وصفت منظمات حقوقية أردنية حالة حقوق الإنسان في البلاد لعام 2020، بأنها على "الحافة"، وأوردت في تقريرها الذي يصدر لأول مرة، ويعاين حالة حقوق الإنسان في الأردن، أن جائحة كورونا تركت أثراً بالغاً على الحريات والحقوق العامة كافة، من بينها حق التعليم والصحة وحرية التعبير والإعلام، وحق التقاضي ومعاقبة المجرمين.
التقرير الذي ضم آراء 17 منظمة ومؤسسة حقوقية، أوضح أن الحق في الصحة طغى على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كما أن التعليم عن بعد أثر سلباً على الحق في التعليم، وكشفت الجائحة الخلل في شمولية الإجراءات الحكومية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوق العمال.
وباتت مفردة حقوق الإنسان واقعاً في الأردن مع توقيع المملكة على اتفاقيات دولية عدة، كاتفاقية جنيف في 1951، واتفاقية حقوق الطفل في 1991، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" سيداو" في 1992. ويوجد في الأردن "المركز الوطني لحقوق الإنسان" وهو مؤسسة رسمية، تتمتع باستقلال مالي وإداري وبشخصية اعتبارية، وتمارس مهامها المتعلقة بحقوق الإنسان في المملكة.
جرائم بلا عقوبة
وبين التقرير أن استمرار الإفلات من العقاب، وعدم استثناء عقوبة التعذيب من العفو العام، أضف إلى ذلك عدم وجود نص خاص وصريح في القانون المدني الأردني ينص على تعويض ضحايا التعذيب يشكل تحدياً حقيقياً.
وأوضح التقرير أن التعذيب وسوء المعاملة لم يعالج على المستوى التشريعي، على الرغم من التعديلات التي أجريت على المادة 208 من قانون العقوبات في 2017، ورفع الحد الأدنى للعقوبة من 6 أشهر إلى سنة، وهذا النص غير كاف لمنع وقوع التعذيب، ولا يوفر الضمانات الكافية التي تحد منها بحسب مراقبين كما أن التوقيف الإداري سنداً إلى قانون منع الجرائم يعد تعدياً واضحاً على القضاء واستقلاليته، واعتداءً على فصل السلطات، وانتهاكاً لحرية الإنسان، كما أنه يتعارض مع ضمانات المحاكمة العادلة، ما يستوجب إما إلغاء القانون، أو تعديله بحيث لا يسمح باستخدام التوقيف الإداري بتعطيل منظومة الحماية.
كورونا يقيد الإعلام
ويقول حقوقيون ومديرو مؤسسات المجتمع المدني، إن استمرار السلطات باستخدام القوانين كأداة، تقييد لحرية التعبير والإعلام والتجمع السلمي، فقانون الدفاع وأوامره استخدمت لفرض قيود على بعض الحقوق تحت ذريعة حماية الصحة والسلامة العامة في ظل جائحة كورونا.
على سبيل المثال أسهم أمر الدفاع رقم (8) بفرض قيود إضافية على حرية التعبير والإعلام، إذا غلظ العقوبات على كل من يتهم بترويج الإشاعات، بخاصة ما يتعلق بكورونا. وتزايدت قرارات حظر النشر بشكل قيد حرية التعبير والإعلام، ومنع تدفق المعلومات للمجتمع، وشكل ضغطاً غير مسبوق على وسائل الإعلام.
إلغاء الإعدام
ترى المنظمات الحقوقية الأردنية أن عقوبة الإعدام تُشكل أبرز تحد حقوقي، وانتهاك صريح بالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية، مشيرين إلى عدم وجود أي رابط واضح بين ارتفاع الجريمة أو انخفاضها مع تطبيق عقوبة الإعدام أو وقفها.
ويوضح حقوقيون أن عدد النصوص القانونية التي تفرض عقوبة الإعدام في مختلف الجرائم تصل إلى 30 نصاً في قوانين عدة، مطالبين إلغاء عقوبة الإعدام، أو على الأقل تقليص النصوص القانونية إلى الحد الأدنى، وحصرها في الجرائم الأكثر خطورة، مع العمل على إيجاد عقوبات بديلة.
وثمة اختلالات قانونية وقضائية بحسب مراقبين في الأردن، من بينها عدم المساواة أمام القضاء وضمانات المحاكمة العادلة، وخضوع المدنيين لمحاكم عسكرية.
تقييد حرية العمل النقابي
في المقابل، ينتقد المعنيون عدة قوانين مقيدة لحرية المواطنين، من بينها قانون الاجتماعات العامة الذي يمنع حق التجمع السلمي، ويعطي الصلاحية للحكومة تفريق أي تجمع أو تظاهرة. كما أن هناك تعدداً في القوانين والأنظمة التي تقيد حرية تكوين الجمعيات والنقابات والأحزاب كقانون الجمعيات، وقانون العمل، وقانون الشركات، وقانون الأحزاب، وغيرها من القوانين الخاصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدوره يقيد قانون العمل الأردني حرية تشكيل النقابات العمالية، مناقضاً بذلك معايير حرية التنظيم النقابي المتعارف عليها في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، ومخالفاً أيضاً الدستور الأردني.
