أخيراً، أدلى بوريس جونسون بالتصريح الذي لم يكن راغباً على الإطلاق في الإدلاء به حول عدم الالتزام بخريطة الطريق التي رسمها بشأن إنهاء القيود المتعلقة بتفشي فيروس كورونا في إنجلترا. وعلى الرغم من أنه لم يمضِ في الاتجاه المعاكس، إلا إنه أشار في مؤتمر صحافي عقده في مقر رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت" يوم الاثنين الماضي، إلى أن "الآن هو الوقت الذي ينبغي التخفيف فيه من الضغط على دواسة الوقود" للمضي بسرعة أقل.
وأوضح رئيس الوزراء أن إرجاء تنفيذ المرحلة الرابعة في رفع القيود، الممتدة من 21 يونيو (حزيران) إلى 19 يوليو (تموز)، شكّل "خياراً صعباً للغاية". غير أنه لم يكن هنالك بدٌ من ذلك بسبب عدم وجود بديل أمامه سوى التأجيل، نظراً للانتشار المقلق لمتحور كورونا من نوع "دلتا" الذي رُصِدَ بادئ الأمر في الهند، ويعتبر الآن مسؤولاً عن 96 في المئة من الإصابات في المملكة المتحدة. وقد ارتفعت في غضون أسبوع أعداد المصابين ممن دخلوا المستشفيات عموماً، بـ50 في المئة، ووصلت إلى 61 في المئة في شمال غربي إنجلترا وحدها. وقد حذّر مستشاروه (جونسون) العلميون من أن المضي في تطبيق المرحلة الرابعة من خريطة الطريق، قد يؤدي إلى حصول آلاف الوفيات التي يمكن تفاديها وازدياد عدد المرضى الذين يدخلون المستشفيات إلى مستوى لم تشهده البلاد منذ الذروة التي بلغها هذا العدد في مارس (آذار) العام الماضي.
ولو أنهى جونسون كل القيود الآن، لأفرغ شعاره القائل بأن "البيانات، لا التواريخ" تحدد طريقة التعامل مع الجائحة من محتواه، بل جعله مجرد كلام لا طائل منه. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن اثنين من الاختبارات الأربعة التي سبق لجونسون أن اعتبرها شروطاً كي تُرفع حالة الإغلاق، لم تتحقق. ويتعلق هذان الاختباران بمخاطر ظهور أنواع متحورة جديدة وتحميل "خدمات الصحة الوطنية" مزيداً من "الضغوط التي لا تطاق".
وفي إطار التسابق بينهما، سيفوز اللقاح على الفيروس في نهاية المطاف. وإذ تعتبر فترة التوقّف هذه لأربعة أسابيع انتكاسة قصيرة الأمد، فإنها ستتمخض عن مكاسب طويلة الأمد. وقد أصابت الحكومة بتسريع عملية توزيع اللقاح، ما سيؤدي إلى تلقي جميع الذين تزيد أعمارهم على 40 سنة الجرعة الثانية بعد 8 أسابيع بدلاً من 12 أسبوعاً، وبحلول 19 يوليو سيكون ثلثا البالغين في إنجلترا قد تلقوا اللقاح بجرعتيه، فيما سيكون من تزيد أعمارهم على 18 سنة قد أخذوا جميعاً الجرعة الأولى من اللقاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك ستجري مراجعة التوقف المؤقت بعد أسبوعين من سريانه، إذا أظهرت البيانات الصادرة حتى ذلك الوقت إمكانية رفع القيود قبل انقضاء فترة الأسابيع الأربعة المقترحة حالياً. وفي المقابل، يبدو ذلك مستبعداً على الصعيد العملي.
