"الثراء السريع" عادة ما يكون ثمنه باهظاً، وقد يتحمله المتداولون في العملات المشفرة التي لا تخضع لأي ضوابط مالية أو مصرفية، وهي العملات التي يتفق المحللون الماليون على أنها الأعلى في المخاطر والأكثر توليداً للديون. وبحسب أحد المتخصصين الذين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، فإن أكثر من 50 في المئة من السيولة المستخدمة في تداولات العملات المشفرة مقترضة. ما يدفع نحو تعظيم الديون في تداول العملات المشفرة التي تتوسع التعاملات فيها بشكل سريع. فالجميع يبحث عن الثراء السريع. وما بين تشديد القيود على العملات المشفرة، كما فعلت الصين التي أغلقت المناجم التي تلد العملات المشفرة وتحذيرات "المركزي" الصيني البنوك والمؤسسات المالية من التعامل أو القبول بالعملات المشفرة، وبين القبول بها كعملات قانونية، كما فعل برلمان السلفادور في مطلع يونيو (حزيران) الجاري، وقد صدق على قانون يعتبر العملة الإلكترونية "بيتكوين" قانونية، في خطوة غير مسبوقة في العالم لتعزيز نمو الدولة الواقعة في أميركا الوسطى حيث سيُسمح باستخدام "بيتكوين" في العديد من الأمور الحياتية اليومية بدءاً بشراء عقارات وصولاً إلى سداد الضرائب، تبقى عيون الباحثين عن الثراء السريع مصوبة تجاه العملات المشفرة. ولعل إطلاق صندوق "بيتكوين" في بورصة ناسداك دبي الأول من نوعه في المنطقة، الأربعاء 23 يونيو (حزيران)، والمستند إلى الأصول الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعطي الأمل بتداول منظم لعملة "بيتكوين" المشفرة. ما يقود إلى تقليل المخاطر، وبالتالي الخسائر.
مخاطر عالية
يقول المحلل في أسواق المال عميد كنعان "من الواضح أن العملات المشفرة تحمل مخاطر عالية جداً، وهي جلية في التذبذبات الكثيرة التي نراها في أسعار العملات المشفرة". ويضيف كنعان "لقد رأينا حجم التذبذبات العالية جداً والتي رأيناها في عملة بيتكوين، وهي الأشهر في العملات المشفرة ووصل سعر القطعة الواحدة منها إلى 64 ألف دولار، وأمس هبطت إلى 25,500، وبالتالي رأينا حجم دمار كبير لمن اشتروا بيتكوين بأسعار مرتفعة... وهذا ما أسميه ثراء ودماراً مفاجئين في الوقت نفسه". ويتابع "الغرض من الدخول في هذه التداولات تحقيق الثراء السريع، وله كلفته العالية جداً، إضافة إلى المخاطر الكبيرة التي يحملها التداول في العملات المشفرة. وما حدث اليوم هو أننا رأينا أول تداول منظم لعملة بيتكوين المشفرة في بورصة ناسداك دبي، وهو التداول المنظم الأول على مستوى المنطقة، ضمن أنظمة وضوابط. ما يعطي الأمل ببداية تداول منظم للعملات المشفرة. وهذا بالضبط ما يجب أن يحصل. وفي إمكان مشتري بيتكوين في ناسداك دبي شراء وحدات صغيرة منها وليس بالضرورة قطعة بيتكوين كاملة. وهذا في حد ذاته يقلل المخاطر.
تداول الشباب والثراء السريع
ويقول كنعان، إن "التحوط في العملات المشفر ممكن، وكذلك البيع في حال هبوط الأسواق. ويلفت إلى "الارتفاعات والانخفاضات في سعر بيتكوين بسبب كلمة أو تصريح من شخصيات اقتصادية مهمة، كما رأينا عندما أعلن إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لتيسلا عن بيع السيارات الكهربائية ببيتكوين. ما تسبب بموجة ارتفاعات كبيرة، وعاد وتراجع عن تصريحات لتهبط العملة المشفرة هبوطاً كبيراً. وحتى الدولة التي صرحت بأنها ستعتمدها كعملة قانونية مثل السلفادور فهي لا تملك عملة وبالتالي ليس لديها ما تخسره".
ويعتقد كنعان أن "العملات المشفرة خلقت مزيداً من المخاطر والتخبط في الأسواق، وفي النهاية لا مفر من كلفة عالية على الأشخاص المقبلين على التداول في العملات المشفرة، وخصوصاً أننا نرى الشباب يتجهون إلى التداول في بيتكوين. وكنت آمل لو كان لدينا إحصائية ترصد هذه البيانات المهمة، وخصوصاً أن هذه الفئة العمرية تبحث عن الثراء السريع، وهي الفئة التي تشكل الغالبية العظمى من المتداولين في العملات المشفرة.
منصات التداول في الشرق الأوسط
ويشير كنعان إلى ما يسميه "خذلان منصات التداول في منطقة الشرق الأوسط للمتداولين، سواء على مستوى الإيداعات أو السحب أو التعطل الخ، وبالتالي فهي غير موثوقة".
