منذ مارس (آذار) 2019 تخطو كل من مصر والعراق والأردن، خطوات متتابعة، نحو تشكيل "شراكة استراتيجية" بين الدول الثلاث، ترتكز على الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية، من دون إغفال الجوانب السياسية والأمنية لها، بعد تدشين ما عُرف في قمة قادة تلك البلدان الأولى في العاصمة المصرية القاهرة بـ"آلية التنسيق الثلاثية".
وتزامناً مع قمة بغداد، بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يعد أول رئيس مصري يزور العاصمة العراقية منذ أكثر من 3 عقود، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ومضيفهم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي وصف شراكة الدول الثلاث الناشئة بـ"تحالف الشام الجديد"، يتساءل مراقبون عما إذا كان "تعميق التعاون والتنسيق بين عواصم تلك البلدان العربية"، قد يغير من المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة في ضوء الفرص المتاحة والتحديات القائمة لا سيما التدخلات الإقليمية الواسعة في البلدان والقضايا العربية التي قد تعيق مضيها قدماً.
4 قمم ولقاءات وزارية عدة
بعد نحو عامين وثلاثة أشهر، تعد قمة بغداد الحالية، وهي القمة الرابعة في مسار "آلية التنسيق الثلاثي" بين مصر والعراق والأردن، والتي أرجئت مرتين، الأولى عندما وقع حادث تصادم القطارين الدامي في مصر خلال مارس الماضي، والثانية إثر قضية "زعزعة الاستقرار" في الأردن في أبريل (نيسان) 2021.
وفي القمم الثلاث السابقة، التي كانت أولى جولاتها في القاهرة 24 مارس 2019 (حضرها عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي السابق)، والثانية فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 22 سبتمبر (أيلول) من العام ذاته (بحضور عبد المهدي)، والثالثة في العاصمة الأردنية فى 25 أغسطس (آب) 2020، تركزت المباحثات الرئيسة لقادة تلك الدول، وكذلك اللقاءات الوزارية واللجان المتخصصة التي تخللتها، على "أهمية تعزيز التعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية والاستثمارية الحيوية كالربط الكهربائي ومشاريع الطاقة وإعادة الإعمار والمناطق الاقتصادية المشتركة، وبحث تعظيم الفرص وتجاوز التحديات القائمة، سعياً نحو الانطلاق خلال السنوات المقبلة إلى مرحلة التنمية المستدامة"، وفق رصد لـ"اندبندنت عربية"، وعليه تم التوقيع العديد من الاتفاقيات بين الدول الثلاث في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والطاقة والنفط والكهرباء.
وعلى الرغم من البعد الاقتصادي والاستثماري لـ"التحالف الناشئ"، لم تختف الأبعاد السياسية والأمنية في النقاشات المكثفة التي تجريها البلدان الثلاثة على مدار الفترة الأخيرة، والتي شملت ملفات التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، فضلاً عن التأكيد على رفض التدخلات الإقليمية من الأطراف غير العربية بالمنطقة والمزعزعة للاستقرار والأمن، والتأكيد على العمل مع باقي البلدان العربية لاستعادة الاستقرار في المنطقة، والعمل على إيجاد حلول لمجموعة الأزمات التي تواجه عدداً من بلدانها، من بينها القضية الفلسطينية، والأزمات في سوريا وليبيا واليمن.
وبحسب تصريحات سابقة لقادة الدول الثلاث، فإن العلاقات والروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية الوطيدة، والتواصل الجغرافي بين بلدانهم، فضلاً عن تكامل المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، تعد "فرصاً حقيقية" لتعزيز التعاون والتنسيق والتكامل بين البلدان الثلاث عبر الاستفادة منها، في ظل ظروف دقيقة تمر بها الأمة العربية وتحديات غير مسبوقة يواجهها الأمن القومي العربي.
