بعد مضي أقل من أسبوع على الهجوم الدراماتيكي الذي استهدف مكاتب تحرير يومية "آبل ديلي" Apple Daily، أشهر الصحف المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وتجميد أصولها، أعلنت الصحيفة، الأربعاء الماضي، أن نسختها الورقية ستصدر في عدد أخير حددت موعداً له، الخميس الماضي. وأوضحت الصحيفة نفسها أنها ستتوقف عن الطباعة، ونشر تحديثات عبر صفحتها على الإنترنت، مع حلول منتصف ليل ذلك اليوم نفسه.
وقد أدى الإعلان إلى تقديم بمقدار يومين لموعد تطبيق خطة اعتمدت بعد أن طرحها مجلس إدارة الشركة الأم "نكست ديجيتال" Next Digital. وقضت الخطة الأصلية بأن ينشر العدد الأخير من الصحيفة، السبت المقبل.
وفي موقعها على الإنترنت كتبت الصحيفة أنه "حرصاً على سلامة الموظفين والقوى العاملة التي ما زالت موجودة في غرفة التحرير، فقد قررنا وقف العمل بعد منتصف ليل الخميس (الماضي)، ونشر آخر صحيفة ورقية في اليوم نفسه".
واستطراداً، اعتبر بعض المراقبين أن مبادرة الحكومة إلى تجميد جميع أصول صحيفة "آبل ديلي" تقريباً، تشكل فرض حظر فعلي على المؤسسة الناشرة بكاملها.
وفي هذا الإطار، ذكرت كاي أونغ الباحثة في "منظمة العفو الدولية" Amnesty International، "لا يمكنك القبض على رئيس التحرير وكبار المسؤولين التنفيذيين في الصحيفة، ثم تتوقع من أعضاء الفريق أن يكونوا قادرين على مواصلة العمل. لقد حظرت الحكومة يومية "آبل ديلي" لأنها تنتقد سياساتها".
في المقابل، رأت لويزا ليم المحاضرة البارزة في "جامعة ملبورن" والصحافية التي كتبت مقالات كثيرة عن هونغ كونغ، أن إغلاق صحيفة "آبل ديلي" شكل ضربة قوية لحرية الإعلام وتنوع وسائل الإعلام في المستعمرة البريطانية السابقة.
وأضافت ليم، "كانت يومية "آبل ديلي" أكثر الصحف المؤيدة للديمقراطية جرأةً وأكثرها صراحةً في هونغ كونغ. وكذلك فإنها تحظى بشعبية واسعة لدى القراء. وقد قدمت "آبل ديلي" في مناسبات معينة، صفحة أولى مختلفة عن جميع الصحف الأخرى في هونغ كونغ".
في المقابل، وصفت كاي أونغ ولويزا ليم الاعتقال الأخير لكاتب رأي في صحيفة "آبل ديلي"، بأنه عمل "مخيف على نحو لا يصدق"، لأن الخطوة أظهرت أن التعبير عن رأي ما في إحدى الصحف يمكن أن ينتهي باعتقال صاحبه بموجب "قانون الأمن القومي" National Security Law. وأشارت أونغ إلى أنه "من الممكن، بحسب ذلك القانون، استهداف الأشخاص العاملين في وسائل الإعلام المحلية والدولية، إضافة إلى الأفراد الذين يتحدثون عن أي شيء يتعلق بهونغ كونغ في المقابلات الصحافية".
وأضافت الباحثة في "منظمة العفو الدولية" أنه إلى جانب تنفيذ اعتقالات بالاستناد إلى المقالات التي نشرتها وسائل الإعلام، برز احتمال تمرير قانون يتعلق بالأخبار الكاذبة، مع ميل الحكومة إلى تشويه التغطية التي تنتقدها باعتبارها "أخباراً مزيفة". ويشكل الأمران تعبيراً عن تصميم السلطات الحكومية في مقاطعة هونغ كونغ على إحكام سيطرتها على وسائل الإعلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما بدا واضحاً أن الحكومة تريد استئصال أصوات المعارضة في وسائل الإعلام، أشارت ليم إلى أنه لا توجد خطوط حمر واضحة للصحافيين بموجب "قانون الأمن القومي". وأضافت، "لا بل يمكنك القول إنه لا توجد خطوط حمر أو أن تلك الخطوط موجودة في كل مكان".
