خلصت مراجعة [دراسة] مهمة إلى أن النظام المتبع في إنجلترا للعلاج من تعاطي المخدرات "يعجز عن تحقيق أهدافه"، وبحاجة ماسة إلى إصلاح.
وصفت البروفيسورة كارول بلاك، المستشارة الخبيرة في الصحة، نتائج مراجعتها التي أجرتها الحكومة بتكليف من حكومة بلادها بـ"المقلقة، بل الصادمة"، وقالت محذرة "لقد تركت التخفيضات في التمويل خدمات العلاج والتعافي من المخدرات في حال يرثى لها".
وفي تعقيب على المراجعة، التي تحذر من أن تعاطي المخدرات المترسخ يشكل "معوقاً رئيساً" أمام خطط بوريس جونسون الرامية إلى "المساواة" في الخدمات بين مختلف أنحاء البلاد، أعلنت الحكومة البريطانية عن إنشاء وحدة مشتركة بين الوزارات لمكافحة الإدمان على المخدرات .
في الجزء الأول من مراجعة كارول، التي نُشرت في فبراير (شباط) الماضي، وبعد ما وجدت أن تعاطي المخدرات المترسخ والوفيات المبكرة بين صفوف المدمنين يطالان المناطق المحرومة وشمال البلاد بصورة أكبر مقارنة بالمناطق الأخرى، تحذر البروفيسورة في الجزء الثاني الآن من أن الجائحة تسببت على الأرجح في "اتساع أوجه انعدام المساواة".
للأسف، يرسم التقرير صورة قاتمة، ربما تكون مألوفة جداً بالنسبة إلى كثيرين داخل القطاع، للشراكات "المتدهورة" بين المجالس وهيئات الصحة والإسكان والتوظيف والعدالة الجنائية، ونظام تكليف "مشتت" يفتقر إلى المساءلة الصحيحة، وقوة عاملة "محبطة" و"مستنزفة"، وسط اختفاء كثير من الخدمات "البالغة الأهمية" لمعالجة المدمنين على الكحول والمخدرات ودور إعادة التأهيل.
ويخلص التقرير إلى أن "المخصصات العامة التي نوفرها حالياً لخدمات الوقاية والعلاج والتعافي من المخدرات لا تفي بالغرض، وتحتاج بشكل عاجل إلى تعديل"، مضيفة أن "الوضع الحالي غير مقبول".
ضمن 32 توصية تقريباً تضمنتها المراجعة، شددت السيدة كارول على أهمية الدفع بمزيد من المدمنين إلى تلقي العلاج الذي يحتاجون إليه، وتجنيبهم نظام العدالة الجنائية، والحرص على حصول المستفيدين من الخدمات على مجموعة أوسع من الدعم لتوفير المسكن والوظيفة، ومعالجة المشكلات الصحية العقلية والنفسية التي تكابدهم .
وفق كارول، سيقتضي تنفيذ التوصيات المذكورة إصلاح الخدمات، بالتزامن مع "تقويم جذري" للتمويل والتكليف، والقيادة الحكومية المركزية، مع "إدخال تحسينات... على كيفية استرشاد السياسات بالعلم".
وقالت كارول، "تواجه الحكومة خياراً لا مفر منه: إما توظيف الاستثمار في معالجة المشكلة، أو الاستمرار في تحمل العواقب. نحتاج إلى نهج يشمل النظام بأكمله، ويقدم هذا الجزء من مراجعتي مقترحات واقعية، يمكن تسليمها داخل هذا البرلمان، لتحقيق ذلك."
حالياً، تبلغ الوفيات الناتجة عن تعاطي المخدرات في إنجلترا وويلز أعلى مستوياتها، بعد ما واصلت ارتفاعها على مدى ثماني سنوات متتالية.
ويتوافق الارتفاع في وفيات متعاطي المخدرات مع اللجوء إلى السلطات المحلية التي تواجه ضائقة مالية أصلاً لتسليمها المسؤولية عن تمويل الخدمات، والتحول إلى التشديد على الانقطاع عن التعاطي أثناء تلقي العلاج، ورحيل جماعي لمتعاطي المواد الأفيونية عن المجموعات الوقائية الخاصة بالعلاج.