ومع كل قمة أو لقاء وزاري على مستوى وزراء الخارجية للدول الثلاث، يجري التأكيد على أهمية الاجتماع بصفة دورية لتنسيق المواقف والسياسات، فيما بينهم من أجل تحقيق مصالح شعوبهم في الاستقرار والازدهار الاقتصادي وتحقيق الأهداف المشتركة من خلال التعاون وبناء علاقات دولية متوازنة، فضلاً عن تشكيل فريق عمل لمتابعة أعمال القمة.
الفرص والتحديات
على وقع الآمال الاقتصادية والاستثمارية الواسعة التي ينادي بها مسؤولو البلدان الثلاثة لما توفره الفرص المتاحة في بلدانهم لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة كركيزة رئيسة لـ"تحالف الشام الجديد" وفق توصيف رئيس الوزراء العراقي، أو "تحالف المشرق الجديد"، وفق توصيف بعض المراقبين، يعول مختصون على أن تنعكس تلك الطموحات على أرض الواقع لتكون نواة يمكن من خلالها تغيير "معادلات الاقتصاد في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يزال حجم التجارة البينية بين الدول الثلاثة على غير المستوى المنشود، فوفق بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية، بلغ حجم صادرات مصر إلى السوق العراقية خلال الـ5 أشهر الأولى من العام الحالي نحو 199 مليون دولار، مشيرة إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والعراق يبلغ ملياراً و600 مليون دولار.
وعلى صعيد التبادل التجاري بين مصر والأردن، أفادت بيانات وزارة التجارة والصناعة بأن الصادرات المصرية إلى السوق الأردنية بلغت خلال أول 5 أشهر من 2021 نحو 233 مليون دولار، مضيفة أن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال 2020 بلغ نحو 616.3 مليون دولار مقابل 567.5 مليون دولار في 2019. الأمر ذاته لا يختلف كثيراً بالنسبة إلى حجم التجارة البينية بين العراق والأردن التي لم تتجاوز نصف مليار دولار، وفق دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
وتقول لينا مظلوم، الكاتبة والإعلامية العراقية، إن "الاقتراب من فكرة التكامل الاقتصادي وتعظيم الفرص الاستثمارية عبر تحالفات بين الدول العربية تبقى الطريق الأقرب لتحقيق معادلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوب تلك البلدان والمنطقة"، مضيفة "تمتاز الأسواق العربية بتوافر أوجه التعاون والتكامل، لا سيما مع توافر عناصر الإنتاج، وكذلك الأيدي العاملة القادرة على ملء الفراغات الاقتصادية التي تعاني منها بعض البلدان العربية".
وذكرت مظلوم "يعكس تحرك البلدان الثلاثة في السنوات الأخيرة لتعزيز وتعميق التعاون الاقتصادي فهماً جيداً لإمكانات وقدرات الدول الثلاث، فضلاً عن إمكانية تبادل الخبرات والتجارب في سياقها العربي من دون الحاجة للأجندات الإقليمية من الأطراف غير العربية الساعية لزعزعة الاستقرار والأمن بالمنطقة".
وتابعت "الضرورة المنطقية والظروف الملحة التي تمر بها بلدان المنطقة تحتم علينا تشجيع المحاولات العربية لإقامة تكتلات يمكنها مواجهة الأطماع الإقليمية في الثروات العربية".
من جانبه، يقول خالد شنيكات، أستاذ العلوم السياسية الأردني، إن "انعقاد القمم بين قادة الدول الثلاث بشكل متواصل يعكس الإرادة الحقيقية بينها بضرورة تفعيل التعاون بين تلك الدول، والاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية، وسوقها الواسعة التي تضم أكثر من 160 مليون نسمة"، موضحاً "المؤكد أن هذا التكتل قد يقود إلى زيادة التعاون، بخاصة في ظل الأهداف المعلنة من مشروعات طاقة ونفط وربط كهربائي ومعاملات اقتصادية تفضيلية بين الدول ما قد يدفع لزيادة حجم التبادل التجاري فيما بينها".
وتابع شنيكات "في حال تطور هذا التكتل، فمن المرجح أن يفرز واقعاً سياسياً جديداً، قد يكون نواة لأول مشروع عربي حقيقي بعد انتفاضات الربيع العربي التي بدأت عام 2011، ومحاولة جادة لمواجهة التدخلات الإقليمية في سياق جماعي".