وبالنتيجة، إن جونسون "واثق" من أن القيود المتبقية ستُرفع في 19 يوليو، كما أنه "مصمّم" على إنهاء هذه القيود التي تشمل ارتداء الكمامة، وقاعدة التباعد بمتر واحد، والنصيحة الموجهة للجميع بالعمل من المنزل. في المقابل، لا يستطيع جونسون أن يضمن ذلك، وكذلك قد تجبره التطورات على إعادة النظر بالموضوع مُجدداً. ولم تستبعد ورقة مقدمة إلى "المجموعة الاستشارية العلمية للطوارئ" (سايج) التابعة للحكومة أن يلقى ما يزيد على 40 ألف شخص حتفهم هذا الصيف بسبب "كوفيد"، على الرغم من تأخير رفع الإغلاق لأربعة أسابيع.
في ذلك الصدد، من حق الشركات أن تشعر بعدم الارتياح، خصوصاً قطاعات الضيافة، والنوادي الليلية التي يجب أن تبقى مغلقة، والفنون، والسفر والسياحة التي كانت تأمل في هذا الصيف بدفقة من النشاط والعمل باتت في أمس الحاجة لها. إلا أن الحكومة رشت الملح على الجرح، حين امتنعت عن الإعلان عن أي مساعدة إضافية لهذه القطاعات المتضررة. لذا عليها أن تعيد التفكير في ذلك.
ويضاف إلى ذلك أن برنامج الإجازات المفتوحة الناجح سيستمر حتى سبتمبر ( أيلول) المقبل، ويتحتم على الشركات التي تستخدمه أن تدفع مساهمة قدرها 10 في المئة من الأجور اعتباراً من الشهر المقبل. والواقع أن عدداً من الشركات قد راكمت ديوناً ضخمة ما سيجعلها عاجزة عن تسديد فواتير الإيجار والخدمات الأخرى.
من جهة أخرى، سيتمرد بعض النواب المحافظين من المشككين بضرورة الإغلاق على الأرجح حين يُطرح موضوع تمديد القيود على التصويت في مجلس العموم. إذ يرى منتقدو جونسون أن عليه أن يكفّ عن الإصغاء إلى العلماء الذين تشبه أصواتهم "صفارات الإنذار". في المقابل، سيكون من الأفضل له ألا يستمع إلى صفارات الإنذار الموزّعة في صفوف نواب حزب المحافظين. والحق أن هؤلاء النواب يحدثون كثيراً من الضجيج، بيد أن هذه الضوضاء لا تعبر عن الرأي العام. كان الشعب البريطاني مرناً بشكل لافت لجهة قبول التعطيل الذي تعرضت له حياته اليومية، ويشعر الآن أن البلاد باتت في الشوط الأخير من هذا السباق. وتفيد استطلاعات الرأي بأن غالبية البريطانيين يؤيدون تأجيل "يوم الحرية".
وفي حين أن جونسون قد اتخذ القرار السليم بالتوقف مؤقتاً عن تطبيق عملية رفع الإغلاق، فإنه المسؤول الوحيد عن المفارقة التي تعيشها هذه البلاد لاضطرارها تحمل قيود أكثر صرامة من دول أخرى كانت برامج التلقيح التي طبقتها أشد بطئاً من نظيراتها البريطانية. ومما لا شك فيه أن الموجة الحالية من الحالات قد تفاقمت بسبب التأخير لمدة أسبوعين في إضافة الهند إلى "القائمة الحمراء" التي تضم الدول التي يمنع السفر منها وإليها. وليس سراً أن هذا التأخير جاء في جانب منه، في الأقل، بسبب تردد جونسون في الإساءة إلى الهنود عشية زيارة وشيكة من المقرر أن يقوم بها إلى بلادهم. وسرعان ما أُدرج اسم الهند على "القائمة الحمراء"، بمجرد إلغاء تلك الزيارة. في غضون ذلك، وصل إلى المملكة المتحدة بين 2 و 23 أبريل (نيسان) قرابة 20 ألف مسافر قادم من الهند.
ووفق كير ستارمر، فإن تأخير قرارات صعبة خلال الجائحة قد صار أشبه بـ"نمط سلوك"، أو عادة، يكررها جونسون بانتظام.ونأمل في أن رئيس الوزراء قد تعلم أخيراً الدرس المكلف والمؤلم لما يمكن أن يؤدي إليه إرجاء القرارات الصعبة.
© The Independent