لنترك العنان قليلاً لمخيلاتنا ونفترض أن كل إنسان بات يملك سيارة اليوم. فما الذي يمكن أن يحدث؟
بمجرد طرح السؤال هذا ستتزاحم في رؤوسنا مجموعة هائلة من الصور الخيالية وربما الواقعية، والتي تدور حول مشكلات الازدحام ومصانع السيارات وعمالها والتلوث البيئي وتصميم السيارات وكميات الحديد والبلاستيك والمطاط، التي ستستخدم لصناعة الإطارات لهذا العدد من السيارات، وبمواقف السيارات حتماً، إلى ما هناك من أفكار تساعدنا في استيعاب الفكرة شبه المستحيلة هذه. وفي إطار هذه الأفكار هناك السلبي والإيجابي، أو لنقل إن هناك لكل فكرة إيجابية فكرة سلبية معاكسة لها في هذا الموضوع.
ما الذي يتطلبه الأمر؟
ربما يعتقد البعض أن هناك مليارات السيارات اليوم تسير في أنحاء الكون، وذلك بسبب مشاهد الازدحام في كل مدن العالم ومشاهد صفوف السيارات التي تسير على سكك المصانع، والتي تظهر في تقارير صناعة السيارات، وبسبب تطور صناعة الآليات على مدى قرن وربع القرن وتغيّر تصاميم السيارات خلال هذه السنوات الكثيرة. كل ذلك يجعلنا لأن نعتقد بأن عدد السيارات هائل جداً، لكن في الحقيقة هناك 1.5 مليار سيارة فقط في العالم اليوم، بينما يبلغ عدد البشر ثمانية مليارات شخص، وللإجابة على افتراضنا لا بد من صناعة 6.5 مليار سيارة إضافية.
في المعادن والمصانع
لصناعة ستة مليارات سيارة سنحتاج تقريباً إلى خمسة مليارات طن من الحديد، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف كمية الصلب التي ينتجها العالم كل عام في الوقت الراهن. وهذا يعني افتتاح المزيد من المناجم لاستخراج الحديد وتشغيل مئات آلاف من العمال في أنحاء العالم، وزيادة الضرر البيئي الذي تتسبب به هذه المناجم على مستوى التربة والمياه الجوفية.
واستخراج المعادن سيتطلّب في المقابل افتتاح مصانع جديدة لصهر الصلب والحديد وإعادة تصنيعه، مع ما يتطلبه الأمر من طاقة إضافية وهي الطاقة الأحفورية المستخدمة حالياً، وما تضيفه من ضرر بيئي يشكو منه العالم منذ عقود.
لكن لهذه السلبيات إيجابيات مضادة، على سبيل المثال "الريسايكل" أو التدوير، وذلك من خلال إعادة استخدام حديد السيارات التالفة أصلاً، وهذا ما يجري في معظم مصانع العالم، وهذه طريقة تخفف من نسبة التلوّث البيئي الذي تفرزه "السيارات الميتة"، وفي الأساس تمكّنت مصانع السيارات منذ منتصف الخمسينيات من استعمال معادن خفيفة وصولاً إلى مواد بلاستيكية مقواة أو الألومنيوم الأخف وزناً، فزاد عدد السيارات المنتجة وتغيّرت أشكالها وتصاميمها وانخفض سعرها، وارتفعت قدرة المصانع لصناعة مئات آلاف السيارات سنوياً.