ويشير إلى أنه في حال نجاح هذا التكتل وتنفيذ ما تم الوعد به من تسهيل مرور السلع والبضائع والخدمات بين الدول ونقل الاستثمارات وتشجيعها، قد يكون "على غرار مجموعة الحديد والصلب التي أنشئت في أوروبا في خمسينيات القرن الماضي، وكانت القاطرة نحو إكمال السوق الأوروبية المشتركة، ولاحقاً الوحدة الاقتصادية وتوحيد العملة، ما قد يدفع المزيد من الدول العربية للانضمام إليه".
هل من تغيير مرتقب في المنطقة؟
بحسب مراقبين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، لا يزال "تحالف الشام الجديد" في بداياته، واستشراف انعكاساته السياسية والأمنية على معادلات المنطقة يبقى طي جدية الخطوات المتخذة على الأرض خلال الأشهر والسنوات المقبلة بين الدول الثلاث.
وفي رأي السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن هذا التكتل لن "يغير المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته قد يعمق ويعزز من الموقف العربي في مواجهة المشاكل الكبيرة التي تواجه المنطقة".
ويضيف بيومي "أبرز ما يميز هذا التكتل، أن مجموعة من الدول قادرة ومؤهلة اقتصادياً وسياسياً قررت في ظروف دقيقة تمر بها المنطقة تعميق علاقات التعاون والتكامل فيما بينها، على المستوى الاقتصادي ومن دون إغفال للأبعاد السياسية والأمنية"، مشيراً إلى أن أحد أبرز التحديات التي قد تواجه مثل هذه التحركات العربية تبقى في التدخلات الإقليمية من الأطراف غير العربية الساعية لزعزعة الأمن والاستقرار وتعميق الأزمات العربية، ما يشجعها داخلياً من تجاذبات سياسية ومذهبية في بعض البلدان.
في المقابل، يقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه وحتى اليوم تبقى المواقف والتصريحات التي يتخذها مسؤولو البلدان الثلاثة "هي مواقف جديدة"، وعليه، على حد وصفه، تبقى الخطوة في مجملها، "خطوة على الطريق الصحيح، تعكس نوعاً من الإرادة العربية المنفردة بعيداً من الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية وبما يتوافق ومصالح تلك البلدان".
ويرى كامل السيد أنه "لا يمكن تغيير الواقع العربي وأزماته المتراكمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والأمني بين يوم وليلة أو بناء على طموحات وآمال، ولكن تبقى مثل هذه التحركات بداية لتكاتف بعض البلدان العربية والتنسيق فيما بينها، وإطار قد يتسع ليشمل دولاً أخرى في المنطقة مستقبلاً".
رؤية أخرى يطرحها، عماد جاد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهي اشتراط تنفيذ الوعود المطروحة على الأرض لتغيير المعادلات السياسية والاقتصادية بالمنطقة، والتي قد يكون أولها "استعادة العراق إلى الحضن العربي وإبعاده من دائرة الهيمنة الإيرانية".
وبحسب جاد، فإن "آلية التنسيق الحالية بين الدول الثلاث"، يمكن من خلالها استخلاص مجموعة من المميزات من بينها، "اجتذاب العراق بعيداً من النفوذ الإيراني، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للأردن في ظل المحاولات الحثيثة لإحداث شرخ في نظامها السياسي، وأخيراً، تشكيل تحالف عربي قائم على مصالح اقتصادية حقيقية قد تكون دافعاً لانضمام دول أخرى بالمنطقة مستقبلاً".
وأضاف "في ضوء الخبرة التاريخية بالمنطقة، تبقى الآفة الكبرى، هي انطلاق مثل تلك التكتلات على مشاريع وأهداف كبرى من دون الالتفات إلى ضرورة بناء تشابكات من الأسفل تدفع باتجاه المصالح والأهداف المشتركة الكبرى وعليه تعميق التعاون".