دفعت حال الجمود السياسي في تونس، عدداً من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والشخصيات، إلى الدعوة إلى تنظيم انتخابات مبكّرة تُعيد تشكيل المشهد البرلماني في البلاد.
وفي سياق المبادرات التي باتت تتتالى في محاولة لإنقاذ البلاد من الأزمة السياسية، أعلنت مجموعة من المنظمات والجمعيات والأحزاب والشخصيات الوطنية، الاثنين 28 يونيو (حزيران) 2021، تشكيل "جبهة الاستفتاء"، وذلك للمطالبة بإجراء استفتاء شعبي على تغيير النظام السياسي في تونس.
وعقد ائتلاف "صمود"، وهو ائتلاف مدني يضم جمعيات ومنظمات غير حكومية، ندوة صحافية في العاصمة، قدّم فيها الناطق باسم الائتلاف حسام الحامي، أهداف هذه الجبهة وكيفية تحركها.
وأكد الحامي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الجبهة هي طريقة لتجميع أكثر ما يمكن من القوى السياسية والمجتمع المدني والمواطنين والشخصيات الوطنية والفنانين والمثقفين، وجميع الذين يشتركون في توصيف واقع البلاد المتأزم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً، وممّن يقرّون بأن المنظومة السياسية الحالية، لم تعد قادرة على إدارة الشأن العام في البلاد".
وأضاف أن "تونس تعيش تعطيلاً تامّاً في مؤسساتها علاوة على حال الصراعات السياسية التي كبّلت السّير العادي لمؤسسات الدولة، من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج، بينما عمّقت جائحة كورونا من الأزمة".
وذكر بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، التي تم تعطيلها، مشدداً على أن "الحل هو العودة إلى سلطة الشعب التونسي، ليحدد مصيره، وهو صاحب السلطة الأصلية، من خلال استفتائه على النظام السياسي والنظام الانتخابي، لإصلاح ما يمكن إصلاحه والمرور نحو جمهورية ثالثة تفرز منظومة حكم سلسة وفعالة، وبرلمان قوي بغالبية واضحة، ويشتغل في ظروف مريحة، ويقترح مشاريع قوانين إصلاحية لإخراج تونس من أزمتها".
وفي خصوص التنسيق مع رئيس الجمهورية، أوضح الحامي أنه "حتى الآن، لا وجود لتنسيق مع رئاسة الجمهورية"، من دون أن ينفي وجود نقاط التقاء حول طريقة إصلاح الوضع الذي يجب أن يشمل النظام الانتخابي ونظام الحكم.
أحزاب ومنظمات وشخصيات
وأعلن الحامي عن تركيز خيمة في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، لتجميع الإمضاءات وحشد الدعم لهذه الجبهة، مع إمكانية الإمضاء على العريضة إلكترونياً.
وأكد الناطق الرسمي باسم "ائتلاف صمود"، أهمية الاستفتاء باعتباره أرقى الممارسات الديمقراطية، مستغرباً مواقف أساتذة القانون الدستوري، من تحديد الالتجاء إلى الاستفتاء في مجالات محدّدة.
وانخرط في هذه الجبهة، كل من "حركة مشروع تونس"، و"حزب بني وطني"، إلى جانب عدد من الشخصيات الوطنية منها شوقي الطبيب وكمال الجندوبي وراضية الجريبي.
وتمرّ تونس بأسوأ أزمة سياسية في تاريخها، إثر خلافات بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي وأقره البرلمان لاحقاً، ولم يعترف به رئيس الجمهورية، ولم يتمكن الوزراء الجدد من مباشرة مهماتهم.
توقيت غير مناسب للمبادرة
وعلى الرغم من استمرار الأزمة وتعطل دواليب الدولة، لا يرى أستاذ القانون رابح الخرايفي الحلّ إلا في الاحتكام إلى الدستور والاتفاق على حلّ وفاقي بين مكونات المشهد السياسي في تونس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن تكوين "جبهة الاستفتاء" في هذا التوقيت هو مجانب للصواب، لأن "تونس تخوض حرب حياة أو موت ضد انتشار فيروس كورونا".
ويعتقد الخرايفي أن "العقل السياسي التونسي لا يتفاعل مع الواقع"، معتبراً أن "تونس الموبوءة بالفيروس، تواجه الأزمة الصحية بحكومة معطلة ومؤسسات شبه معطلة، وجميع التونسيين منشغلون الآن بالوضع الصحي، وكل مبادرة في هذا التوقيت لا يكون حولها إجماع سياسي، سيكون مصيرها الفشل".
ويؤكد الخرايفي أن "الاستفتاء الاستشاري ليست له أي قيمة قانونية، لأن الدستور التونسي، لا يتضمن آلية لتحقيق هذا النوع من الاستفتاء"، مشدداً على أن "حق ممارسة الاستفتاء مشترطة بوجود المحكمة الدستورية". ويلفت إلى أن عَقبات دستورية كبرى ستواجه هذه المبادرة.
ويحذّر الخرايفي من حالة الفراغ في حال التوجه نحو فرض التغيير بالقوة، مقرّاً بوجود أزمة حكم في تونس. ودعا إلى توخي الحلول الواقعية وعبر المؤسسات الدستورية لتغيير النظام السياسي والنظام الانتخابي في تونس.
"أمانة الحُكم"
وتستمد "جبهة الاستفتاء" مشروعية ما تطرحه، من تواصل حالة الانسداد السياسي وتعطل الحوار بين الرئاسات الثلاثة. ما دفع بعدد من الأحزاب السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل إلى الدعوة إلى إرجاع "أمانة الحُكم" إلى الشعب التونسي من خلال تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.
ولضمان عدم إعادة المنظومة الحالية إلى المشهد، تشترط هذه الأحزاب والمنظمات، تغيير القانون الانتخابي، حتى تفرز الانتخابات التشريعية غالبية قادرة على تحمّل أعباء الحكم، وليتم القطع مع التشتت البرلماني الحالي، الذي يدفع إلى توافقات مغشوشة ومحاصصة حزبية، وصراعات سياسية، تؤثر بشكل مباشر في أداء الحكومة.