وتكراراً لمناشدات استمرت سنوات عدة داخل القطاع للحصول على تمويل من الحكومة المركزية يُمنح حصراً لخدمات العلاج من المخدرات، حثت كارول الحكومة على أن تستثمر 552 مليون جنيه إسترليني إضافية طيلة خمس سنوات في علاج المدمنين، علاوة على الإنفاق السنوي الأساسي البالغ 680 مليون جنيه إسترليني، وعلى أن تطالب المجالس باستخدام الأموال لهذا الغرض الواضح.
وقالت كارول إن "المردود رائع"، مستشهدة بتقديرات أصدرتها "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England، تشير إلى أن كل جنيه إسترليني يُستثمر في علاج المخدرات يعود بأربعة جنيهات إسترلينية كمدخرات في نهاية المطاف، مضيفة أن "عدم الاستثمار في علاج الإدمان سيفاقم حتماً الضغوط على نظام العدالة الجنائية، والخدمات الصحية، وخدمات التوظيف، ونظام الرعاية الاجتماعية في المستقبل".
ولكن حذرت المراجعة من أن "تعزيز التمويل خطوة ضرورية، ولكنها ليست كافية"، ودعت بوريس جونسون إلى تعيين وزير مسؤول عن "مساءلة الحكومة ككل"، مدعوماً بوحدة حكومية جديدة مشتركة بين الوزارات.
الخميس الماضي، أعلن وزراء المملكة المتحدة عن إنشاء وحدة مكافحة المخدرات المشتركة الجديدة، التي ستجمع بين وزارات متعددة هي، وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، وزارة الداخلية، وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي، وزارة العمل والمعاشات، وزارة التربية، ووزارة العدل.
وفي هذا الصدد، قال ساجد جاويد، وزير الصحة الجديد في بريطانيا، إن حكومة بلاده "ستمعن البحث في هذه التوصيات وتنشر رداً أولياً قريباً بشأن الإجراء العاجل الذي يمكننا اتخاذه في سبيل وقف الوفيات المرتبطة بالمخدرات، ومنح أعداد إضافية من الناس فرصة الاستفادة من خدمات ذات جودة عالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذ قدمت شكرها للسيدة كارول على المراجعة التي نهضت بها، قالت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل إن الحكومة "تتخذ إجراءات صارمة ضد المجرمين، وتمنع إساءة استخدام المخدرات في مجتمعاتنا، وتقدم المساعدة لمتعاطي المخدرات عن طريق العلاج والتعافي"، مشيرة إلى تمويل بقيمة 148 مليون جنيه إسترليني أعلن عنه في وقت سابق من العام الحالي.
ولافت أن كارول، التي عُينت سابقاً مديرة وطنية للصحة والعمل في حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وشغلت المنصب طوال ست سنوات، حثت أيضاً الحكومة على الاعتراف "بأن الإدمان حالة صحية مزمنة، وعلى غرار داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب المفاصل الروماتويدي، ستتطلب متابعة طويلة الأمد".
في الوقت الحاضر، يُقاس أداء المرافق التي تقدم خدمات العلاج غالباً استناداً إلى مؤشر رئيس، ويرتبط أحياناً بالمبلغ الذي توفره المجالس له، ألا وهو أن يستكمل الفرد العلاج "بنجاح" من دون أن يضطر إلى أن يعود مجدداً إلى المؤسسة طلباً للمساعدة في غضون ستة أشهر.
وقالت كارول إن "التسريح من المركز بعد فترة قصيرة من العلاج يُستخدم حالياً كمقياس للنجاح في الشفاء، ولكن علينا أن نتوقف عن ذلك، لأن هذا العامل يتجاهل الطبيعة الانتكاسية الأساسية للإدمان".
ودعت إلى ضرورة التعامل مع الصدمات والمشكلات التي تطال الصحة العقلية والنفسية، علماً أنها تشكل "الدافع إلى كثير من حالات الإدمان وتصاحبها"، على أنها "اعتلالات متزامنة وليست مشكلات صحية منفصلة من أجل التشخيص المزدوج"، بمعنى معاناة المريض من اضطراب نفسي تزامناً مع اضطراب تعاطي المخدرات، ونبهت إلى أنه يتعين على "مفوضي الخدمات الصحية الخاصة بعلاج تعاطي المخدرات والصحة العقلية والنفسية التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) أن يحرصوا على أن يلقى الأفراد العناية اللازمة".