حقوق العمال غائبة
وفي ما يخص الحق في العمل، بين التقرير أن قانون العمل لا يلبي عديداً من الحقوق والمبادئ الأساسية، حيث أن التعديلات التي طرأت عليه في عام 2019، لم تكن موائمة للمعايير الدولية، إذ حُرم العمال من استخدام أدوات فض النزاعات العمالية، وحرم العمال الذين ليس لديهم نقابة من حق المفاوضات الجماعية، وقُيدت حرية تشكيل نقابات جديدة للعمال، إضافة إلى منح وزير العمل سلطات إضافية بحل أي نقابة تخالف أحكام قانون العمل.
وكشفت جائحة كورونا عن قصور تطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية في الأردن، إذ لا تتوفر قواعد بيانات إحصائية رسمية حول حوادث وإصابات العمل والأمراض المرتبطة بالمهنة، وقصور واضح في عمليات الرقابة والتفتيش، في منشآت الأعمال المتوسطة والصغيرة".
كما أن هناك قصوراً في تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعين العام والخاص، بشكل لا يتوافق مع النسبة المحددة لتشغيل هذه الفئة في قانون العمل، وقانون الأشخاص ذوي الإعاقة. أما حقوق العمال المهاجرين في الأردن فتواجه إشكاليات متعددة، ليس أقلها استثناؤهم من رفع الحد الأدنى للأجور، وحرمان بعضهم من الحق في الاشتراك في الضمان الاجتماعي.
المرأة وحق الجنسية
في سياق متصل، ينتقد التقرير حال حقوق المرأة الأردنية، إذ لا تحظى المتزوجة بغير الأردني بحق منح الجنسية لأبنائها على الرغم من كفالة الدستور لمبدأ المساواة بين جميع الأردنيين. كما أن المشاركة السياسية للمرأة تعاني من إشكاليات وتحديات متعددة، ففي الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2020، لم تفز أي سيدة خارج المقاعد المخصصة لهن "الكوتا"، إضافة إلى أن مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية دون المستوى المأمول، سواء من حيث عدد المنتسبات، أو من حيث تولي المناصب القيادية في الأحزاب.
وثمة تحديات تعيق وصول المرأة إلى العدالة، فهي أولاً تعاني من الصورة النمطية تجاهها في حالة لجوئها إلى المحاكم، وتكون الصورة أكثر تمييزاً إن كانت المرأة مطلقة، وتتعاظم التحديات بضعف قدرة بعض النساء على دفع تكلفة رسوم التقاضي، وأتعاب المحاماة سواء في القضايا الجزائية، وبخاصة تلك المتعلقة بالعنف الواقع على المرأة، أو بقضايا الأحوال الشخصية.
الديمقراطية لم تترسخ بعد
يؤكد نضال منصور المدير التنفيذي لمركز حرية الصحافيين، أنه على الرغم من مضي أكثـر مـن 30 عامـاً على استئناف الحيـاة البرلمانيـة والحزبية في الأردن بعد حقبة عرفية، فإن ثمة تحولات لا يمكن إنكارها منذ عام 1989، لكن دعائم الديمقراطية لم تترسخ تماماً، فالحكومة ليست هي صاحبة الولاية، وتنازعها السلطة مرجعيات أخرى، فضلاً عن غياب الدور الحقيقي لمجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني.
ويؤكد منصور أن ثمة نهج حقوقي جديد لدعم حقوق الإنسان في الأردن بالتعاون مع جهات إنفاذ القانون، والبرلمان، والسلطة القضائية، والمجتمع المدني، على الرغم من كل التحديات والإخفاقات وعدم الوصول إلى العدالة، والمواطنة، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص بشكل كامل.
ويضيف منصور "الانتخابــات البرلمانيــة تجــري في مواعيدها، والصحافــة توســعت، وترخيص الأحزاب تزايد، ومؤسســات المجتمــع المدني تكاثرت لكن كل ذلك لا يكفي لترسيخ حقوق الإنسان".
إجراءات حكومية
لكن الحكومة من جهتها، ترد بأنها اتخذت عديداً من الإجراءات التي تصب في مصلحة الحريات بما فيها الحريات الإعلامية، كتعديل قانون الجرائم الإلكترونية، وإلغاء مادة مثيرة للانتقادات كانت تسمح بتوقيف وحبس الإعلاميين والإعلاميات، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وسحب مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الموجود في مجلس النواب منذ عام 2012، لتطويره إلى قانون جديد عصري ومتقدم.
وصادقت الحكومة على سبع معاهدات من أصل تسع معاهدات أساسية لحقوق الإنسان، وتعمل بشكل جيد مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حيث تقدم تقارير منتظمة إلى لجان الخبراء المستقلة التي تراقب تنفيذ الدول لالتزاماتها وتعهداتها.
كما وافق الأردن على إجراء التحقيق بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب (المادة 20)، لكنه لم يصدق بعد على البروتوكول الاختياري لتلك المعاهدة الذي ينص على إنشاء آلية وطنية لمنع التعذيب (NPM)، ولم يقبل إجراءات الشكاوى الفردية القائمة على معاهدات حقوق الإنسان.