مع إصرار كلٍ من رئيس الدولة الجزائري عبد القادر بن صالح ورئاسة أركان الجيش على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المعلن سلفاً في 4 يوليو (تموز) المقبل، تسربت شكوك بين معارضين لهذا الخيار عن لجوء مؤسسة الجيش إلى مرشح من "خزان النظام"، عملاً بتقليد لصيق بالرئاسيات الجزائرية منذ الاستقلال.
خطوات بن صالح، الذي تنتهي ولايته بشكل رسمي في 8 يوليو المقبل، أي بعد أربعة أيام فقط من الموعد المفترض للانتخابات الرئاسية، خصوصاً في خطابه الأخير، تعزز هذا التوجه بدعم واضح من المؤسسة العسكرية. ما يعني الذهاب في سياسة "الأمر الواقع" إلى النهاية عبر "المسار الدستوري".
"خزان النظام" من جديد
طُرح اسم رئيس الحكومة السابق مولود حمروش في أكثر من محطة، منذ انطلاق المسيرات الرافضة استمرار النظام الجزائري، كمرشحٍ لتولي مكانة ضمن "هيئة رئاسية" قبل استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في مشهد يشبه ملامح "الإجماع" التقليدي عند صناعة الرؤساء في الجزائر.
وكان اسم حمروش قد تردد بداية كـ "أفضل مرشح"، وفق تعبير عمار سعداني، الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، الناطق باسم الجهة التي ترفض "حكم الدولة العميقة". إذ يوصف سعداني من قبل خصومه بالناطق المدني باسم رئاسة أركان الجيش منذ العام 2013، وهو تاريخ تعيين قايد صالح نائباً لوزير الدفاع الوطني.
لجوء النظام في هذه الحالة إلى شخصية من "الخزان" قد يؤدي إلى تأجيج مزيد من الغضب، على الرغم من "المقابل" الذي عرضه الجيش على الجزائريين: شهران قبل الانتخابات الرئاسية واعتقال "رأس العصابة" السعيد بوتفليقة و"رأس الدولة العميقة" الجنرال توفيق وخليفته على رأس المخابرات الجنرال بشير طرطاق (عثمان).
حمروش أو تبون أو بلخادم
يوظف المدافعون عن حمروش ورقة مشاركته في ثورة التحرير الجزائرية، ما بين العامين 1958 و1962. كما أنه من الشخصيات المقربة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. إذ كلف بمنصب مدير البروتوكولات.
وفي فترة حكم الشاذلي بن جديد، تقلّد حمروش منصب رئيس الحكومة الجزائرية في سبتمبر (أيلول) 1989، خلفاً لقاصدي مرباح إلى غاية استقالته في يونيو (حزيران) 1991، وخلفه في منصبه سيد أحمد غزالي.
كما يستعين المدافعون عنه، بوصفه رجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية. إذ قاد تعديلات دستورية في العام 1989 أنهت فترة الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني)، وفتحت المجال أمام التعددية الحزبية للمرة الأولى منذ استقلال الدولة.
لكن خصومه يعيبون عليه اختفاءه عن النقاشات السياسية في البلاد منذ ذلك التاريخ، مردّدين أنه "ينتظر اتصالاً هاتفياً من جهات عليا قبل أن يؤدّي أي دور". كما وقع حمروش في تناقضات ما بين العامين 2014 و2019. إذ كان يلمح إلى عدم إمكان إجراء أي إصلاح في البلاد، من دون تعاون مع المؤسسة العسكرية، ثم عاد ليناقض نفسه لاحقاً.
أما رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، فتختلف قراءات المتابعين بشأن وصفه بـ "أحد رجالات النظام" من عدمه. فتبون اعتزل العمل السياسي منذ العام 2017، إذ تولى رئاسة الحكومة لشهرين فقط، قبل أن يؤلّب رجل الأعمال علي حداد شقيق الرئيس ضده، في حملة "إعلامية شرسة" طعنت في "شرف الرجل مالياً" بشبهة التواصل مع رجال أعمال فاسدين.
