عن عمر ناهز الـ88 عاماً، توفيت، الجمعة، جيهان السادات، أرملة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعد تدهور حالتها الصحية في أحد مستشفيات القاهرة، الذي كانت تعالج فيه منذ أيام، بعد عودتها من رحلة علاجية طويلة بالولايات المتحدة.
ونعت رئاسة الجمهورية المصرية، "قرينة الرئيس الراحل بطل الحرب والسلام"، قائلة إنها "قدمت نموذجاً للمرأة المصرية في مساندة زوجها في ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، الذي مثل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة". وقرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي حضر مراسم جنازتها العسكرية، منحها وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على محور الفردوس (طوله نحو 9 كيلومترات، شرق العاصمة)، بحسب بيان رئاسي.
وعلى الرغم من وفاة الرئيس السادات في عام 1981، بقيت جيهان، المولودة في 29 أغسطس (آب) 1933، في جزيرة الروضة بالقاهرة لطبيب مصري وأم بريطانية، منشغلة بقضايا الرأي العام، بعد أن كانت أول سيدة أولى في تاريخ الجمهورية المصرية تخرج إلى دائرة العمل العام، حيث عملت محاضرة جامعية في جامعة القاهرة سابقاً وأستاذاً زائراً بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ومحاضرة في جامعة كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة، فضلاً عن تبنيها مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية، ووقفت مدافعة عن حقوق المرأة في المجتمع المصري.
من النشأة إلى الزواج
لم يكن يدرك الطبيب المصري صفوت رؤوف أن تكون ابنته الثالثة (جيهان) من بين أربعة أبناء، من البريطانية غلاديس تشارلز كوتريل، بعد أن التقيا في إنجلترا أثناء دراسة صفوت في جامعة شيفيلد يدرس، ذات شأن في الحياة المصرية على الرغم من الرفض الذي قوبل به زواجها من السادات في البداية.
ففي عمر الـ15 عاماً، قبلت جيهان دعوة لقضاء عطلة مع قريبة (ابنة عمتها المتزوجة من حسن عزت، أحد الأصدقاء المقربين من السادات) لها في السويس (شرق)، وهناك التقت الضابط السابق الشاب آنذاك أنور السادات المطلق سراحه حديثاً من السجن، والذي كان قومياً متحمساً يسعى لإخراج الاحتلال البريطاني من مصر، كما كان أحد قادة مجموعة الضباط الأحرار التي كان يتزعمها جمال عبدالناصر، وتسعى لإطاحة حكم الملك فاروق، بحسب ما كتبه الرئيس الراحل في كتابه "البحث عن الذات: قصة حياتي".
وعلى وقع تاريخ السادات السياسي وأنشطته الثورية وفصله من الجيش، بعد أن سجن بتهمة التعاون مع جاسوسين ألمانيين في عام 1942، إلا أن إطلاق سراحه في ذلك التوقيت لم يكن كافياً لإزالة تخوفات والدَي جيهان في شأن احتمالية زواجهما، إضافة إلى عوامل أخرى، بينها فارق السن بينهما (نحو 16 عاماً)، وزواجه السابق الذي أنجب منه 3 بنات.
وكان السادات، في ذلك التوقيت، يعتاش من مهنة الصحافة وبعض مهن البناء، منذ أن تمت محاكمته عسكرياً بتهمة التعاون مع جاسوسين ألمانيين، ولاحقاً مع ارتباط اسمه بعدة هجمات على مسؤولين موالين لبريطانيا، بما في ذلك اغتيال وزير المالية المصري آنذاك، أمين عثمان باشا، إلا أنه في عام 1950 تمكن أصدقاء له من إعادته للجيش في عام 1950، وذلك قبل عامين من ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، وإطاحة النظام الملكي في البلاد، وتصدر مجموعة الضباط الأحرار المشهد في البلاد.