الطرق ومواقف السيارات
لطالما كانت واحدة من مشكلات اقتناء سيارة داخل المدن هو إيجاد مكان لركنها، وكذلك زحمة السير الخانقة التي يسبّبها سيرها معاً صباحاً نحو العمل، وبعد الظهر أثناء العودة، وفي العطل خلال الرحلات نحو الجبال والقرى والشواطئ. هذا كله في وجود مليار سيارة وليس سبعة مليارات، لأن هذا العدد يعني أنها سوف تشغل 36 مليون كيلومتر من الطرق أي حوالى نصف الطول الإجمالي لجميع الطرق في العالم، وهذا يعني أننا سنحتاج إلى بناء شبكة طرقات إضافية بخمسة أضعاف طولها الحالي، فأن تحتل السيارة نصف شبكة الطرق حالياً في حال كانت متوقفة، فهذا سيستدعي تمطيط هذه الشبكة كثيراً كي تتحرك هذه السيارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مد شبكة طرق بهذا الحجم يعني إسفلت بكميات هائلة وهذا يعني نفطاً أكبر أيضاً، ولكن أين ستركن هذه السيارات؟
ربما سيتم إنشاء مواقف سيارات تحت أرض المدن الحالية وهذا سيترافق بطبيعة الحال مع صعوبات جمة، بسبب وجود عالم تقني من الخطوط والأنابيب والكهرباء والمياه والقطارات والمترو أسفل المدن الحديثة، إذاً ستضطر المدن إلى إنشاء مواقف خارجها وتمنع السيارات من الدخول إليها، على أن يعتمد الجميع على وسائل النقل العام. هذا الأمر وحده يفتح العنان للخيال للانطلاق نحو آفاق جديدة أخرى.
الوقود والطاقة
لنفترض أنه تم حل المشكلة السابقة، هناك مشكلة أساسية ومهمة وهي تغذية هذه الكمية الهائلة من السيارات بالوقود والطاقة، وبالمعيار الحالي، فإن الطاقة عموماً هي من النفط، بالتالي الـ 6.5 مليار ليتر من البنزين الذي تستخدمه السيارات يومياً في الزمن الحالي سيرتفع خمسة أضعاف، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مئات الدولارات للبرميل. وربما إلى مزيد من الحروب والمنافسات للسيطرة على مصادر الوقود، وقد تتشكل تحالفات غرائبية بين الدول تقلب موازين قوى العالم عن بكرة أبيها، كما حدث بعد الحرب الأولى حين ظهرت إمبراطوريات وانتهت أخرى. فالطاقة مركز صراع الأمم والحضارات دائماً، خصوصاً في هذا العصر الذي لن يخطو خطوة واحدة بلا طاقة، ثم وعلى رأس القائمة سيأتي التلوّث وارتفاع الحرارة والاحتباس الحراري بسبب ثاني أوكسيد الكربون. وفي هذا الزمن تحديداً لم يتمكن البشر من الاتفاق على خفض نسبة الانبعاثات، فكيف الحال في زمن مقبل يكون عدد السيارات فيه سبعة أضعاف ما هو عليه اليوم؟ الأمر يبعث على الشعور بكارثة من أعظم الكوارث ستقع في حال تحقّق هذا الافتراض المستحيل.
فاليوم تطلق السيارات 2.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كل عام، وزيادة الأسطول العالمي إلى 7.5 مليار سيارة ستضيف 13 مليار طن أخرى سنوياً.
لكن كالعادة هناك الرد الإيجابي على هذه التكهنات السلبية من قبيل بدء جميع مصانع السيارات في العالم بتكثيف وتسريع إنتاج السيارات الكهربائية، وجعلها أمراً واقعاً وتجارياً على الرغم من كلفة السيارة المرتفعة حتى اليوم. قد لا تنفث السيارة الكهربائية غازات مضرّة، إلا أن معظم الكهرباء على مستوى العالم لا تزال تنتج من طريق حرق الوقود الأحفوري، لذلك فإن شحن سيارة كهربائية يمكن أن يولد بشكل غير مباشر كميات مماثلة من غازات الاحتباس الحراري لمركبة تعمل بالبنزين. إذاً لا بد من السيارات التي تعمل على الطاقة الشمسية. وكما في الاحتمالات السابقة، فإن مجرد التفكير بوجود سبعة مليارات سيارة تعمل على الطاقة الكهربائية، فذلك يستجلب احتمالات هائلة من الأفكار والخيالات المتنوّعة.