يثير إقرار مجلس النواب الأميركي، يوم الخميس، 17 يونيو (حزيران)، إلغاء تفويض الكونغرس الرئيس شنّ الحرب في العراق، الذي يعود إلى عام 2002، بينما يبقي على تفويض عام 2001 الأكثر شمولاً لشن الحرب في أفغانستان، كثيراً من الغموض وعلامات الاستفهام، فعلى الرغم من التيار المتصاعد ضد هذا النوع من التفويضات التي يستخدمها الرؤساء الأميركيون في شنّ هجمات وضربات في الشرق الأوسط وخارجه، فإن هناك تباينات عديدة في المواقف إزاء التفويضين وأسباب مختلفة تجعل القرار النهائي مغايراً، فما هذه الأسباب؟ وما الذي يعنيه إلغاء تفويض الرئيس شنّ الحرب في العراق؟ وهل سيؤثر في قدرة القوات الأميركية على محاربة تنظيم "داعش" والمنظمات الإرهابية أو مواجهة الأخطار الطارئة التي تهدد الأمن القومي الأميركي؟
أيام معدودة
تأييد مجلس النواب الأميركي إلغاء سلطة الرئيس شنّ الحرب، الذي منحه له عام 2002 لغزو العراق، من المرجح بشكل كبير أن يصدّق عليه مجلس الشيوخ ويوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانوناً خلال أيام أو أسابيع، ما يجعل أيام السلطة المطلقة للرئيس في شنّ الحرب أو إصدار أوامر من شأنها إشعال فتيل الحرب، معدودة.
فقد عكس الإجراء الذي دعمه الديمقراطيون و49 جمهورياً في مجلس النواب تصميماً متزايداً في "الكابيتول هيل" على إعادة النظر في السلطة الواسعة التي منحها الكونغرس للرئيس جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وهي سلطات استخدمها الرؤساء المتعاقبون لتبرير العمل العسكري في كل أنحاء العالم وليس في الشرق الأوسط فقط.
عدم ارتياح
وعلى الرغم من أن سلطات الحرب التي يتمتع بها الرئيس تولدت عن مناخ وطني مشحون في الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر، ما دفع مجلسي النواب والشيوخ لمنح بوش سلطة واسعة، فإن تخلي الكونغرس على مدى عقدين عن كثير من سلطته التي حددها الدستور الأميركي لإعلان الحرب، جعل بعض المشرعين في كلا الحزبين يشعر بعدم الارتياح، بخاصة أن تفويض عام 2002 استُخدم بشكل متكرر، وتجاوز غرضه الأصلي حسبما ترى غالبية أعضاء الكونغرس، بما في ذلك الحملة ضد تنظيم "داعش" في العراق وقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني العام الماضي في عملية خاطفة بطائرة "درون" في بغداد، ما أثار مخاوف البعض وقتها من أن تشتعل نيران الحرب على نطاق واسع.
لماذا الآن؟
على الرغم من أن الجدل حول إلغاء هذا التفويض يعود إلى سنوات مضت، فإن الرؤساء السابقين لم يكونوا راغبين في إعادة سلطة شنّ الحرب إلى الكونغرس مرة أخرى، بمن فيهم الرئيس باراك أوباما الذي أرسل رسائل متضاربة حول وجهة نظره بشأن سلطات الحرب الرئاسية، ورفض الجمهوريون التعاون معه لأنهم كانوا يعترضون على سياساته الخارجية، بينما اعترض الديمقراطيون أيضاً لأسباب مغايرة تتعلق برفضهم المبدئي تفويض سلطة الحرب للرئيس، أما الرئيس دونالد ترمب فكان سيستخدم حق النقض ضد الجهود المبذولة لإلغاء التفويض الصادر عام 2002.
أما الآن فإن الرئيس بايدن، الذي كان في السابق رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، كان طوال الوقت أكثر تعاطفاً مع الدور الدستوري المنوط بالكونغرس في ما يتعلق بصلاحيات شنّ الحرب، ولهذا أعلن هذا الأسبوع عن دعمه الإجراء الذي اضطلع به مجلس النواب، ما يجعله أول رئيس يقبل تقييد سلطته في القيام بعمل عسكري منذ بدء الحرب في أفغانستان قبل 20 عاماً.
وبالنظر إلى الأغلبية التي يتمتع بها الديمقراطيون في الكونغرس وانضمام عشرات من الجمهوريين إليهم، كان من السهل طرح إلغاء التفويض، بعدما فشلت محاولة سابقة عام 2019 في تمريره في مجلس الشيوخ الذي سيطر عليه الجمهوريون آنذاك على الرغم من إقراره في مجلس النواب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلاوة على ذلك، فإن غالبية المشرعين من الحزبين الذين لم يكونوا في مناصبهم في عامي 2001 و2002 تزايدت لديهم في الفترة الأخيرة الرغبة لدعم إلغاء تفويض 2002 في مجلسي النواب والشيوخ، نتيجة ما يصفونه بالإرهاق الذي سببته الحروب للولايات المتحدة والتريليونات الستة التي أنفقت عليها، وتأكيدهم أن هذا التفويض لم يعد يخدم غرضاً حيوياً في حرب أميركا ضد المتطرفين العنيفين في الشرق الأوسط، حسبما قال تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
تفويض 2001 مستمر
غير أنه على الرغم من الانضمام المتوقع من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب في دعم إلغاء التفويض الصادر عام 2002، فإن الكونغرس سيترك تفويضاً أوسع نطاقاً ساري المفعول، وهو التفويض الذي أقره بعد ثلاثة أيام فقط من هجمات 11 سبتمبر عام 2001، للموافقة على استخدام القوة العسكرية ضد "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان، والذي استخدمه الرؤساء المتعاقبون لتبرير العمليات ضد ما يُسمى التنظيمات والقوات المرتبط بعضها ببعض، ما أعطى الرؤساء حرية مفرطة لشنّ ما يصفه المنتقدون بالحروب الأبدية في الشرق الأوسط وخارجه من دون موافقة الكونغرس، صاحب السلطة الأصيلة في إعلان الحرب.