وشغل تبون مناصب حكومية عدة مع الرئيس بوتفليقة، ورافقه منذ العام 2001 قبل أن يبتعد سنوات عدة، ليعود في العام 2012 من بوابة وزارة السكن.
أما رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم، فتبدو ورقته ضعيفة مقارنة بالشخصيات الأخرى. فهو الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، وقاد "حركة تصحيحية" في العام 2003 ضد علي بن فليس، الذي كان أميناً عاماً للحزب العتيد، ليتحول إلى أمين سر الرئيس عبد بوتفليقة، قبل أن "يُذَلّ" في برقية رئاسية نشرت في وكالة الأنباء الجزائرية، بأمر من السعيد بوتفليقة، لأسباب بقيت مجهولة إلى اليوم.
ردود غاضبة
على الرغم من أن بعض الأحزاب الإسلامية تجهر بـ "تأييدها" المؤسسة العسكرية بشكل يكاد مطلقاً، إلا أنها سارعت منذ الآن إلى إعلان رفضها التمسك بخيار الانتخابات الرئاسية في الموعد المشار إليه. إذ عبّر رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله عن رفضه الجولة الثانية من الحوار، التي دعا إليها رئيس الدولة المؤقت.
وقال جاب الله، الذي يشارك حزبه في "قوى التغيير لنصرة الحراك الشعبي"، إن "استمرار بن صالح في منصبه على الرغم من رفض الشارع ما كان له أن يكون لو لم يجد الدعم من المؤسسة العسكرية للأسف".
أضاف جاب الله "لا قيمة لدعوة الحوار، وأفضل شيء يفعله رئيس الدولة المؤقت الاستجابة إلى مطالب الشعب وترك السلطة للذين يرغبون في التقدم لإدارة المرحلة الانتقالية ممن يثق الشعب فيهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورقة طريق "الأمر الواقع"، لم تواجه بالرفض من التيار المقرّب من المؤسسة العسكرية فحسب، فالتيار المعارض تقليدياً هاجم بدوره دعوة الحوار أيضاً. وقالت جبهة القوى الاشتراكية إن "الحوار الحقيقي لا يمكن ولا ينبغي القيام به مع أو من خلال شخصيات ترفضها غالبية الشعب الجزائري قطعياً وجذرياً".
تبدو "خريطة الطريق" الرسمية "عنيفة"، كما يصفها سياسيون آخرون. فيربطها الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي بظروف اعتقال شقيق الرئيس السابق والجنرالين. ويقول سعدي إن "الهزّات التي تدمّر النظام المنحطّ تتزايد، كما يحصل عادة في الأنظمة غير الشرعية. فعمليات إعادة ترتيب البيت عنيفة وغير منتظرة".
يضيف سعدي أن الحراك لا "يجب أن يترك نفسه ليُمتصّ من طرف العواصف التي لا تعنيه"، وأن "صراعات العصابة يجب أن تبقى ثانوية مقارنة بالنضال الحقيقي الذي يخوضه الشعب ضد الأوليغارشيا".
طلاب الجزائر
تجمع آلاف الطلاب الجزائريين مع أساتذتهم، كما كل يوم ثلاثاء، في وسط العاصمة الجزائرية، في أول مظاهرة خلال شهر رمضان، للمطالبة برحيل "النظام" بكل رموزه ومحاسبة الفاسدين.
وبدأ التجمع بمئات الطلاب خرجوا من الجامعة المركزية، في العاصمة، قبل أن يلتحق بهم الآلاف من مختلف الجامعات.
وردّد الطلاب شعاراتهم المعتادة "ارحلوا جميعاً" وكذلك "ماكنش انتخابات يا العصابات" بمعنى "لا يوجد انتخابات يا نظام العصابات"، رداً على تمسك رئيس قايد صالح وبن صالح بتنظيم الانتخابات في 4 يوليو.