يشير خبراء إلى إن أستراليا سترفع صادراتها أكثر من المملكة المتحدة بست مرات، بفضل الصفقة التجارية المثيرة للجدل التي أبرمها البلدان. وإذ سترتفع مبيعات المملكة المتحدة بمجرد 0.35 في المئة نتيجة للاتفاق الجديد بحسب توقع "مرصد السياسة التجارية البريطانية"، فإن أستراليا ستحقق زيادة في الأعمال التجارية أكبر بكثير، تبلغ نسبتها 2.2 في المئة.
وفي سياق تحليلاته، يذكر المرصد أن الاتفاق سيتمخض عن ارتفاع ضئيل في الناتج الإجمالي للمملكة المتحدة يقدر بـ0.7 في المئة أي حوالى نصف نسبة الزيادة في الناتج الأسترالي التي يتكهن المرصد بأن تصل إلى 0.16 في المئة
واستطراداً، يشير البروفيسور مايكل غاسيورك، مدير ذلك المرصد في "جامعة سوسكس" إلى أن "هذه الأرقام صغيرة للغاية، إذ نلاحظ وجود تأثير إيجابي للاتفاق في أستراليا يفوق نظيره في المملكة المتحدة".
ويأتي الإعلان عن هذه النتائج في أعقاب إقرار الحكومة بأن الصفقة الجديدة ستعود على الأسرة البريطانية بمكاسب لا يزيد متوسطها على 1.20 جنيه استرليني (1.67 دولار) في العام، بينما سترفد الصفقة الناتج المحلي الإجمالي بما لا يُتوقع أن يزيد على 0.02 في المئة على امتداد 15 عاماً.
وحذّر البروفيسور غاسيورك أيضاً من احتمال حصول تراجع في تجارة المنتوجات الزراعية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ستكون الخسارة التي ينطوي عليها أكبر من أي زيادة يمكن أن تحققها الصفقة مع أستراليا. ورأى أن الخلافات مع بروكسل ربما تبدأ بمجرد أن تخفّف بريطانيا صرامة القواعد الناظمة في معايير الغذاء.
والأسبوع الماضي، رفضت ليز تروس، وزيرة التجارة الدولية، مراراً لدى إعلانها عن الصفقة، تقديم تعهدات بأن اللحوم المُعالَجَة بالمضادات الحيوية أو المبيدات الحشرية ستبقى محظورة ولا يسمح باستيرادها إلى المملكة المتحدة.
ويُذكر أن أستراليا تستعمل مضادات حيوية في تربية الدواجن تفوق الحد المسموح به في المملكة المتحدة بـ16 مرة. ويعطي ذلك الأمر الضوء الأخضر للمزارعين ومربّي الدواجن هناك (أستراليا) كي يحشروا الحيوانات معاً من أجل تقليل التكلفة، بالتالي خفض أسعار اللحوم، وذلك على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى تلك الممارسات.
وإذ تجنّبَت الإجابة مباشرة عن الأسئلة المتعلقة بالمضادات الحيوية، اتهمت الوزيرة تروس منتقديها بأنهم يطالبون بـ"مواءمة تنظيمية"، مشيرة إلى أننا "لا نخفض معايير استيراد الغذاء لدينا نتيجة تلك الصفقة".
وفي المقابل، نبّه البروفيسور غاسيورك إلى أن "ليبرالية الزراعة ربما تشكل سابقة في ما يتعلق بالاتفاقات التي قد تُعقد في المستقبل (مثلاً مع الولايات المتحدة الأميركية). وستنكشف مستقبلاً طبيعة ذلك الاتفاق وما يشمله من تفاصيل تتصل بمعايير الغذاء".
وأضاف غاسيورك أن "السماح باستيراد مواد غذائية لها معايير مختلفة عن تلك التي تطبقها دول الاتحاد الأوروبي، قد يتسبب فعلاً بصعوبات جديدة بالنسبة إلى عملية بروتوكول إيرلندا الشمالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك الصدد، اعتبر غاسيورك أنه إذا حالت الصفقة مع أستراليا دون التوصل إلى اتفاق مع بروكسل بشأن تخفيف وطأة عمل نقاط التفتيش على شواطئ البحر الإيرلندي، فإنها "ستؤدي إلى تقليص التجارة الزراعية بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ما ستنتج منه خسارة أكبر من الزيادة التي ستتحقق [بفضل الاتفاق التجاري] مع أستراليا".
وتخلص دراسة "مرصد السياسة التجارية البريطانية" التي تحلل تأثير الاتفاق في 148 قطاعاً وصناعة، إلى أن النمو الاقتصادي الذي ستُفضي إليه سيكون محدوداً، خصوصاً أن أستراليا بعيدة للغاية من المملكة المتحدة، واقتصادها صغير، إضافة إلى أن مستويات الرسوم الجمركية متدنية فيها.
وذكر البروفيسور غاسيورك أن "الصفقة من الناحية الاقتصادية تبقى بديلاً ضعيفاً لا يعوض التجارة مع الاتحاد الأوروبي التي خسرناها بسبب بريكست".
كما حذّر من أن ثمة تفاصيل بالغة الأهمية تتعلق بالخدمات والتجارة الرقمية والمشتريات العامة وقواعد المنشأ، لم تُحسم كلها بعد، والأغلب أن استكمال الاتفاقات بشأنها لن ينتهي قبل الخريف المقبل.
وتذكيراً، يُشار إلى أن الصفقة التي أبرمت مع أستراليا أثارت سلفاً قلق المزارعين. وخلافاً للتعهدات الحكومية بتوفير الحماية لمدة 15 عاماً، سيجري إلغاء الرسوم الجمركية بصورة فورية على لحوم البقر والضأن المستوردة.
وثمة غضب أيضاً لأن النواب لن يستطيعوا التدقيق في نص ذلك الاتفاق التجاري قبل الخريف، بحسب ما تستطيع "اندبندنت" تأكيده. وحين يصبح بوسعهم أن يمحّصوها، سيكون الأوان قد فات ولا جدوى من محاولة تعديلها، وفق ما يخشى بعض الناس.
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة أن المفاوضات ستبدأ مع الدول الـ11 الأعضاء في "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة عبر المحيط الهادي"، على أمل أن تُتوّج بانضمام المملكة المتحدة إلى هذا التحالف.
وفي ذلك الملمح، يصرّ الوزراء على أن الصفقة مع أستراليا تشكّل خطوة أولى نحو الجائزة الكبرى المتمثلة في عضوية "اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي"، الذي يعزز أعمال نصف مليار شخص في دوله التي يبلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي فيها 9 تريليون جنيه استرليني (12.54 تريليون دولار).
في المقابل، أثار خبراء في الاقتصاد بعض الشكوك بشأن المكاسب التي ستحققها المملكة المتحدة من انتسابها إلى تلك الشراكة، خصوصاً أن بريطانيا أبرمت سلفاً، أو ستبرم قريباً، اتفاقات تجارية مع سبع من أصل الدول الأعضاء الـ11، تشمل اليابان وسنغافورة وكندا.
© The Independent