لكن الفارق بين التفويضين كبير بالنسبة إلى كثيرين من الجمهوريين وقليلين من الديمقراطيين، إذ يعتبر آدم سميث رئيس لجنة خدمات القوات المسلحة في مجلس النواب أن الظروف تغيرت على الأرض في العراق بشكل كبير منذ إقرار قانون تفويض الرئيس شنّ الحرب عام 2002، كما أن الحكومة العراقية أصبحت ديمقراطية وهي شريكة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ولهذا حان الوقت لإلغاء هذه السلطة.
وفي حين أن تصويت مجلس النواب يقترب خطوة واحدة من الإلغاء الكامل لقوانين تفويض الرئيس شنّ الحرب، إلا أن هناك مزيد العمل الذي يتعين القيام به في الكونغرس لإقناع الجمهوريين المترددين من عواقب إلغاء هذه السلطة، فضلاً عن بعض الديمقراطيين الذين يتخوفون من أن تصبح يد الرئيس مغلولة في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من أفغانستان بالكامل، وهناك مخاطر من عودة النشاط الإرهابي، فضلاً عن تلويح "البنتاغون" قبل أيام من أنه قد يضطر إلى التدخل بتوجيه ضربات جوية إذا واجهت العاصمة كابل خطر السقوط في يد "طالبان".
مسألة وقت
ومع ذلك، فإن صوت المعارضين لاستمرار تفويض الرئيس شنّ الحرب على إطلاقه يتزايد، ليس فقط داخل الكونغرس وإنما أيضاً داخل الدوائر السياسية ومراكز التفكير وبين جماعات المصالح من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي بدأت تغير الوضع على الأرض، فهناك على سبيل المثال تحالف عريض للمصالح المناهضة للحرب يمثل تيارات محافظة وأخرى يسارية، تدفع باتجاه إلغاء تفويض عام 2002 كخطوة أولى على طريق طويل لتقويض صلاحيات الحرب الرئاسية.
وتؤيد مؤسسة "هيريتدج" المحافظة في واشنطن إلغاء تفويضات الرئيس بالحرب ومعها مجموعة من المحاربين القدماء المهتمين بالشأن العام، فضلاً عن مجموعات ليبرالية تدعم الديمقراطيين.
وتطمح هذه القوى المؤثرة إلى إلغاء تفويض عام 2002 وتحفيز النقاش حول تفويض عام 2001، بينما يأمل المشرعون ومؤيدوهم في أن يكتسب الكونغرس نفوذاً أكبر للموافقة على شنّ الحروب حال كانت البلاد مضطرة إلى الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي.
شكوك وترقب
في المقابل، يعتقد المدافعون عن إبقاء تفويض عام 2001 أن الرؤساء سيكونون أكثر حساسية من الناحية السياسية لاستخدام سلطاتهم في تنفيذ أعمال عسكرية في غياب موافقة محددة من الكونغرس، إلا أن أحد أشرس المعارضين لهذا التوجه، وهو السيناتور الديمقراطي توم كين، أشار إلى الضربات الجوية الأخيرة التي شنها الرئيس جو بايدن في سوريا، والتي أمر بها من دون إذن من الكونغرس، ما يظهر أن السلطة التنفيذية، بغض النظر عن الحزب الذي تمثله، ستواصل توسيع سلطاتها الحربية.
وبينما يؤكد البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيظل ملتزماً بالعمل مع الكونغرس لضمان استبدال إطار ضيق ومحدد بالتفويضات القديمة لاستخدام القوة العسكرية، لضمان استمرار الإدارة في حماية الأميركيين من التهديدات الإرهابية، إلا أن قدراً من عدم اليقين ما زال راسخاً في ذهن عضوين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين وعديد من الجمهوريين الذين ما زالوا متشككين في إلغاء تفويض عام 2002.
ومع ذلك فقد أقر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين هذا الأسبوع، مثل السيناتور تيد كروز والسيناتور جوني إيرنست، وسوزان كولينز، وجوش هاولي، وجون ثون، وغيرهم من الجمهوريين أنهم منفتحون على إلغاء قانون تفويض الرئيس شنّ الحرب في العراق لعام 2002، لكن تفويض عام 2001 لشنّ الحرب ضد "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان، قد يكون من السابق لأوانه حسمه الآن، وإن كانت الضغوط تزيد يوماً بعد يوم لتحقيق هذا الهدف.