عاد الهجوم على أبراج الضغط العالي لنقل الطاقة الكهربائية في عدد من المدن العراقية خصوصاً في مناطق شمال بغداد بالتزامن مع دخول البلاد موجات حر شديدة تزيد من استهلاك الطاقة بمعدلات كبيرة مقارنة بالأسابيع الماضية.
وشهدت الأسابيع والأيام القليلة الماضية هجمات عديدة على أبراج نقل الطاقة الكهربائية في مناطق "ديالى، وصلاح الدين، وغرب نينوى، وكركوك، وأطراف بغداد الشمالية"، مما تسبب في تراجع كبير في تجهيز الطاقة الكهربائية لأغلب المدن العراقية وانقطاعها بشكل كامل عن بعضها مثل الناصرية والكوت والمثنى والديوانية.
الكاظمي يوجه بحماية قصوى
ويرى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن هناك استهدافات متكررة ومقصودة لأبراج الطاقة الكهربائية في عدد من المحافظات.
وقال الكاظمي، إن هذه الاستهدافات تؤثر في ساعات تزويد المناطق بالطاقة وتفاقم من معاناة المواطنين، موجهاً قيادات العمليات والأجهزة الاستخبارية بمعالجة هذه الاستهدافات وحماية أبراج الطاقة وملاحقة الجماعات الإجرامية.
وسيكون الصيف الحالي اختباراً صعباً للحكومة العراقية لمعرفة قدرتها في التعامل مع ملف الكهرباء خصوصاً وأن بغداد تستعد لافتتاح محطات كهرباء خلال الأسابيع المقبلة تبلغ طاقتها الجديدة أكثر من 3500 ميغاوات تعتمد على وقود متنوع لتتمكن من إنتاج أكثر من 21 ألف ميغاوات والتقليل من سخونة الصيف من دون تظاهرات ضخمة كما يحصل في كل عام باستثناء العام الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا.
وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط نظام صدام حسين إيجاد حلول لهذه المعضلة عبر سلسة من المشاريع لتشييد محطات إنتاج جديدة في مناطق مختلفة من البلاد لتصل بالإنتاج إلى نحو 17 ألف ميغاوات إلا أنها لم تعد كافية لتجهيز المواطنين بالطاقة على طوال اليوم بسبب التجاوزات الكبيرة على الشبكة وتأخر صيانة المحطات ونقص الوقود، مما جعل الاعتماد على أصحاب محطات إنتاج الكهرباء الأهلية ذات القدرات المحدودة في الإنتاج هو الأساس في الحياة اليومية.
ولعل الحكومة العراقية وقعت في اختبار آخر يتمثل في تأمين نقل ما ينتج من طاقة كهربائية من المحطات الكهربائية عبر خطوط نقل الطاقة إلى محافظات العراق المختلفة من غير استهداف.
المسيرة تدخل المواجهة
وكشفت وزارة الداخلية العراقية عن خطط لتوظيف طائرات مسيرة لحماية خطوط نقل الطاقة في جميع مناطق البلاد.
وقال المتحدث باسم الوزارة، اللواء خالد المحنا في تصريحات صحافية "إن الوزارة تسعى لاستخدام الطائرات المسيرة في حماية الخطوط الكهربائية"، مشيراً إلى أن "هناك تفاوضاً مع شركات صينية بهذا الصدد، فضلاً عن وجود دعم دولي للعراق في هذا المجال".
وأشار المحنا إلى أنه "سيتم توقيع عقد لجلب طائرات لحماية الحدود وحماية خطوط الكهرباء والمنتجات النفطية".
وتجاوز إنتاج الكهرباء العراقي خلال الأسبوع الماضي الـ21 ألف ميغاوات ضمن خط وزارة الكهرباء للوصول إلى إنتاج يبلغ 22 ألف ميغاوات خلال الصيف الحالي لسد جزء كبير من الطلب المتصاعد على الطاقة خلال فترة الصيف.
مقترحات عدة للحماية
ويشير المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى إلى تقديم وزارته عدة مقترحات لحماية أبراج نقل الطاقة الكهربائية، موكداً استمرار الاستهداف لهذه الأبراج في المناطق الساخنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف موسى "أن الوزارة قدمت عدة مقترحات إلى رئيس الوزراء لحماية أبراج نقل الطاقة الكهربائية تتمثل في تسيير طائرات مسيرة أو نصب كاميرات حرارية أو تسيير قطعات في المناطق المستهدفة"، لافتاً إلى أن استهداف هذه الأبراج هدفه الإضرار بالمواطن وعزل المحافظات مما أدى إلى تراجع تجهيز الطاقة الكهربائية.
الهجمات مستمرة
وأوضح أن الكاظمي وجه خلال اجتماعه بالقيادات الأمنية بضرورة تأمين الحماية اللازمة لهذه الأبراج، كاشفاً عن أن عمليات الاستهداف متكررة، حيث تم استهداف خط ديالى - شرق بغداد وخط ملا عبد الله.