وتابعت المحاضرة في "جامعة ملبورن" معتبرة أنه "بناءً على ما أفاد به المسؤولون الأسبوع الماضي، ليس من الواضح إذا كانت المقالات التي أدت إلى تجميد أصول الصحيفة وحصول الاعتقالات، هي مقالات رأي أو مقالات إخبارية. أعتقد أن من الصعب حقاً على الصحافيين أن يعملوا هناك في ظل هذه البيئة المستجدة، لأن أحداً لا يعرف أين تكمن تلك الخطوط الحمر".
وفي ذلك الصدد، رأت كاي أونغ أنه سيكون في الواقع صعباً على الصحافيين في المستقبل محاسبة الحكومة ومساءلتها، أو الإبلاغ عن أي شيء يجعلها عرضة للانتقاد، من دون أن ينتابهم شعور بالإحباط أو القلق. وكذلك أعربت عن اعتقادها بأن كل هذا يعود إلى الطبيعة غير المحددة لـ"قانون الأمن القومي" في هونغ كونغ.
وأضافت، "أن الصحافيين سيكونون في حيرة من أمرهم، ولا يعرفون إذا كان من شأن كلماتهم أو أفعالهم أن تنتهك "قانون الأمن القومي" أم لا. فعندما يؤدون واجبهم الصحافي، سيراودهم دائماً هذا التساؤل، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوء نوع من الرقابة الذاتية".
هل ثمة احتمال بحدوث هجرة جماعية لوسائل إعلامية أخرى؟
لن يكون الصحافيون وحدهم ممن سيتأثرون بمفاعيل "قانون الأمن القومي" على وسائل الإعلام. ففي الشهر الماضي، رفض طلب إطلاق سراح النائبة السابقة المؤيدة للديمقراطية كلوديا مو بكفالة، بعد ما اعتبرت "المحكمة العليا في هونغ كونغ" أن رسائل "واتساب" تبادلتها مع صحافيين يعملون في مؤسسات إعلامية الدولية، تعد دليلاً على أنها قد تستمر في تعريض الأمن القومي للمدينة للخطر، إذا أفرج عنها بكفالة.
وفي هذا السياق، علقت لويزا ليم مشيرة إلى "أن مجمل هذه التحركات تحمل في طياتها هدفاً وحيداً يتمثل في القضاء على أي مساحة للتعبير عن آراء أخرى".
ورجحت أنه، على المدى الطويل، ستسعى بعض وسائل الإعلام الدولية التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً إقليمياً لها، إلى تقليص عملياتها في المدينة. ففي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" أنها ستنقل عملياتها الإخبارية الرقمية الكائنة في هونغ كونغ إلى كوريا الجنوبية، مشيرة إلى حالة من عدم اليقين يفرضها "قانون الأمن القومي" على وسائل الإعلام، وتعتبرها تلك الصحيفة السبب الرئيس وراء هذه الخطوة.
ووفق كلماتها، "بكل صراحة، فإن ذلك يمكن أن يكون أمراً قد خطر في بال حكومتي هونغ كونغ وبكين. هل من مصلحتهما حقاً تغطية ما يحدث في هونغ كونغ؟" وحذرت من أنه "إذا غادرت وسائل إعلامية أخرى هونغ كونغ، فلن تكون هناك تغطية كافية لما يحصل حقيقة في المدينة".
وجاء في كلماتها الختامية، "لقد شهدنا مثل هذا الاتجاه في الصين أيضاً، حيث أُجبر مراسلون أجانب على مغادرة البلاد، ما أدى إلى تراجع مستوى التغطية الإعلامية هناك. وأعتقد تالياً أننا سنشهد على الأرجح تكرار ذلك المشهد في هونغ كونغ".
© The Independent