وينتقد كنعان غياب البيانات في التداول في العملات المشفرة، قائلا إن "العملات المشفرة لا تغيب فيها الضوابط المالية والمصرفية فحسب بل البيانات أيضاً، فحجم الاقتراض والتداول غير موثق فهي في المجهول ومخاطرها عالية جداً. وقد سببت الانخفاضات الأخيرة للعملات المشفرة وعلى رأسها بيتكوين بدمار كثير من الناس مع الأخذ في الاعتبار منصات التداول في المنطقة وتعطل هذه المنصات وعدم تجاوبها مع المستثمرين وعدم إمكانية السحب في بعض الأوقات وحتى الإيداع، وبالتالي يجب الوقوف عندها وتنظيم العملة المشفرة بكل المقاييس.
الاقتراض الشديد
ويعتبر المصرفي في دبي حسن الريس أن "التعاملات في العملات المشفرة تنطوي على الاقتراض الشديد من شركات الوساطة التي تؤمن قروضاً للمتداولين بعد تأمين عمولاتها". ويضيف أن "القروض المستخدمة في التداول في العملات المشفرة قد يكون مصدرها وسطاء أفراد أو شركات وساطة وقروض مصرفية بشكل غير مباشرة، حتى إن شركات الوساطة تقبل بالبطاقات الائتمانية في التداول (وهي أموال مملوكة للبنك وليس لصاحب البطاقة)، وعند خسارة المتداول رأس ماله في التداول بالعملات المشفرة يصبح مطالباً بسداد الديون الكبيرة التي اقترضها للتداول. ما يجعل المستفيد الأول والأخير من التداول في العملات المشفرة والرابح الأكبر شركات الوساطة". ويكشف الريس عن أنه "أكثر من 50 في المئة من السيولة المتداولة في العملات المشفرة هي سيولة مُقترضة، والنسبة قد تكون أكبر من ذلك بكثير". ويتابع "حتى أن شركات الوساطة تضع تنبيهاً في السوق في حال هبطت العملة المشفرة لرقم معين يتم البيع السريع، وهنا يخسر العميل ولكن شركة الوساطة لا تخسر فعمولتها تم تأمينها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدعو الريس المتعاملين المتداولين بالعملات المشفرة إلى عدم الاقتراض، وينصح من يمتلكون محافظ استثمارية بأن يستخدموا جزءاً بسيطاً منها فقط في العملات المشفرة بسبب مخاطر الاقتراض الكبيرة لهذه العملات.
ويضيف الريس أن "العملات المشفرة أصبحت كثيرة، وهي موجهة لتحقيق الربح السريع، ولا تمتلك قاعدة استثمارية أو موازنة أو عوائد استثمار محددة ولا ترتبط بأي ضوابط مالية أو مصرفية". ولكنه يلفت إلى جانب إيجابي، إذ "في الإمكان استخدام العملات المشفرة مستقبلاً في حلول الدفع فحسب، في حال جرى تنظيمها من جانب الحكومات".
غياب الشفافية
وفي حين يقلل باراس شهدادبوري، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "نيكاي"، والرئيس السابق للمجلس الهندي لرجال الأعمال والمغتربين في دبي، من مخاطر تسبب العملات المشفرة من أزمة مالية جديدة بفعل الاقتراض الضخم من أجل التداول في هذه العملات، يقول إن "المخاطر موجودة في كل توجه استثماري، سواء في أسواق المال أو صناديق التحوط أو غيرها من الاستثمارات، وبالتالي إمكانية الخسارة واردة في أي استثمار، ولا أرى المخاطرة كبيرة جداً في العملات المشفرة، ولكن ما نحن بحاجة إليه هو رؤية شفافية كاملة في التداول في هذه العملات مع ضرورة أن تخضع هذه العملات للضوابط المصرفية في كل دولة".
ويتفق شهدادبوري مع الريس في أن العملات المشفرة يمكن أن تكون مفيدة في عمليات الدفع، ولكن في حال خضعت للضوابط التنظيمية المصرفية وفي حال وجود شفافية في كيفية التداول.
ويصر رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "نيكاي"، على غياب الشفافية الكاملة في العملات المشفرة، وهو ما جعل الحكومات والبنوك في العالم لا تقبل بالعملات المشفرة كعملة قانونية. ولكنه يقول "في حال اعترفت الدول والبنوك في العالم بهذه العملات كعملات قانونية ستحلق هذه العملات عالياً". ويضيف أن "حالة التذبذب التي تعيشها العملات المشفرة، التي تشهد ارتفاعات كبيرة وسرعان ما تعاود الهبوط الكبير، بسبب غياب الثقة في هذه العملات، إلى جانب أن الحكومات لا تزال غير متأكدة من مصدر السيولة التي تأتي عبر العملات المشفرة إن كانت مخدرات أو غيرها من الأنشطة غير الشرعية، أو إن كان هناك مسؤولية كاملة وشفافية كاملة في تحويلات هذه العملات.