ويتابع موسى أن الاستهداف كان في خطوط نقل الطاقة بالمناطق الساخنة سواء في صلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك وأطراف بغداد مما أدى إلى تضرر جميع المنظومة الكهربائية، مؤكداً أن جميع المحافظات مربوطة بهذه الخطوط وأي فقدان أو خسارة لأي منها تتأثر به المنظومة الكهربائية عموماً.
وأدت عودة استهداف أبراج نقل الطاقة إلى أضرار كبيرة خلال الأيام الماضية مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يتطلب خطوات جدية من قبل الحكومة العراقية لحمايتها وإيقاف هذه الهجمات عبر وسائل غير تقليدية، كما هو معمول به حالياً.
شركات أمنية وكاميرات حرارية
ويدعو المتخصص في مجال الطاقة فرات الموسوي إلى الاستعانة بكاميرات حرارية لمراقبة أبراج الطاقة بدلاً من حمايتها عن طريق القطعات العسكرية، فيما يشير إلى أن أبراج الطاقة تسير بمناطق وعرة يصعب حمايتها بالطرق التقليدية.
ويضيف الموسوي أن "أبراج الطاقة تسير بمناطق حرجة "كتلال حمرين" الوعرة وفيها عمليات عسكرية مستمرة ومن الصعب حمايتها من خلال الطرق التقليدية المتمثلة في نشر قطعات عسكرية على طول الطريق الممتد لمسافات طويلة".
ويشير إلى وجود شركات تكاليفها أرخص من تسخير القوات العسكرية عبر استخدام الكاميرات الحرارية تراقب من خلال أشخاص بغرفة تحكم عبر الشاشات وأي خطأ يحدث في تلك الأبراج هناك مروحيات خاصة صغيرة الحجم تذهب لمكان العطب ليتم إصلاحه أو إذا ما تم استهداف تلك الأبراج فيتم القبض على الأشخاص الذين قاموا بذلك خلال وقت قصير بعد رصدهم من خلال تلك الكاميرات.
الاستعانة بـ"سيمنز"
ويتابع الموسوي أن بإمكان الدولة العراقية الاستعانة بشركة "سيمنز" الألمانية العاملة في العراق بمجال الطاقة، والتي لديها هذه التقنيات المتبعة في أغلب دول العالم، محذراً من زيادة عملية استهداف أبراج الطاقة خلال الفترة المقبلة لا سيما مع قرب موسم الانتخابات واستغلال بعض الجماعات هذا الملف لإحداث كثير من المشاكل خصوصاً في ذروة فصل الصيف كون أن الاستقرار الأمني مرتبط باستقرار الطاقة.
مناطق نفوذ "داعش"
بدوره يشير المتخصص الأمني سرمد البياتي إلى أن المناطق التي تستهدف بها أبراج الطاقة الكهربائية هي مناطق نفوذ "داعش"، مشيراً إلى أن الحلول تتمثل في طائرات مسيرة مسلحة أو كاميرات حرارية مزودة بأسلحة تعمل آلياً.
وقال البياتي، إن "أغلب الأماكن التي يتم فيها استهداف أبراج نقل الطاقة الكهربائية هي مناطق نفوذ "داعش" وأن استهداف هذه الأبراج هدفه التأثير على المواطن من أجل إيصال رسالة مفادها نحن موجودون".
ويضيف أن متابعة هذا الموضوع صعب جداً لأن الأبراج موجودة في مناطق بعيدة وعلى الرغم من وجود دوريات فإنه ليس من المعقول أن تضع رجل أمن قرب كل برج طاقة كهربائية، مبيناً أن هذا الموضوع لا يعالج بهذا الشكل وإنما بالوصول إلى الجناة وأماكن وجودهم.
ويتابع البياتي أن هذا الأسلوب يعتبر من أخبث الأعمال ولا يقل خطورة عن التعرض بالسلاح لأنه يؤثر بصورة أكبر، وأن المناطق التي تجري فيها هذه العمليات مناطق نفوذ "داعش" ولذلك بصمة "داعش" واضحة.
ويعتبر البياتي أن أفضل الطرق هو تسيير طائرات مسيرة مسلحة بدلاً من طائرات مسيرة للرصد لمعالجة الأهداف التي تحاول استهداف هذه الأبراج أو استعمال كاميرات حرارية مسلحة تعمل بصورة آلية لردع المهاجمين.
ويمثل ملف الكهرباء في العراق معضلة استعصت على جميع الحكومات منذ تعرض هذا القطاع الحيوي إلى التدمير بشكل شبه شامل خلال عملية "عاصفة الصحراء" في عام 1991 وما بعدها من عقوبات استمرت لأكثر من عقد، أدت إلى تراجع هذا القطاع بشكل كبير قبيل عام 2003 ليصل إنتاج العراق إلى نحو 3000 ميغاوات.