وصوبت كارول سهامها نحو عمليات إعاد التكليف المتكررة، كل ثلاث سنوات غالباً، محذرة من أنها "تعوق إنشاء شبكة مستقرة" للعلاج من المخدرات، موضحة أن "التكليف غالباً ما يتعدى كونه مجرد عملية شراء تولي السعر اهتماماً مبالغاً فيه على حساب الجودة".
وأضافت كارول أن "الاضطراب الناجم عن إعادة تكليف خدمات العلاج من تعاطي المخدرات بشكل متكرر جعل التوظيف صعباً ودفع كثيرين إلى مغادرة مرافق الخدمات، لا سيما الموظفين المدربين مهنياً مثل الأطباء النفسيين وعلماء النفس والممرضين".
ودعت وزارة الصحة إلى إعادة النظر في عملية الشراء، وإلى أن تتخذ، إلى جانب "هيئة التعليم الصحي في إنجلترا"، "إجراءات عاجلة" لإعادة تأهيل القوى العاملة التي تسيء استعمال المواد المخدرة.
وإذ أشارت إلى أنه "لم يعد في مقدورنا، كمجتمع، أن نغض الطرف عن تعاطي المخدرات للترفيه عن النفس"، دعت الوزراء إلى "الاستثمار الآن في إيجاد صندوق للابتكار بغية اختبار أي تدخلات تسويقية وسلوكية يمكن أن تؤتي ثمارها في المملكة المتحدة"، مضيفة أنه "كما بينت جائحة "كوفيد" بوضوح، يمكننا إحداث تغيير في السلوكيات والمواقف في ما يتصل بالسلوك الصحي".
في تطور متصل، رحبت "تشاينج غرو لايف"Change Grow Live ، أكبر شركة لتوفير العلاج بالعقاقير في المملكة المتحدة، بالدعوات التي أطلقتها المراجعة من أجل إحداث تغيير في علاج المخدرات، وحثت الحكومة على المضي قدماً في استراتيجية جديدة مشتركة تضطلع بها بين هيئات عدة.
مارك مودي، الرئيس التنفيذي في "تشاينج غرو لايف"، قال إن هذا النهج الجديد "يجب أن يكفل توفر العلاج الفاعل القائم على الأدلة في كل الأماكن المطلوبة"، مشيراً إلى ضرورة وضع "معايير جديدة لنجاح العلاج، ذلك أن التعافي أكثر من كونه مجرد انقطاع عن التعاطي".
وأوضح أنه "بالنسبة إلى البعض، يتمثل النجاح في التوقف عن تعاطي العقاقير غير المشروعة، وتحقيق الاستقرار في حياتهم، وجمع شمل العائلات. وبالنسبة إلى البعض الآخر، يتعلق النجاح بالحصول على وظيفة، أو العودة إلى الدراسة".
"كذلك يجب أن تقوم بالتكليف الصحيح. نرغب في أن نشهد نهاية لتجزؤ الخدمات والنتائج القصيرة المدى. على كل المؤسسات المعنية التعاون معاً في سبيل إنشاء خدمات محلية مستقرة حيث تمس الحاجة إليها"، وفق ما قال مودي.
وتابع، "نملك الدليل بشأن الأمور التي تدفع الناس إلى العلاج، وما الذي يضمن بقاءهم في مرافق العلاج، وما الخطوات التي تنجح على المدى الطويل. الحاجة ماسة إلى استراتيجية جديدة لتطبيق ذلك في كل أرجاء المملكة المتحدة. معاً، علينا إحداث تغيير تدريجي في علاج" المخدرات.
وأخيراً، يحدو كارول الأمل "في أن تحظى توصيات [المراجعة] بالترحيب من جانب الحكومة، ذلك أنها تدعم بقوة برنامجيها المتعلقين بالحد من الجريمة وتعزيز "المساواة".
© The Independent