فجر رئيس الجمهورية قيس سعيد مفاجأة أربكت المشهد السياسي في تونس، من خلال اقتراحه العودة إلى دستور يونيو (حزيران) 1959.
ويدل هذا المقترح على عدم رغبة الرئيس في اعتماد مبادرة الحوار الوطني، التي قدمها إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، وتتضمن حلولاً سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية للأزمة المتعددة الأبعاد التي تعيشها تونس منذ أشهر، وقد عمقتها حالة تنازع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث، في غياب المحكمة الدستورية.
وكان سعيد قد صرح في أكثر من مناسبة، أنه لن يتحاور مع من يعتبرهم لصوصاً. وصَدمت تصريحاته الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي لوح بسحب مبادرة الحوار التي تقدم بها إلى سعيد، بعد تشكيك رئيس الجمهورية في "وطنية" الحوار الوطني السابق، قبل أن توضح الرئاسة ما يقصده سعيد.
وقد اتصلت "اندبندنت عربية" بالملحق في الدائرة الدبلوماسية في رئاسة الجمهورية، وليد الحجام، لتوضيح موقف الرئاسة ممّا صدر عن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في خصوص اقتراح رئيس الجمهورية العودة إلى دستور 1959، إلا أنه أكد أن ليس لدى الرئاسة أي موقف ممّا تدُووِل، مضيفاً أنه في حال صدور موقف عن رئيس الجمهورية، فسيتم إطلاع الرأي العام عليه.
في غضون ذلك، تسود حال من الترقب الشارع التونسي، لما قد يؤول إليه الوضع في البلاد، وسط تمسك كل جهة بمواقفها، وعدم إبداء أي تنازلات من أجل المصلحة الوطنية.
ويرى متابعون للشأن العام في تونس، أنه طالما تسود حالة من انعدام الثقة بين المعنيين بالحوار، فإن احتمالات انفراج الوضع تبدو بعيدة المنال، والدليل ما يقترحه رئيس الجمهورية من عودة إلى دستور مضى على إلغاء العمل فيه عشر سنوات.
دستور 1959 مُلغى
لماذا يطرح رئيس الجمهورية، الآن، فكرة العودة إلى دستور 1959، وهل يمكن العودة إليه؟
وتوالت ردود الأفعال على اقتراح رئيس الجمهورية العودة إلى دستور 1959، بين من رفضه ومن اعتبره ارتداداً على المكاسب السياسية في تونس ما بعد 2011، وتوجهاً نحو نظام رئاسي قد يفتح الباب مجدداً أمام الاستبداد. وثمة من قلل من شأن الاقتراح، معتبراً أن دستور 1959 أُلغي ولم يُعلق.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، أن "دستور 1959 وقع إلغاؤه بمقتضى مرسوم مارس (آذار) 2011، وأنهاه دستور 2014"، مضيفاً أن "دستور 1959 أسقطته الثورة، لأنه لا يضمن استقلالية القضاء وكرس نظاماً رئاسياً".
ويعتبر الخرايفي أن "دستور 2014، متقدم في باب الحريات، مقارنة مع دستور1959". ويصف المقترح الصادر عن رئيس الجمهورية بـ"الارتداد"، نافياً وجود أي آلية دستورية تسمح بالعودة إلى الدستور السابق.
ويضيف الخرايفي أن "اقتراح رئيس الجمهورية يحمل مخاطر كبرى قد تقود البلاد إلى الفوضى، لأن هذه الفكرة ليست مطلباً متفقاً عليه من جميع التونسيين والتونسيات".
قيس سعيد ملزم احترام دستور 2014
من جهتها، تستغرب أستاذة القانون الدستوري، منى كريّم، الحديث عن دستور 1959 الملغى، الذي لا إمكانية لتنقيحه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول كريّم إن "دستور سنة 2014 ساري المفعول، ورئيس الجمهورية كان أدى اليمين الدستورية وفق مقتضيات هذا الدستور، وأقسم على احترامه والسهر على حمايته، وهو مطالب بالوفاء لهذا القسم واحترام الدستور الذي وصل بمقتضاه إلى سدة الحكم".
وتشدد على أن "آلية تنقيح دستور 2014، لا يمكن تنفيذها في غياب الإطار القانوني والمؤسساتي وهو المحكمة الدستورية". وتستدرك بالقول إنه "يمكن الاتفاق على النقاط المراد تنقيحها في إطار الحوار الوطني أو في مجلس النواب".
وبخصوص الاستفتاء على إمكانية العودة إلى دستور 1959 وتنقيحه، تقول كريّم، إن آلية الاستفتاء غير ممكنة، إلا بالنسبة إلى القوانين في مجالات معينة تهم الحقوق والحريات والمعاهدات الدولية".
النهضة ترفض الارتداد عن المكاسب
وتباينت ردود أفعال الأحزاب السياسية، إزاء اقتراح رئيس الجمهورية العودة إلى دستور 1959 بعد تنقيحه، فأكد رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس "حركة النهضة"، رفض الطرح، معتبراً أنه ''ارتداد على المكاسب التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية".
وانتقد الأمين العام لـ "حزب العمال" حمّة الهمّامي رغبة رئيس الجمهورية في العودة إلى دستور 1959، معتبراً ذلك "ارتداداً على الثورة وعودة إلى نظام رئاسوي مستبد".
في المقابل، أكد القيادي في "حزب التيار الديمقراطي" زياد الغناي، أن الحزب يدرس ما طرحه رئيس الجمهورية، من عودة إلى دستور 1959، وانتخابات سابقة لأوانها. واعتبر أن "الأزمة بلغت منتهاها ولا يمكن للوضع أن يتواصل بهذه الطريقة"، محذراً من أن البلاد في حالة تعطيل.