وعلى الرغم من ذلك، أصرت جيهان، وفق ما روته لاحقاً في تصريحات إذاعية وتلفزيونية، على الزواج من أنور السادات، في 29 مايو (أيار) 1949، معلنة في ذلك التوقيت بداية رحلة استمرت لأكثر من 32 عاماً مع رجل سيصبح رئيساً لمصر، سيغير مجرى التاريخ في الشرق الأوسط، وأنجبت منه 3 بنات هن لبنى ونهى وجيهان، وولد واحد هو جمال.
وعن إصرارها على الزواج من السادات على الرغم من أنه كان خارجاً من السجن ويكبرها بنحو 16 عاماً، قالت جيهان في حوار سابق أجرته معها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في يونيو (حزيران) 1987، (بعد نحو ست سنوات من اغتيال السادات)، "الحب يصنع المعجزات، لقد كان أنور سجينا سياسياً، سمعت أنه صرخ في وجه القاضي خلال محاكمته، فأبهرني مدى شجاعته، وشعرت بأنه بطل من أبطال الروايات". وتابعت، "قابلته لأول مرة في السويس، وأحببنا بعضنا البعض، وتمت خطبتنا، وكان يأتي لرؤيتي في منزلنا كل يوم، وأتذكر أنه عندما رأت صديقاتي صورته، قلن لي إنه ليس جميلاً، ستتزوجينه لأنه بالتأكيد ثري، فقلت لهم إنه ليس ثرياً، فقلن ربما لديه نفوذ، يترأس منصباً ما، فقلت لهم لا أيضاً، فصرخن في وجهي، ثم قلت لهن سأتزوجه لأن لديه قيماً ومبادئ، أشعر بأنه سيصبح شيئاً كبيراً في المستقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال مسيرة سنوات عمرها الأولى، اهتمت جيهان بالتعليم، حيث التحقت في صغرها بمدرسة الإرسالية المسيحية خلال الأربعينيات، ثم درست بمدرسة الجيزة الثانوية في سن 11 عاماً، وحصلت على تعليم ممتاز، وتعلمت اللغتين الإنجليزية والعربية الفصحى والرياضيات والعلوم، وبعد ذلك، وفي سن الـ44 حصلت على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1977، وفي عام 1980 حصلت على ماجستير في الأدب المقارن، ثم نالت الدكتوراه عام 1986، وعملت بهيئة التدريس في جامعة القاهرة، وفق ما يذكر موقع الرئيس محمد أنور السادات الذي أنشأته مكتبة الإسكندرية.
محطات في حياة السيدة الأولى
على مدار عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، التي شهدت تحولات كبيرة وواسعة في التاريخ المصري، كانت جيهان شريكة الرئيس الراحل في أغلب الأحداث المهمة، بدءاً من ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، مروراً بالصراعات التي قامت داخل مجلس قيادة الثورة والمناصب المختلفة التي تولاها السادات أثناء رئاسة عبدالناصر لمصر، وحرب أكتوبر 1973، ومحطات السلام مع إسرائيل، وحتى اغتياله في السادس من أكتوبر عام 1981.
وبحسب موقع أنور السادات بمكتبة الإسكندرية، "فإن جيهان التي كانت أول سيدة أولى في تاريخ البلاد لعبت دوراً بارزاً في العمل العام، وانخرطت في النشاط العام بداية الستينيات وبدأ دورها يتبلور بعد تعيين السادات نائباً للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) 1969، ولاحقاً مع اختياره رئيساً للبلاد بعد وفاة عبدالناصر في 28 من سبتمبر (أيلول) 1970".
