جامعة ناغويا، التي تعد من أهم جامعات اليابان، رائدة في الوسط الأكاديمي في مساعدة الباحثات على عدم الاضطرار للتخلي عن مسيرتهن المهنية بسبب الحمل أو النشاطات التربوية، أو غيرها من "العقبات" المرتبطة بالجنس لسنوات. وهي ترفع من درجة التزاماتها بعيدة الأمد الآن، فتطرح أهدافاً للتوظيف، وتحسن خدمات رعاية الأطفال من أجل تقليص الفارق بين الجنسين أكثر.
يضم الوسط الأكاديمي في البلاد نسبة نساء أقل من الرجال. وتشغل قلة منهن مناصب عالية. ومن أسباب ذلك أنه غالباً ما توظف الباحثات الشابات بعقود عمل محدودة الأجل، ما يعطيهن وقتاً أقل من أجل تحقيق النتائج نفسها التي يحققها زملاؤهن الرجال، والتي تتيح لهن تجديد عقودهن، أو الحصول على وظائف.
وأصبحت الجامعة، التي تقع في مدينة ناغويا، وهي رابع أكبر جامعة في اليابان، أول مؤسسة في البلاد تنشئ في عام 2009 مركزاً لرعاية الأطفال بعد الدوام المدرسي داخل حرم الجامعة، بعد أن اشتكت نساء في هيئة التدريس أطفالهن في سن المدرسة الابتدائية من "حاجز الصف الأول". ويستطيع الأهالي إرسال أطفالهم الأصغر سناً إلى حضانات نهارية، لكن المنشآت التي تعتني بالتلاميذ في المرحلة الدراسية الابتدائية تتبع نظام ساعات عمل أقصر، مما يصعب على الوالدين العاملين تكييف مواعيد عملهم عليها. وحالياً، 77 تلميذاً في المرحلة الابتدائية ومن مختلف الأعمار مسجل في مركز الرعاية داخل الحرم الجامعي، الذي يعمل حتى الساعة التاسعة مساء.
أهداف التوظيف
وصل معدل النساء في هيئة التدريس الجامعية إلى نحو 1.75 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية، لكن المؤسسة قررت الآن رفع نسبة المدرسات إلى 20 في المئة خلال السنة المالية 2021، كما فرضت أهدافاً توظيفية لكل مادة وقسم، بالإضافة إلى حوافز اقتصادية. يحق للأقسام التي تعين عدداً أكبر من الموظفات بعقود ثابتة من عدد اللاتي يغادرن الجامعة الحصول على ميزانيات أكبر من مشغل الجامعة، وفي المقابل، ستتقلص ميزانيات الأقسام التي لا تحقق أهداف الجامعة.
وشددت ناريه ساساكي، الأستاذة المساعدة في تخصص الأحياء في جامعة ناغويا، التي ساهمت في تأسيس مركز الرعاية بعد الدوام المدرسي ضمن جهودها للسماح للنساء بالاستمرار في العمل، على أهمية هذه الأهداف. وقالت إن "تعيين النساء حصرياً في بعض المناصب لا يعطيهن أفضلية في غير محلها، بل يهدف إلى تدمير الحواجز غير المرئية".
واعتبرت هيروكو تسوكامورا، نائب رئيس جامعة ناغويا، أن القرار بتقليص ميزانيات الأقسام التي لا تحقق الأهداف اتخذ بعد أن فشلت الإجراءات الأقل صرامة والقائمة على الحوافز لتوظيف النساء في رفع نسبتهن في الهيئة التدريسية. وقالت، "عارض البعض القرار، لكننا عقدنا محادثات عدة مرات مع كل قسم بعينه، وأقررنا هذه السياسة خلال اجتماع مجلس الأمناء لكافة الأقسام. يجب اختيار أعضاء الهيئة الأكاديمية المتميزين بغض النظر عن الجنس. وإن كان الخيار يقع على الأشخاص المناسبين لشغل المناصب، فلا بد أن يضم مجتمع الباحثين عدداً أكبر من النساء".
ومن جهتها، تتخذ جامعة غونما في منطقة كانتو اليابانية الشمالية كذلك إجراءات كثيرة من أجل تقليص الفجوة بين الجنسين. وبدل تخصيص ميزانيات لمرة واحدة واستثمارها في مشاريع تكفل تساوي الحقوق بين الجنسين، تحضر الجامعة لتمويل على الأمد البعيد، لا يخصص فقط لمساعدة الباحثات على تأسيس مختبراتهن الخاصة، بل أيضاً لتعيين مساعدين بدوام جزئي للوالدين اللذين لديهما أطفال صغار السن. كما سعت لتعيين باحثات فقط لملء الشواغر التي أعلن عنها أخيراً في كلية العلوم والتكنولوجيا، حيث يطغى حضور الرجال.
