اعتقد المغني التركي شريف إردنيز، عندما فتحت حانات إسطنبول أبوابها مجدداً في مطلع يونيو (حزيران) الجاري، أنه سيعاود نشاطه أخيراً بعد أشهر التوقف التي اضطر خلالها إلى بيع غيتاره لتغطية نفقاته ودفع فواتيره.
لكن أمله خاب مع إعلان الحكومة استمرار حظر الحفلات الموسيقية في إطار تدابير احتواء فيروس كورونا، ما أثار غضبه.
وروى مغني البوب البالغ 34 سنة لوكالة الصحافة الفرنسية أن بيع آلته الموسيقية "كان لحظة مؤلمة للغاية". وقال بصوت حزين، "غيتاري رافقني لأعوام على المسرح. حتى إنني كنت أكتب أغنيات عليه".
"الظلم"
وكان لقرار الحكومة الإبقاء على الحظر المفروض على الحفلات الموسيقية وقع الصدمة على الكثير من الفنانين، تماماً كشريف، ولم يروا أي مبرر صحي له، إذ أعيد فتح المطاعم والحانات التي دأب كثر من المغنين والموسيقيين على إحياء حفلات فيها.
وفرضت السلطات التركية تدابير احتواء صارمة الشهر الماضي للجم تفشي الفيروس قبل الفترة التي تعتبر أوج الموسم السياحي، إذ بلغ عدد الإصابات المسجلة يومياً أكثر من 60 ألفاً.
وأثمرت هذه التدابير في شهر واحد انخفاض عدد الإصابات اليومية إلى عُشر ما كانت عليه، وفقاً للإحصاءات الرسمية، ما مكّن المطاعم والمقاهي والحانات من إعادة فتح أبوابها في الأول من يونيو.
من هذا المنطلق، تولّد لدى الموسيقيين انطباع بأنهم استبُعدوا ظلماً من معاودة النشاط.
الانتحار
وعبّر الملحن الشهير حقان ألتون عن استيائه بتصوير نفسه وهو يقطع أوتار غيتاره، وحذا عدد كبير من الموسيقيين حذوه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهم المغني طاركان الذي كان نجماً عالمياً خلال تسعينيات القرن العشرين، الحكومة بـ"عدم احترام الفن والفنانين".
وكان الموسيقيون الأتراك من بين الفئات الأكثر تضرراً من الجائحة، إذ انقطعت مداخيلهم ولم يحصلوا تقريباً على أي دعم من الدولة.
وأفاد عدد من وسائل الإعلام بأن نحو 100 منهم انتحروا منذ مارس (آذار) 2020.
وسعياً إلى جمع المساعدات لزملائهم الذين ضاقت بهم الحال، بادر فنانون مشهورون إلى بيع آلاتهم الموسيقية في مزادات.
قصص "تفطر القلب"
ولاحظ الفنان فيدات ساكمان البالغ 71 سنة، وهو صاحب مقهى في كاديكوي في الجزء الآسيوي من إسطنبول، يحيي فيه الموسيقيون عادةً حفلاتهم، أن "بعض القصص تفطر القلب".
وأشار إلى أن "بعض الموسيقيين يطلبون من بلدية المدينة تقسيط دفع فواتير المياه الخاصة بهم التي تبلغ 100 ليرة تركية (نحو 12 دولاراً)".
وذكّر ساكمان بأن المرة الأخيرة التي واجه فيها المشهد الموسيقي التركي مثل هذه الصعوبات الحادة كانت بعد الانقلاب العسكري عام 1980.
وقال "في ذلك الوقت، كنا نعزف بالسرّ وراء أبواب مغلقة من منتصف الليل إلى الخامسة صباحاً". لكنه رأى أن "الوضع اليوم أسوأ بكثير، فلا يوجد شيء. لا شيء".
واعتبر عضو الجمعية التركية لعلم الأحياء الدقيقة السريري والأمراض المعدية البروفيسور بولند إرطغرل، أن حظر العروض في الحانات والمطاعم "أمر سخيف". وأضاف، "إذا كان مبرر هذا الإجراء خطر انتقال العدوى، ينبغي تالياً إغلاق" هذه المؤسسات.
تهميش الفن
حتى إن الموسيقيين يشتبهون في أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشن "حرباً ثقافية" ضدهم لإرضاء ناخبيه المحافظين في ظل انخفاض شعبيته.
وقال المؤرخ في جامعة إسطنبول التقنية دوغان غوربينار إن الموسيقيين يمثلون رمزياً "أسلوب الحياة العلماني والفَرِح الذي تحاول الحكومة تهميشه".
وسعياً إلى مواجهة هذا الواقع، أطلق حزب المعارضة الرئيس، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يسيطر على المجلس البلدي للمدينة، في مايو (أيار) الماضي، برنامجاً بعنوان "إسطنبول مشهد" يتيح للفنانين الغناء مع دفع أتعابهم، في الحدائق والأماكن العامة.
وبفضل هذه المبادرة، تمكّنت المغنية أوزغي متين من الغناء في إحدى ساحات كاديكوي أمام جمهور راقص. وقالت متين، "لم أكن غنيت منذ 15 شهراً". وأضافت، "المقاهي والمطاعم مفتوحة، لكن لا يُسمح لنا بتقديم الحفلات فيها، وهذا ما يثير التساؤلات".
وفي ضوء ما يبديه زملاؤه الشباب من استغراب وغضب، دعا المخضرم ساكمان إلى التحلي بالصبر. وقال، "لقد تمكّنا من تجاوز انقلابات ومراحل صعبة... كنا دائماً نجد حلاً وهذا ما ستتوصلون إليه أيضاً".