خلال حكم زوجها (في الفترة ما بين 1970 و1981)، ترأست نحو 30 منظمة وجمعية خيرية؛ أبرزها الهلال الأحمر، وجمعية بنك الدم، ورئيس شرف لتنظيم الأسرة، والجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الخدمات الجامعية، وأنشأت مركزاً للعناية بذوي الاحتياجات الخاصة 1972، ومركز تدريب لتأهيل المحاربين القدماء أطلقت عليه اسم "مدينة الوفاء والأمل"، ولرعاية مرضى السرطان، وتم افتتاح أول قرية أطفال لتسع 300 طفل في القاهرة وأخرى بالإسكندرية وثالثة بطنطا، ومشروع لكفالة الطفل اليتيم، ومن أهم نشاطاتها شن حملة قوية، على الرغم من المعارضة، من أجل حقوق النساء.
كما اهتمت بالمرأة الريفية من خلال مشروع "جمعية تلا التعاونية لتعليم القرويات الحياكة والتريكو"، فكانت بداية لسيدات الأعمال الريفيات، مع إقامة معارض لتسويق الإنتاج، وفي حرب أكتوبر 1973، برز دورها بصورة أوسع، إذ اصطحبت السيدات المتطوعات للخدمة بالمستشفيات إلى منطقة القناة لتشكر الجنود المرابطين هناك، وكانت تترأس الهلال الأحمر المصري وجمعية بنك الدم المصري، وكانت الرئيس الفخري للمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، كما كانت رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية، والجمعية العلمية للمرأة المصرية، وجمعية رعاية طلاب الجامعات والمعاهد العليا.
وفي عام 1974 رشحت نفسها كـ"مستقلة" للحصول على مقعد في المجلس الشعبي بالمنوفية الذي يضم ممثلي 300 قرية بهدف إظهار دور المرأة السياسي وإفساح الفرصة للنساء الريفيات للمساهمة في السياسة، وأعيد انتخابها عام 1978، وخدمت 3 سنوات كأول سيدة رئيس لمجلس شعبي في مصر، وقادت الدعوة لتنظيم الأسرة، وسعت لتعديل قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة على رأسها قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة، والذي لا يزال يعرف في مصر حتى الآن بـ"قانون جيهان"، ويلزم الزوج بإبلاغ زوجته قبل تسجيل الطلاق، والحق في تحريك دعوى قضائية للمطالبة بالنفقة.
محطة اغتيال السادات
كان من بين أصعب المحطات التي مرت بها جيهان السادات خلال حياتها، لحظة اغتيال زوجها خلال العرض العسكري في ذكري حرب أكتوبر عام 1981، وبحسب ما كتبته في مذكراتها "سيدة من مصر"، "كنت أجلس على بعد 25 ياردة من الرئيس، ولم أسمع وقتها سوى أصوات تقول (انزل، انزل)، في إشارة للجميع بأن ينبطحوا على الأرض حتى لا تصيبهم طلقات الرصاص"، موضحة، "كنت أرى فقط كراسي يتم إلقاؤها أمام الرصاص، وفوق الأجساد، حيث كانت الوسيلة الوحيدة للحماية".
تابعت، "نقلوني بعد لحظات قليلة إلى مستشفى المعادي العسكري على متن طائرة خاصة، وكنت لا أعلم ماذا حدث لزوجي، كنت أدعو الله طوال الطريق أن يكون بخير، صليت وتوسلت إلى الله في المستشفى، وأنا أنتظر أن يطمئني أي شخص عن حالته، حتى جاء صحافي كبير من المقربين، وقبل أن يبلغني الخبر، قلت له لا، لا تقل أي شيء، ثم نظرت إلى غرفة الجراحة، فوجدت السادات نائماً، حيت تم قطع ذراع بذلته العسكرية فقط، والدم متجلط فوق بقية البذلة، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أقبّل وجهه ويديه، ودموعي تنهمر فوقه".
وبحسب جيهان في مذكراتها، "بينما أعلن نبأ رحيل السادات من داخل المستشفى، وكان نائب الرئيس آنذاك حسني مبارك (الرئيس لاحقاً) في إحدى الحجرات، وقد ضمد يده بعد تعرضه للإصابة وبعض الخدوش، حيث دخلت إليه وسط صمت الحاضرين لتعلن له أحقيته في قيادة الأمة بعد وفاة زوجها".