ونتيجة لذلك، ارتفع عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب ثابتة في الهيئة التدريسية من أربع في عام 2012 إلى 12 في عام 2019. وفي الوقت نفسه، ازدادت نسبة الطالبات في قسم الدكتوراه أكثر من مرتين خلال الفترة نفسها، من 12 إلى 26 في المئة.
رفع قيود القوانين المتعلقة بإجازات الوالدين
ومن التحديات الأخرى التي تواجهها الباحثات، قصور نظام الإجازات للوالدين. فيما يجب أن يجدد الباحثون الشباب عقودهم بشكل متكرر من أجل الفوز بمنصب أكاديمي، تتبنى العديد من الجامعات اتفاقات بين الموظفين والإدارة أو قوانين داخلية تحظر على الموظفين أخذ أي إجازة من إجازات الوالدين خلال السنة الأولى للعمل والسنة والنصف الأخيرة منه. فيصبح محالاً بالنسبة لمن يعملون وفق عقد مدته أقل من سنتين أن يأخذوا إجازات للاعتناء بأطفالهم، فيما لا يستطيع الموظفون المؤقتون الذين يعملون بموجب عقود مدتها ثلاثة أعوام أن يأخذوا سوى إجازة ستة أشهر للعناية بأبنائهم. جعلت هذه القوانين أعضاء الوسط الأكاديمي يترددون في الإنجاب.
ومع أن القوانين قد وضعت بناءً على توجيهات وزارة العمل اليابانية في شأن الوظائف الثابتة، يمكن مراجعتها إذا توصل صاحب العمل والموظف إلى اتفاق. ألغى معهد نارا للعلوم والتكنولوجيا مثلاً هذه القوانين العام الماضي، وسمح لموظفيه بأخذ إجازات أمومة وأبوة متى شاؤوا خلال فترة عملهم. واستغرقت مراجعة القوانين ستة أشهر فقط بعد أن أثارت نساء شابات في الهيئة الأكاديمية الموضوع. بموجب القوانين المعدلة، يحق لكافة الأساتذة المؤقتين الآن الحصول على إجازة أمومة وأبوة تصل إلى سنة كاملة.
أما جامعة طوكيو، فقد أزالت القيود على إجازة العناية بالأطفال للموظفين الدائمين والمؤقتين على حد سواء في عام 2005. كما تدير الجامعة ست حضانات تسمح بانضمام أطفال جدد كل شهر. وهي تغطي 70 في المئة من تكلفة الحضانة لمدة خمس سنوات للأستاذة النساء ومساعدات الأساتذة اللاتي تعين حديثاً بهدف تعزيز توظيف النساء.
شدد تيرو فوجي الذي أصبح رئيس الجامعة في أبريل (نيسان) هذا العام، على "تنوعها ودمجها الجميع". أكثر من نصف المسؤولات التنفيذيات الجدد في الجامعة نساء. وقد أتين من مختلف الخلفيات، ومنها شركة خاصة ومنظمة دولية. كما شكلت النساء 21.1 في المئة من الطلاب الجدد هذا العام، وهو رقم قياسي. وقالت كاووري هاياشي، نائب رئيس الجامعة، "يحمل دمج النساء علناً في الإدارة أهمية رمزية. سنجعل الجامعة مدرسة يرغب الأفراد في مختلف المواقع ارتيادها"، لكن معدل الأساتذة السيدات في الجامعة - بما فيه ذلك مشاركات ومساعدات الأساتذة - قليل جداً، إذ يقف عند 13.7 في المئة، بينما نحو 90 في المئة من مدرسيها رجال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت السيدة هاياشي أن الرجال والنساء في الوسط الأكاديمي يتنافسون وفقاً لإنجازاتهم ولا يريدون أن يقع الخيار على أشخاص "لأنهن نساء فقط"، لكنها أعادت التأكيد على أهمية مساعدة النساء في التوظيف. وقالت إن "الفجوة بين الجنسين (في جامعة طوكيو) وهي امرأة لكل تسعة رجال، كبيرة جداً فلا يمكن تجاهلها، وهناك احتمال في أن بعض المواهب الخفية لم تظهر بعد. ستكون هناك حالات، حيث يوظف الشخص الأكثر كفاءة، ويرجح أن يكون [من يتحلى بهذه السمات] امرأة".
ينشر هذا المقال في "أساهي شيمبون" وغيرها ضمن مبادرة "نحو المساواة" الدولية والتعاونية التي تجمع 15 وسيلة إعلامية من جميع أنحاء العالم من أجل تسليط الضوء على التحديات والحلول لتحقيق المساواة بين الجنسين
© The Independent