تتجه الأنظار في تونس إلى قصر قرطاج حيث يُنتظر عقد لقاء بين الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، بوساطة من القيادي السابق في "حركة النهضة" الإسلامية لطفي زيتون.
وكان الأخير التقى سعيد في القصر الرئاسب وبحث معه الأوضاع العامة والقضايا السياسية والاجتماعية والقانونية في البلاد.
كما تطرّقا خلال اللقاء إلى مبادرة الحوار الوطني كحلّ للأزمة السياسية الراهنة، بينما لم يتضمن بيان رئاسة الجمهورية أي إشارة إلى وساطة يجريها زيتون. إلا أن اجتماعه مع الغنوشي، وترحيب الأخير وحركة النهضة بلقاء سعيد، يؤشر إلى وساطة في الخفاء يقوم بها القيادي "النهضوي" السابق، من أجل تقريب وجهات النظر بين رأسَي مؤسستَي الرئاسة والبرلمان.
ويعود آخر لقاء جمع سعيد والغنوشي إلى أبريل (نيسان) الماضي، عند حضور رئيس البرلمان موكب إحياء عيد الشهداء.
النهضة ترحب بلقاء الغنوشي - سعيد
وأعلنت "حركة النهضة" في بيان صدر يوم الثلاثاء 22 يونيو (حزيران) الحالي أن الغنوشي التقى زيتون بطلب من الأخير، موضحة أن الرجلين ناقشا اقتراح القيادي السابق، عقد اجتماع بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، للتداول بشأن الأوضاع الصعبة في البلاد.
وأشارت الحركة إلى أنه "في إطار حرص الغنوشي على الوفاء بقناعته الثابتة أنه لا سبيل لحل مشكلات تونس، إلا عن طريق الحوار"، رحّب بترتيب اللقاء المقترح.
زيتون يلتقي الطبوبي
وإثر لقائه الغنوشي، التقى زيتون الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وبحث معه الأزمة السياسية التي تمرّ بها البلاد وسبل تفعيل الحوار الوطني. وقال زيتون إن "الطبوبي أبدى انشغاله لتدهور الأوضاع المعيشية وتواصل الأزمة السياسية وتعطّل مبادرة الحوار الوطني، فيما أكد عزم الاتحاد مواصلة العمل على تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء وإخراج البلاد من أزمتها".
وتمرّ تونس منذ حوالى ستة أشهر بأسوأ أزمة سياسية في تاريخها، بعدما رفض رئيس الجمهورية الاعتراف بالتحوير الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي، في يناير (كانون الثاني) الماضي، ما دفعه إلى تكليف عدد من الوزراء بحقائب وزارية إضافية بالوكالة.
جهود دولية وأخرى محلية
فهل يمكن أن تفضي هذه الجهود إلى تحريك المشهد السياسي التونسي عبر التسريع بإجراء الحوار بين مؤسسات الحكم، والتوصل إلى توافقات تنهي الأزمة المتعددة الأبعاد، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً؟
رئيس "منتدى ابن رشد للدراسات" كمال بن يونس اعتبر أن "اللقاء المفاجئ بين القيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون، ورئيس الجمهورية قيس سعيد، كان في شكل وساطة، وبحسب بعض التسريبات، كان لقاءً مفيداً، وهو ما نتج منه تأجيل حوار صحافي كان يفترض أن يجريه الغنوشي مع إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة في تونس، وكان سيتوجه فيه بانتقادات لسعيد ولأداء مؤسسة الرئاسة، واقتراح آليات لتفعيل عمل الحكومة". وأضاف أنه "إلى حد الآن، يدور الحديث فقط عن التحضير للقاء منتظر سيجمع الفرقاء"، معرباً عن أمله في أن يفضي ذلك إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألمح إلى جهود دولية تُبذل في هذا السياق، مشيراً إلى أن أوروبا تسعى إلى ترسيخ الاستقرار في كل من تونس وليبيا من أجل الولوج إلى أفريقيا، والتي ربما تتظافر مع الوساطة المحلية بغية تحقيق انفراج ينتظره التونسيون.
وحذّر بن يونس من أن "المناورات واردة، إلا أن الوضع في البلاد لم يعُد يحتمل إهدار مزيد من الوقت".
هوّة سحيقة
كذلك اعتبر الباحث في التاريخ والعلوم السياسية محمد ذويب أن "الوضع في تونس، لم يعُد يحتمل المزيد من التأزم على مختلف المستويات السياسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية، وهو في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى حوار وطني، يسهم في إذابة الجليد وتقريب وجهات النظر".
ورحّب ذويب بالمبادرة، قائلاً إنها "يجب أن تعالج القضايا الحقيقية وترسم الخطوط الكبرى الكفيلة بمعالجة الأزمة"، داعياً الطرفين (رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية) إلى التنازل من أجل المصلحة الوطنية العليا".
وأشار إلى أن "الهوّة باتت سحيقة بين الجانبين، وسط تمسّك قيس سعيد بفتح ملفات الفساد، ورفع الحصانة عن عدد من النواب، بينما ترفض حركة النهضة هذا التوجه، وهو ما يجعل الآمال ضئيلة في تقديره لحل الأزمة".
علاقة فاترة
في المقابل، أكد النائب عن "حركة النهضة" محمد القوماني أن "العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لا تحتاج إلى وساطة، واللقاءات الدورية بينهم شرط أساسي لتأمين حكم مستقر وتعاون بين السلطات في إطار الدستور". وأضاف أنه "لم يعُد خافياً فتور العلاقة بين المسؤولين الثلاثة، بل تحوّلت إلى مناكفات سياسية". وذكّر بطلب الغنوشي مباشرةً من سعيد، تأمين لقاءات دورية بين الرؤساء الثلاثة لضمان السير الطبيعي لشؤون الدولة، معتبراً أن "الأزمة السياسية عطّلت الاقتصاد، وكانت لها تداعيات اجتماعية خطيرة، ما دفع إلى تقديم مبادرات لتذويب الجليد وتقريب وجهات النظر". وإذ أعرب عن عدم يقينه بما إذا كان الاجتماع سيحصل فعلاً أو لا، أضاف القوماني أن "الرؤية غير واضحة، إلا أن اللقاء سيكون خطوة إيجابية في اتجاه حل الأزمة".