قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن صانع القرار الرئيس في إيران هو الشخص نفسه الذي كان قبل الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في 18 يونيو (حزيران) الحالي، وهو نفسه الذي كان عندما اتّفق على خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، وحين دخلت حيّز التنفيذ للمرة الأولى عام 2016، في ما بدا أنها إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.
ولفت برايس، خلال الإفادة الصحافية الأسبوعية في وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن الولايات المتحدة ستواصل التنسيق الوثيق مع حلفائها من مجموعة 5+1 وشركائها أيضاً، لمتابعة ما هو "في مصلحتنا الوطنية، وما هو في مصلحتهم ومصلحتنا المشتركة... ألا وهو منع إيران الدائم من الحصول على سلاح نووي". وأضاف أن واشنطن ستتشاور عن كثب مع حلفائها وشركائها، بما في ذلك الشركاء في المنطقة حول سبل معالجة المخاوف الأخرى التي تتعلق بإيران.
شواغل أخرى
وتحدث برايس عن "شواغل أخرى" تتعلق ببرنامج طهران للصواريخ الباليستية، الذي لم يشمله الاتفاق النووي لعام 2015، ودعمها جماعات الوكلاء والمتشددين في المنطقة والإرهابيين، بحسب قوله. وأكد أن واشنطن ستنسّق مع الشركاء الإقليميين لمعالجة هذه المخاوف، بعد ضمان عدم تمكّن إيران من الحصول على سلاح نووي من خلال العودة إلى الاتفاق.
في المقابل، وفي أول مؤتمر صحافي له بعد فوزه بالانتخابات، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن برنامج الصواريخ الباليستية "غير قابل للتفاوض"، على الرغم من ترحيبه بالمفاوضات مع القوى العالمية الجارية في فيينا، والتي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي.
وتعليقاً على ذلك، صرح برايس "قال الرئيس (جو بايدن) دائماً إن هدفنا هو أولاً العودة إلى الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة. لكننا قلنا باستمرار أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من أنها ضرورية، إلا أنها ليست كافية لأن لدينا أموراً أخرى مثيرة للقلق، بما في ذلك تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية وانتشار صواريخها. وسنتشاور عن كثب مع حلفائنا وشركائنا، بما في ذلك شركائنا في المنطقة بشكل حاسم، حول سبل معالجة ذلك".
وأشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية إلى أنه نظراً لأن إيران نأت بنفسها عن الاتفاق النووي، وسارعت إلى المضي قدماً ببرنامجها النووي، فإن "مخاوفنا الأخرى لم تتحسن، وفي كثير من الحالات، ازداد الأمر سوءاً بالفعل"، لافتاً إلى أن "ذلك يشمل دعم طهران للوكلاء والإرهابيين في المنطقة".
الجولة السابعة في فيينا
ولم يتحدد بعد موعد الجولة السابعة من محادثات فيينا غير المباشرة، التي يخوضها شركاء الولايات المتحدة، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى روسيا والصين، وحيث يقيم وفدا الولايات المتحدة وإيران في فندقَين منفصلين. لكن برايس أكد مواصلة مشاركة واشنطن لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي.
وعلى الرغم من إصرار الإدارة الأميركية وجدّيتها في السعي نحو هدفها ورغبة طهران باستعادة الاتفاق النووي، لكن مراقبين تحدثوا عن شكوك بشأن قدرتهما على تحقيق ذلك. وأحد الأسباب هو عدم الثقة العميق بين الأطراف، إذ كتبت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن رئيسي والنظام الإيراني يطلبان الآن مطالب مستحيلة، إذ تصرّ طهران تحديداً على ضمان عدم انسحاب أي إدارة أميركية مستقبلية من الاتفاق، مثلما فعل الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو أمر لا يستطيع الرئيس جو بايدن تقديمه.
السبب الآخر لتجدد الشكوك هو تبدّل الأمور كثيراً على الأرض بالنسبة إلى الجانبين. فالرئيس الأميركي غير مستعد للتراجع عن كل العقوبات التي فرضها ترمب في إطار ما سُمّي بـ "حملة الضغط القصوى". كما أن طهران تجاوزت كثيراً الحدود المسموح بها، لا سيما على الجانب التقني، بخاصة استخدام جهاز الطرد المركزي "آي أر-9" الجديد والأسرع كثيراً، الذي تختبره حالياً، وتقلّص جدولها الزمني للحصول على قنبلة إلى حد كبير.
