سواء تعرضتم للإصابة بعدوى "كوفيد - 19" أم لا، فإن هناك في الواقع فرصة جيدة لأن يساهم سجلكم الطبي الإلكتروني في مساعدة مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" NHS على الصمود والكفاح ضد الجائحة. من جهتي، لقد أمضيت الأعوام الخمسة عشر الأخيرة في إجراء أبحاث طبية مستنداً إلى سجلات طبية إلكترونية أعطيت أسماء مستعارة، لكن قد يفاجأ كثيرون بمعرفة أن هذا النوع من الأبحاث يجرى منذ أواخر أعوام الثمانينيات.
لا بد في المقابل من الإشارة إلى أن الفوائد المترتبة عن هذه العملية، هي هائلة بالنسبة إلى المرضى، لجهة دحض الصلة بين اللقاح المضاد للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية" MMR ومرض التوحد، أو لناحية الكشف عن المخاطر طويلة الأمد لأمراض القلب لدى الأشخاص الذين تعافوا بنجاح من داء السرطان. وقد كان هناك على امتداد الأعوام القليلة الماضية، كثير من الجدل بشأن ما تتميز به بريطانيا، لكن هناك مجالاً واحداً نجد فيه أنفسنا حقاً موضع حسد عدد من الدول الأخرى. فـ"الخدمات الصحية الوطنية" المنظمة مركزياً التي لدينا في المملكة المتحدة، تعني أن ثروة البيانات التي تُجمع كجزء من الرعاية الصحية الروتينية، تشكل مصدر غنىً لا يصدق، بحيث يمكن استخدامه لتكوين أدلة من شأنها تحسين الصحة العامة عندنا، وحتى متوسط العمر المتوقع للأفراد في بلادنا.
لكن هنا يكمن جوهر المشكلة - لأن البيانات تكون مفيدة فقط إذا كانت كاملة. ففي حال قرر كثير من الناس عدم السماح باستخدام بياناتهم، تصبح المعلومات المتبقية غير ذي ثقة كاملة، ولن يكون في مستطاعنا تالياً الاعتماد عليها، أو أن يكون بإمكاننا أن نثق في أن نتائج أبحاثنا تعكس مختلف أطياف مجتمعنا ككل. لقد تحققنا جميعاً أثناءالجائحة، من مدى مساهمة توافر بيانات كاملة وفي الوقت المناسب، في إنقاذ الأرواح. ومن دون معرفة الأشخاص الذين كانوا عرضة لخطر تلقي إصابة شديدة بفيروس "كوفيد - 19"، لم يكن في مستطاعنا معرفة من هم الأفراد الذين يجب أن يعطوا أولوية في حملة التطعيم، كما أنه من دون توافر بيانات جيدة، لم نكن لنتمكن من إجراء أبحاث لمعرفة ذلك. إن هذا المركز (بيانات "الخدمات الصحية الوطنية")، هو الذي ربما أسهمت فيه سجلاتي وسجلاتكم الطبية في تحقيق تقدم، وأعتقد أنه لأمر يمكننا أن نشعر معه بالفخر بشكل لا لبس فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بات مفهوماً أننا جميعاً أصبحنا أكثر حرصاً وحذراً حيال من يمكنه الوصول إلى معلوماتنا الحساسة، سواء كانت مالية أو اجتماعية أو طبية، وهذا طبعاً أمر جيد. من الناحية النظرية، يمكن طبعاً إساءة استعمال بيانات السجلات الطبية الإلكترونية التي أستخدمها في البحث الطبي لإعادة التعرف على الأفراد، إذا كنت أعرف ما يكفي عن تاريخهم الطبي. لكن في المقابل، سيكون تصرفي هذا عملاً إجرامياً، وعلى حد علمي، فإن ذلك لم يحدث قط. إن الإدارة الصارمة للبيانات تضمن السماح فقط للباحثين موضع الثقة، باستخدام هذه البيانات للإجابة على الأسئلة العلمية الصحيحة، وإبقاء جميع المعلومات سالمة وآمنة.
الخطة الأخيرة التي وضعها مركز "أن أتش أس ديجيتال" NHS Digital (تابع لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وهو مزود وطني بالبيانات للمفوضين والمحللين والأطباء في إنجلترا) والقاضية بجمع مختلف بيانات الأطباء العامين في البلاد ووضعها في خدمة الأبحاث، تسببت بإثارة هذه المشكلة في أذهان الناس، وأسهمت في إحداث قلق ما بين كثير من الأوساط. لكن ما يهم الآن هو أن نكون منفتحين وشفافين بشأن الخطط المتعلقة بإدارة تلك البيانات، وطرق التعامل معها، وتحديد الجهات المنوطة بها تلك المسؤولية، والأهداف والغايات التي يرجى تحقيقها. إن الإيقاف المؤقت لإطلاق هذه المبادرة، لهو أمر سار، لأنه يفسح المجال أمام إجراء محادثات صادقة في هذا الموضوع.
فالتطورات المتسارعة في علم البيانات تعني أننا لن نحتاج بعد الآن إلى نقل كميات كبيرة من البيانات من أجل استخدامها في الأبحاث. فنحن سنكون بدلاً من ذلك، قادرين على الوصول إلى المعلومات الموجودة داخل أنظمة مركزية آمنة، أو كتابة التعليمات البرمجية التحليلية التي تمكننا من الاستفسار عن المعلومات المحفوظة بشكل آمن، بحيث نتلقى الإجابات التي نحتاج إليها من دون تشكيل أي تهديد لجانبي الخصوصية والأمان لدى الأفراد. إن المبادئ الراسخة التي عملنا عليها أعواماً عدة يتعين الحفاظ عليها بما يضمن أن تكون أسباب جميع الأبحاث التي تجرى من خلال استخدام البيانات، وجيهة، وأن تفضي تالياً إلى تحقيق الفائدة للمريض. وكي نشعر جميعاً بأننا راضون عن الوصول إلى بياناتنا الصحية الحساسة والقيمة، يجب أن نتوقع أن تكون الأساليب المستخدمة هي أفضل الطرق المتاحة، وأن ترقى إلى مستوى المهمة.
لقد تأسست مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" المذهلة في بلادنا على مبدأ أن الرعاية يجب أن تكون متاحة مجاناً عند الحاجة، وبعد أكثر من 70 عاماً لا تزال هذه المؤسسات ملتزمة هذه الغاية. إن الجانب الوحيد الذي يمكننا من خلاله أن نرد هذا الجميل بحرية، هو إعطاء الإذن باستخدام سجلاتنا الطبية الثمينة، بهدف المساعدة في تحسين الرعاية الصحية لبعضنا البعض. وكي نقوم بذلك، يتعين أن نكون قادرين على الوثوق في أن الأنظمة الموجودة تعمل بشكل جيد، وآمل في أن يصب الإيقاف الموقت لمشروع "بيانات الأطباء العامين لتحسين التخطيط وتعزيز الأبحاث" General Practice Data for Planning and Research في إطار ضمان تحقيق هذا الهدف.
إيان داغلس هو خبير في علم الأوبئة الدوائية في "كلية لندن للصحة والطب الاستوائي"
© The Independent