تجربة الحوار الوطني في تونس ليست جديدة، فكلما احتدّت الأزمة السياسية تتدخل المنظمات الوطنية من خلال آلية الحوار الوطني، لرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين، وتقريب وجهات النظر، من أجل إعادة المسار السياسي إلى سِكّته.
وتمكّن الحوار الوطني الذي قادته أربع منظمات وطنية كبرى، (الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين) سنة 2013، من إخراج تونس من أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية كانت ستدخِل البلادَ في حرب أهلية، بعد أن اشتدّ الاستقطاب السياسي بين "حركة النهضة" ومعارضيها آنذاك.
وتطرح دعوة رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الأخيرة إلى حوار وطني، يقود إلى تغيير النظام السياسي وتعديل الدستور أسئلة عدة، حول أولويات هذا الحوار، هل هي سياسية بالأساس أم اقتصادية واجتماعية؟
الاستقرار السياسي
إن مفتاح الخروج من الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية الخطيرة، هو الاستقرار السياسي، هذا ما عبّر عنه المختص في الاقتصاد عز الدين سعيدان، وشدّد على أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي خطير وهو ما يتطلب خطة إنقاذ، معتبراً أن أي عملية إنقاذ غير ممكنة، في ظل هذا الوضع السياسي المتأزم.
وأشار إلى أن الأطراف المانحة مثل صندوق النقد الدّولي، وشركاء تونس الاقتصاديين يتساءلون حول مدى وجود قرار سيادي وحكومة مستقرّة، لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يطالب بها صندوق النقد من أجل مواصلة دعم تونس مالياً.
توحيد الخطاب السياسي
ودعا سعيدان إلى ضرورة توحيد الخطاب السياسي التونسي، وتعزيز الاستقرار السياسي، من أجل البدء في عملية إنقاذ الاقتصاد، التي اعتبر أنها لا تزال ممكنة على الرغم من صعوبتها.
وعن مراحل الإنقاذ الاقتصادي، أكد أن تونس ما زالت في بداية المحادثات مع صندوق النقد الدولي، ولم تدخل بعد مرحلة المفاوضات، وهي خطوة متأخرة بالنظر إلى المؤشرات المالية السيئة التي تمر بها البلاد، إذ إنها مطالَبة في هذه السنة بتسديد ديون مستحقة بقيمة 16.3 مليار دينار (5.4 مليار دولار)، وفي المقابل تؤكد أرقام ميزانية السنة الحالية أنه على تونس تعبئة 18 مليار دينار (ستة مليارات دولار) لتمويل الميزانية، منها 13.1 مليار دينار (4.3 مليار دولار) من الخارج.
وأوضح أن بالفرضيات التي بُنيت عليها الميزانية وواقع الحال اليوم في تونس، نجد أن البلاد تحتاج إلى 23 مليار دينار (7.6 مليار دولار) من القروض والموارد التي لا بد من تعبئتها في سنة 2021.
وتساءل سعيدان عن الحل إزاء هذا الوضع القاتم مالياً واقتصادياً، كاشفاً أن تونس تحتاج إلى 12 مليار دينار (أربعة مليارات دولار) من الموارد الضرورية لمستحقات الدين وللأجور ونفقات الدولة، إلى حين موافقة صندوق النقد على مساعدة تونس مالياً، التي لن تكون قبل سبتمبر (أيلول) المقبل.
خطورة جدولة الديون
واعتبر أن الحوار ضروري في هذه المرحلة، من أجل بلورة الأمور والاتفاق على جسر مالي يمتدّ للأشهر المقبلة لإنقاذ تونس من مغبّة إعادة جدولة الديون، التي اعتبرها "مهينة ومذلة ولها عواقب خطيرة على البلاد في المستقبل، حتى المسّ من السّيادة الوطنية، التي ستُعتبر سابقة في تاريخ تونس منذ الاستقلال سنة 1956".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الخبير الاقتصادي ضرورة توحيد تشخيص الواقع المالي من أجل المعالجة الدقيقة للمشاكل المالية العمومية، بعيداً عن القراءات السياسية الضيقة، لافتاً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية لا تمنع الدخول في إصلاحات سياسية موازية كتغيير النظام السياسي وتعديل الدستور.
تغيير النظام السياسي غير ممكن
من جهته، استبعد الباحث في القانون الدستوري، رابح الخرافي، "تغيير النظام السياسي وتنقيح الدستور، في غياب المحكمة الدستورية"، مشيراً إلى أن "ذلك ممكن بعد حصول اتفاق في الحوار الوطني، إن كُتب له أن يبدأ، على أن يتم التغيير في العهدة البرلمانية المقبلة".
رئيس الجمهورية نسَف الحوار
وعلى صعيد آخر، شدّد الكاتب الصحافي، خليل الرقيق، على أن مقترحات رئيس الجمهورية حول تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي هي مقترحات بعيدة المدى، والحال أن تونس تتخبّط في أزمة سياسية غير مسبوقة، وكان على سعيد تجميع الفرقاء السياسيين، لا أن يزيد من تأزم الوضع، مؤكداً أن الرباعي الراعي للحوار الوطني في سنة 2013، أنقذ البلاد من حمّام دم، وكان يمكن الاستفادة من هذه التجربة لا نسفها.
وأبرز أن الحوار لا بد أن يكون جامعاً لكل الأطياف السياسية، والمنظمات الوطنية، من أجل إخراج البلاد من أزمتها.
الأزمة السياسية نحو مزيد من التأزم
ورأى أن الأزمة السياسية قد تذهب نحو مزيد من التأزم، ولا يمكن الحديث عن حوار في ظل الموقف الحالي لرئيس الجمهورية، وما قد يتبعه من ردود أفعال.
وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطّبوبي، إن الهيئة الإدارية قرّرت في ختام أشغالها عدم سحب مبادرة الحوار الوطني من رئيس الجمهورية، بعد أن صرّح الأمين العام المساعد للاتحاد، كمال سعد، في وقت سابق بسحبها، وأضاف أن الانتخابات التشريعية المبكرة هي خيار مطروح في حال لم يتم التوصل إلى حل للأزمة الراهنة.
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، صرّح خلال اجتماعه برئيس الحكومة، هشام المشيشي، وبحضور رؤساء الحكومات السابقين، أن الحوار الوطني السابق لم يكن حواراً، ولم يكن وطنياً، وهو تصريح أثار حفيظة اتحاد الشغل وباقي المنظمات الوطنية، التي شاركت في الحوار سنة 2013، الذي تحصّلت بفضله تونس على جائزة نوبل للسلام.