ونقلت المجلة الأميركية عن علي فايز، رئيس "مشروع إيران" في "مجموعة الأزمات الدولية"، المساعد السابق المقرب للمفاوض الأميركي الرئيس في محادثات فيينا روبرت مالي، قوله إن "هناك إدراكاً لدى الجانبين أن استعادة الوضع السابق أمر ليس ممكناً تماماً... ليس من المرجح أن تحصل إيران على القدر ذاته من تخفيف العقوبات الذي حصلت عليه عامي 2015 و2016، ومن غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على التراجع عن كل العقوبات منذ انسحاب ترمب من الاتفاق عام 2018".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العقوبات وآفاق الاتفاق
ومع ذلك، فإن رغبة الجانبين، والدول الأوروبية التي توسطت في المحادثات في فيينا، باستعادة شكل من أشكال الاتفاق لا تزال باقية. وفي حين يستعد المفاوضون للجولة السابعة والأخيرة من المفاوضات، يعتقد المراقبون أن هناك الكثير من الحلول الوسط التقنية المطروحة بالفعل على الطاولة، فوفقاً لفايز، لا تزال هناك احتمالات التوصل إلى اتفاق ما، بنسبة 70 في المئة. وقال "أعتقد أنه أصبح واضحاً الآن ما هي الحدود الدنيا للجانبين. إذا عادت الأطراف إلى فيينا بالمرونة المطلوبة، فمن الممكن تماماً إنهاء هذا بحلول منتصف إلى أواخر يوليو" (تموز) المقبل.
ويواجه بايدن ضغوطاً هائلة من الكونغرس لتشديد شروط اتفاق 2015، إذ يصرّ المشرعون الأميركيون على صفقة أطول وأقوى تتضمن برنامج إيران الصاروخي ودعم جماعات الوكلاء الذين يرتكبون العنف في المنطقة.
في المقابل، تشدّد طهران على ضرورة إزالة كل العقوبات التي فرضها ترمب، التي تشمل أكثر من 700 عقوبة من خارج الاتفاقية النووية واستهدفت الشخصيات الرئيسة في النظام.
وقال فريق بايدن إنه لا يمكنه إزالة كل هذه العقوبات، ربما بما في ذلك العقوبات المفروضة على الرئيس الجديد رئيسي بسبب مشاركته في إعدام آلاف المعارضين في أواخر الثمانينيات وحملة قمع عنيفة أخرى عام 2009. لكن عقوبات أخرى، مثل تلك المفروضة على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من المحتمل رفعها في ظل العودة إلى الاتفاقية.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، ألغت إدارة بايدن بشكل استباقي العقوبات المفروضة على بعض الإيرانيين المتورطين في تجارة النفط من خلال "شبكة من الشركات الوهمية والوسطاء". وفُسّرت هذه الخطوة على أنها إغراء لطهران، لكن في الوقت ذاته، أضافت واشنطن عقوبات أخرى على إيرانيين متهمين بتقديم الدعم المالي للمتمردين الحوثيين في اليمن.
وتحتاج طهران إلى الإفراج عن عشرات مليارات الدولارات من الأصول المجمدة، على الرغم من أن ذلك ربما لا يعالج بشكل قاطع الضرر العام الذي لحق بالاقتصاد الوطني منذ أن فرض ترمب مئات العقوبات الإضافية، بما في ذلك تلك التي استهدفت البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة الناقلات الوطنية الإيرانية. وقال ظريف أخيراً إن "الأضرار التراكمية الناجمة عن عقوبات ترمب بلغت حوالى تريليون دولار"، مطالباً بـ"تعويضات". لكن هذا الرقم ربما يكون مبالغاً فيه، مقارنةً بتعليقات سابقة أدلى بها في سبتمبر (أيلول) 2020، الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني، قدّر فيها حجم الأضرار بنحو 150 مليار دولار.