وتابعت جيهان، "طلبت من مبارك ألا يعلن موت السادات حتى نعرف ما هو الموقف في البلاد، وكيف يمكن السيطرة عليه؟"، وعليه ظل خبر وفاة الرئيس السادات سراً على من كانوا داخل المستشفى، ولم يعلن وفاته للشعب إلا بعد سبع ساعات حين وقف مبارك "في خشوع على شاشة التلفزيون ليعلن موت زوجي"، كما تروي جيهان.
وذكرت السيدة الأولى السابقة، في هذه الأثناء، ظلت أسئلة كيفية اغتيال السادات تطاردها حتى جاء موعد دفن الجثمان، حينها سألها مبارك "أين ندفن أنور؟"، حيث كان يرغب السادات، وفق روايتها، في "الدفن إما في مسقط رأسه بقرية ميت أبو الكوم في المنوفية (شمال)، أو عند سفح جبل سيناء عند دير سانت كاترين، حيث كان سيبني جامعاً ومعبداً يهودياً كدليل على التسامح والتعايش بين اتباع الديانات المختلفة"، إلا أن جيهان في لحظة واحدة تجاهلت هذه الرغبة. وقالت لمبارك، "لقد كان السادات رجلاً عظيماً، وليس عادياً، فلماذا ندفنه في مكان يصعب على الناس زيارته، لِمَ لا ندفنه حيث لقي حتفه، إنه مكان عسكري؟ وكان الرئيس الراحل السادات يستمتع بذهابه يوم 6 أكتوبر كل عام إلى قبر الجندي المجهول. إن دفنه هناك سيذكر الجميع بكل ما فعله من أجل بلدنا، وكل عام أثناء استعراض 6 أكتوبر سيمر كل جندي وكل ضابط على قبره ويعرف أن السادات هناك، ويحييه".
وبحسب "واشنطن بوست" ظلت جيهان السادات تحتفظ في غرفة معيشتها بأتعس صورة على الإطلاق، وهي الصورة التي التقطت للرئيس الراحل أنور السادات، في 5 أكتوبر 1981، أي قبل اغتياله بـ24 ساعة، حيث كان يجلس في حديقة القصر الرئاسي، ليراجع خطابه الذي سيلقيه في اليوم التالي، خلال احتفالات نصر أكتوبر، وكان ينظر إلى حفيدته الصغيرة ياسمين.
ما بعد السيدة الأولى
بعد وفاة زوجها السادات في عام 1981، حافظت جيهان السادات على شعبيتها في الأوساط المصرية، وكذلك خلال عملها الأكاديمي في الجامعة الأميركية بالقاهرة ومحاضرةً في الولايات المتحدة. كما برز دورها من خلال العديد من الجوائز الوطنية والدولية التي حصلت عليها تكريماً لما قدمته من جهود إنسانية ودعم للنساء والأطفال، فضلاً عن أنها تلقت أكثر من 20 درجة دكتوراه فخرية في جامعات وطنية ودولية في مختلف أنحاء العالم.
وفي عام 1993 تلقت جائزة مجتمع المسيح الدولية للسلام، كما فازت عام 2001 بجائزة بيرل باك الدولية، وكرمتها الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة في أكثر من مناسبة.
من أشهر مؤلفات التي تركتها جيهان مذكراتها المنشورة حديثاً بعنوان "سيدة من مصر"، والتي تروي فيه قصتها وتجاربها، من خلال العمل السياسي كسيدة أولى وقرينة للرئيس السادات، وكتاب لها نشر في عام 2009، بعنون "أملي في السلام"، قدمت فيه رؤيتها لما تشهده منطقة الشرق الأوسط، وطرق التوصل إلى سلام منشود وحقيقي.