خلال شهادته القوية التي قدمها، أخيراً، أمام لجنة في مجلس العموم، سلط دومينيك كمينز الضوء بعض الشيء على العلاقة بين بريطانيا وأميركا. في يوم تعمه الفوضى، حين تزاحمت مواضيع الإغلاق والقصف الأميركي على سوريا وخبر صحافي عن رئيس الوزراء و"صديقته الحميمة" وكلبهما لاستقطاب انتباه بوريس جونسون، كان أحد نتائج هذه الأخبار أن البريطانيين رفضوا الدعوة الأميركية من أجل المشاركة في العدوان الجوي. في الماضي، خلال ولايتي ثاتشر أو بلير مثلاً، كان الانضمام إلى عمل محدود، ولكن قوي ورمزي لهذه الدرجة، أمراً شبه تلقائي. لكن الزمن يتغير.
قد تكون عبارة "علاقة خاصة" من أكثر العبارات إزعاجاً وأقلها فائدة في القاموس السياسي البريطاني. وفقاً لتقارير مطلعة جداً في مجلة ذي أتلانتك يبدو أن بوريس جونسون يشكك في استخدام العبارة ولا تستهويه لأنها تجعل بريطانيا تبدو "محتاجة وضعيفة"، وقد عارضها حين استخدمها الرئيس بايدن، بشكل مدروس بلا شك، في اتصال هاتفي أجراه بعد تنصيبه مع داونينغ ستريت في يناير (كانون الثاني). وهو مؤشر، ربما، على أن جونسون يحاول أن يحصل أكبر فائدة ممكنة من علاقة لن تكون أبداً ودودة جداً مع إدارة بايدن، نظراً لكراهية الرئيس المُعلنة لـ"بريكست" ووفائه لاتفاق الجمعة العظيمة. وبالنسبة لرئيس الوزراء، ربما يكون ذلك مجرد اعتراف بأنّ "العلاقة الخاصة" تحولت إلى شيء مقدس بسبب هوس مجموعة من الدبلوماسيين والسياسيين البريطانيين، لكن واشنطن إما أهملتها أو تجاهلتها بالإجمال. وللأسف، يعود ذلك بشكل كبير إلى التراجع طويل الأمد في سلطة بريطانيا ونفوذها منذ الحرب العالمية الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سوف يتبين مع الوقت إن كان "بريكست" سيعزز مكانة المملكة المتحدة دولياً أو يضعفها. لكنه من الواضح أن اتفاق التجارة الحرة بين بريطانيا والولايات المتحدة أبعد ما يكون عن التحقيق. فعلى الرغم من انحيازه لـ"بريكست"، ونايجل فاراج وجونسون، المعروف بـ"ترمب البريطاني"، اعتمد دونالد ترمب سياسة تجارية قائمة بشكل أساسي على فكرة أميركا أولاً وعلى الحمائية، وهي سياسة جو بايدن كذلك. عندما حذر باراك أوباما بريطانيا من أنها ستكون في مؤخرة المصطفين لإبرام اتفاق تجاري في حال صوتت لصالح "بريكست"، كان يعرض ببساطة حقيقة انعدام التوازن في "العلاقة الخاصة". فالسياسة التجارية تجاه المملكة المتحدة ظلت على حالها تقريباً خلال إدارات أوباما وترمب وبايدن ولا تلعب العاطفة دوراً كبيراً فيها.
لا شك في أن العبارة الشهيرة كانت تحمل ثقلاً جيوسياسياً فعلياً عندما صاغها ونستون تشرشل للمساهمة في تكريس ميثاق الأطلسي وشراكته خلال فترة الحرب مع فرانكلين روزفلت. في ذلك الوقت، اجتمعت أعظم إمبراطورية في العالم بأقوى جمهورية في العالم في إطار صراع على البقاء في مواجهة أكثر قوى العالم شراً. ومنذ ذلك الوقت، استندت العلاقة إلى بعض الانسجام الشخصي القوي، وليس دائماً بين توائم الروح من السياسيين، وتوافق المصالح الوطنية والقيم وغياب بُعد السياسة الخارجية والدفاعية القوية في الاتحاد الأوروبي. لكنها لم تكن دائماً مزدهرة.
واجه ديفيد كاميرون، كما جونسون، بيتاً أبيض يشغله رئيس لم يُعرف عنه اهتمامه الخاص بالمملكة المتحدة، وربما يكون كاميرون أول رئيس وزراء حاول التقليل من أهمية هذا الموضوع، نظراً لأنه لم يكن ليتوقع أي خدمات خاصة من الولايات المتحدة وهو لم يتلق أي خدمة بالفعل، في ما خلا تدخل أوباما "المفيد" في استفتاء "بريكست" في عام 2016.كان أحد رؤساء الوزراء، واسمه إدوارد هيث، مخلصاً للفكرة الأوروبيةخلال سبعينيات القرن الماضي لدرجة أنه ازدرى الحلف الأطلسي، وقد جاء ذلك على أثر فترة من الاضطراب حين قاوم رئيس وزراء من حزب العمال،
هو هارولد ويلسون، طلب الرئيس ليندون جونسون الملح في أن يرسل البريطانيون قواتهم إلى فيتنام، فلم يرسل حتى قوة رمزية. وغضبت إدارة آيزنهاور غضباً شديداً في خمسينيات القرن الماضي لأنها لم تُشرك في التخطيط مع فرنسا وإسرائيل لاجتياح قناة السويس، وترددت في مشاركة أسرارها النووية بعد سلسلة من الفضائح المحرجة التي يسببها جواسيس بريطانيون.
هذه الحقبات من البرودة وحتى العدوانية غالباً ما تُنسى في ظل دفء ذكريات التعاون السعيد بين تشرشل وفرانكلين روزفلت، وماكميلان وكينيدي،ييي وكالاهان وكارتر، وثاتشر وريغان، وميجور وبوش الأب، وبلير وكلينتوني وبوش الابن. لكن دائماً ما وُجد عنصر تلاقي المصالح الوطنية، ولم يُطلب تنفيذ كثير من "الخدمات" (والاستثناء هو مساعدة أميركا السرية في حرب الفولكلاند، على حساب حليف آخر هو الأرجنتين).
إذن، يمكن أن تكون العلاقة الخاصة مقربة ومثمرة، وهي من الأطول ضمن العلاقات الدولية، لكن ليس فيها ما هو دائم أو ثابت على حاله، ولا يمكن لأي من الطرفين أن يعتمد عليها دائماً، كما سنكتشف.
© The Independent