن المعدل كان في واقع الأمر مرتبطاً بانخفاض سريع من متوسط تجاوز ستة أطفال لكل أم في ستينات القرن الـ 20 إلى أقل من ثلاثة أطفال بحلول أواخر سبعيناته. (يُحسَب معدل الإحلال عادة كمتوسط يبلغ 2.1 طفل لكل امرأة). لكن يبدو أن تخفيف هذه السياسة إلى طفلين عام 2015 لم يكن يؤدي إلى زيادة حجم العائلة، فوفق البنك الدولي، كان معدل الخصوبة في الصين يتراوح بين 1.6 و1.7 طفل لكل أم منذ أواسط التسعينات.
ولهذا شهدت الصين جيلاً معدلات المواليد فيه أقل من معدل الإحلال. ونتيجة لذلك، ستشهد البلاد انخفاض حجم السكان، ومن المتوقع أن يحدث ذلك في غضون السنوات القليلة المقبلة، في الواقع هناك سبب آخر لتراجع عدد السكان، وهو النقص في عدد الفتيات اللاتي يُولَدن، فوِفق مجلة "ساينتيفيك أميريكان"، يبلغ عدد الأطفال الذكور الذين يُولَدون في الصين اليوم 119 لكل 100 أنثى، وتتوقع أحدث دراسة أجرتها الأمم المتحدة حول ديناميكيات السكان أن يبلغ ارتفاع عدد سكان الصين ذروته بحلول عام 2030 قبل أن ينخفض بعد ذلك.
وكان متوسط التقديرات يتوقع انخفاض الرقم الحالي البالغ نحو مليار و450 مليون إلى مليار و75 مليون نسمة بحلول نهاية هذا القرن. لكن هناك شكوكاً كبيرة حول هذه التوقعات بالنظر إلى المستقبل البعيد. فقد احتوت دراسة نُشِرت العام الماضي في مجلة "لانسيت" على تقديرات تشير إلى أن عدد السكان قد ينخفض إلى نحو 750 مليون نسمة بحلول عام 2100.
ويثير هذا الاحتمال سؤالين رئيسيَن: هل يهم هذا، وما الذي يمكن القيام به حيال ذلك؟
من الواضح أن الأمر يشغل الزعامة الصينية، ولولا ذلك لما تغيرت هذه السياسة. ومن بين الإشكاليات المطروحة، مسألة إدارة مجتمع يضم تناقضات تخص حجم السكان العاملين، فالمسؤولون الصينيون ينظرون إلى اليابان، التي تدير في واقع الأمر بشكل جيد دعم المسنين، ولديها أطول متوسط عمر متوقع في العالم، لكن على الرغم من هذه النتائج الإيجابية، فإن نمو الاقتصاد الياباني بطيء، في وقت أصبح السكان محافظين أكثر ويركزون على قضاياهم الداخلية. ووفق أحد المؤشرات، فإن عدد الطلاب اليابانيين الذين يدرسون في الخارج شهد هبوطاً حاداً، وهذا الأمر يتناقض بشكل كبير مع ما كان يحدث في ثمانينات القرن الـ 20، عندما كان اليابانيون يشترون أصولاً بارزة في الولايات المتحدة، وكان الأميركيون آنذاك يشعرون بقلق من استيلاء اليابان على العالم.
وأظن أن بكين أقل انزعاجاً بشأن رعاية المسنين وأكثر انزعاجاً حول تأثير ديمغرافية الصين على مكانتها في العالم. فهي على المسار الصحيح الآن لكي تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الدولة صاحبة أضخم اقتصاد على مستوى العالم في وقت ما بحلول عام 2030، وستظل كذلك طيلة القسم الأعظم من بقية هذا القرن. لكن إذا انخفض عدد سكانها كما تتوقع دراسة "لانسيت"، فهي لن تواصل احتلال الموقع الأول. إن المسألة مجرد تقدير، لكن التوقعات تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تستعيد موقعها الريادي بحلول عام 2100، وسبب ذلك يعود جزئياً إلى انحدار عدد سكان الصين، وعودة هذا البلد إلى احتلال المرتبة الثانية.
فإذا كانت رؤيتكم للصين كزعيم شرعي للعالم، فإن تهميش موقع الولايات المتحدة لن يكون بالأمر السهل على الإطلاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فماذا تستطيع الصين أن تفعله إذاً؟ سعت بلدان عديدة إلى زيادة عدد سكانها، إما بتشجيع الهجرة (وتُعَد كندا مثالاً جيداً في هذا الصدد) أو بزيادة معدل المواليد (تنتهج فرنسا سياسات ملائمة للعائلة). لكن يبدو أن الجمع بين ارتفاع مستويات المعيشة وتعليم النساء يؤدي إلى انخفاض معدلات المواليد في مختلف أنحاء العالم المتقدم. ففي شانغهاي، وهي أغنى مدينة في الصين، يُعَد معدل الخصوبة من بين أدنى المعدلات في العالم، أقل من واحد، أما في بكين، فقد انخفض معدل المواليد المسجلين بنسبة 24 في المئة العام الماضي.
تشكل سياسة الأطفال الثلاثة بداية، لكنني لا أتوقع أن يكون لها تأثير كبير على المجتمع الصيني، فلا شك في أن ما ينبغي أن يحدث حقاً يتلخص في إلقاء نظرة فاحصة على الأسباب التي تجعل العديد من الناس في الصين وأماكن أخرى من العالم لا يختارون إنشاء عائلات كبيرة، وهذه مسألة مهمة تخص البشرية ككل وينبغي لنا جميعاً أن ننشغل بها، وليس الصين فقط.
© The Independent