شنّ بنك التسويات الدولية، الذي يعد البنك المركزي العالمي، هجوماً غير مسبوق على العملات المشفرة والعملات الرقمية الأخرى التي يصدرها القطاع الخاص، ووصفها بأنها "زائدة دودية" للنظام المالي العالمي.
وفي تقرير شديد اللهجة أصدره البنك ومقره في سويسرا فإن "بيتكوين" وأمثالها ليس لها سوى "ما لا يذكر من قيمة الاسترداد"، وإنها لا تخدم أي مصلحة عامة لنظم المدفوعات والتحويلات. وخلص التقرير إلى أن العملات المشفرة والعملات الرقمية الخاصة الأخرى "تضر بالمصلحة العامة".
وانتقد التقرير "الاستخدام المبذر للطاقة" في عمليات المشفرات وأمثالها، وأضاف أنها ليست سوى "أصول للمضاربات وليست عملات، وفي حالات كثيرة تستخدم في تسهيل غسل الأموال، وهجمات القرصنة للحصول على فدية وغيرها من الجرائم المالية".
والمقصود بالعملات الرقمية الخاصة، غير "بيتكوين" و"إيثيريوم" وأمثالهما التي تتمتع بالاستقلالية التامة والسرية الكاملة ومجهولية الأصل والتعامل، هي العملات التي تصدر من شركات مثل العملة التي ينوي "فيسبوك" استخدامها "ليبرا دييم". و"ليبرا" وأمثالها عملات رقمية مشفرة لكنها مربوطة بالدولار الأميركي.
أمّا العملات المشفرة، التي بدأت بعملة "بيتكوين" عام 2008، فهي مجرد سلسلة من برمجيات الكمبيوتر على شبكة "بلوكتشين"، ولا توجد أي سلطة تنظمها أو تضمن قيمتها، ويتمتع التعامل فيها بالسرية التامة، فلا يعرف من يملك ماذا ولا هوية المتعاملين بها بأي شكل. وهذا ما جعلها منذ البداية وسيلة معاملات رئيسة لعصابات الجريمة المنظمة من تجارة مخدرات إلى تجارة البشر على الإنترنت المخفي أو الويب الأسود.
النقد الرقمي
وفي رد على ما يروّج له مؤيدو العملات المشفرة من أنها توشك أن تصبح عملة تحويلات ومدفوعات مقابل السلع والخدمات، نفى تقرير بنك التسويات الدولية ذلك بشدة، مؤكداً أن تلك المشفرات أبعد ما تكون عن كونها عملة أصلاً.
وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير أن توسع البنوك المركزية في إصدار العملات الرقمية الرسمية المرتبطة بالعملات الوطنية "يضع حداً لذلك الاضطراب الذي سببته المشفرات ويوفر السيولة والضمان، ويشكل العصب الرئيس لنظام مدفوعات رقمي عالي الكفاءة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالفعل بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة حول العالم الاستعداد لطرح عملات رقمية مرتبطة بالعملات الوطنية الرسمية العادية. ومنذ ست سنوات بدأت الصين تطوير اليوان الرقمي، الذي يجري تجريبه منذ العام الماضي للاستخدام في المدفوعات والتحويلات في الصين قبل إطلاقه رسمياً.
كذلك بدأ البنك المركزي الأوروبي العمل على إطلاق اليورو الرقمي. ويدرس بنك إنجلترا إطلاق الجنيه الاسترليني الرقمي. كما أبدت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، موافقتها على البدء في الاستعداد لإصدار الدولار الرقمي.
ورغم تأكيد بيان بنك التسويات الدولية أهمية التكنولوجيا في تطوير العملات الرقمية الرسمية، فإنه انتقد ما تقوم به شركات التكنولوجيا الكبرى من محاولة تكوين نظام خاص بها خارج النظام المالي العالمي. وقال التقرير، "تجد البنوك المركزية نفسها في خضم التحول السريع للقطاع المالي ونظم المدفوعات، إنما الابتكارات مثل العملات المشفرة والعملات الرقمية الخاصة والنظم المغلقة لشركات التكنولوجيا الكبرى فتميل إلى العمل ضد المصلحة العامة التي تعد ركيزة نظام المدفوعات العالمي".
مخاطر مصرفية
في وقت سابق من هذا الشهر، طالبت لجنة بازل للمراقبة المصرفية التي تنظم عمل البنوك حول العالم البنوك بأن تخصص كميات كبيرة من سيولتها كضمان لأي أصول مرتبطة بالعملات المشفرة. وطالبت اللجنة البنوك بالاحتفاظ بملاءة أمان تساوي مئة ضعف أي أصول مرتبطة بالعملات المشفرة، خشية انهيار قيمة تلك الأصول إلى الصفر ما يعرض بانكشاف البنوك على مخاطر هائلة.
على سبيل المثال، طلبت اللجنة أن يكون ضمان المخاطر لدى البنوك بالنسبة إلى المشفرات وأي أصول مرتبطة بها بنسبة 1250 في المئة. ويمكن تصور حجم هذا الضمان إذا عرفنا مثلاً أن ضمان المخاطر لدى البنوك يكون غالباً في حدود 10 في المئة من قيمة أي أصل، وليكن مثلاً كضمانات قروض الرهن العقاري.
وترى لجنة بازل أن العملات المشفرة وأمثالها ليس لها أي أصل حقيقي يمكن العودة إليه من قبل البنوك في حال انهيار القيمة، وهو أمر وارد في ظل ما تشهده أسعار تلك المشفرات من تقلبات هائلة. بينما في حالة أي أصول مرتبطة بالعقار مثلاً، فيمكن للبنوك العودة على الأصل المادي، مثل الاستحواذ على العقار وبيعه في مزاد أو ما شابه.